احتساب الإمام محمد بن إدريس الشافعي رحمه الله
(150 – 204 هـ = 767 – 820 م)
اسمه ومولده ونشأته:
هو الإمام محمد بن إدريس بن العباس بن عثمان بن شافع الهاشمي، القرشي، المطلبي، أبو عبد الله، أحد الأئمة الأربعة، عند أهل السنة، وإليه تُنسب الشافعية كافة، ولد في غزة (بفلسطين) وحمل منها إلى مكة، وهو ابن سنتين، وزار بغداد مرتين، وقصد مصر سنة (199هـ) وتوفي بها، وقبره معروف في القاهرة([1]).
مكانته وعلمه وثناء العلماء عليه:
قال عنه أبو نعيم: “هو الضياء في الظلم، أوضح المشكلات، وأفصح عن المعضلات، المنتشر علمه شرقاً وغرباً، المستفيض مذهبه براً وبحراً، المتبع للسنن والآثار، والمقتدي بما اجتمع عليه المهاجرون والأنصار، اقتبس عن الأئمة الأخيار، فحدث عنه الأئمة الأحبار، الحجازي المطلبي، أبو عبد الله محمد بن إدريس الشافعي -رضي الله تعالى عنه وأرضاه-، حاز المرتبة العالية، وفاز بالمنقبة السامية؛ إذ المناقب والمراتب يستحقها من له الدين والحسب، وقد ظفر الشافعي -رحمه الله تعالى- بهما جميعاً، شرف العلم العمل به، وشرف الحسب قربه من رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فشرفه في العلم ما خصه الله تعالى به من تصرفه في وجوه العلم، وتبسطه في فنون الحكم، فاستنبط خفيات المعاني، وشرح بفهمه الأصول والمباني، ونال ذلك بما يخص الله تعالى به قريشاً من نبل الرأي“([2]).
وقال عنه الذهبي: “الإمام، عالم العصر، ناصر الحديث، فقيه الملة، أبو عبد الله القرشي، ثم المطلبي، الشافعي، المكي، الغزي المولد”([3]).
وقال عنه ابن كثير: “فهو الإمام العالم، أحد أئمة الإسلام، وفقهاء الأنام، أبو عبد الله، محمد بن إدريس”([4]).
وعن ابن عبد الحكم قال: لما حملت أم الشافعي به رأت كأن المشتري خرج من فرجها، حتى انقض بمصر، ثم وقع في كل بلد منه شظية، فتأول المعتبرون أنه يخرج منها عالم يخص علمه أهل مصر، ثم يتفرق في سائر البلدان([5]).
وقال محمد بن الحسن: “إن تكلم أصحاب الحديث يوماً فبلسان الشافعي”([6]).
وقال الحميدي: “سمعت سيد الفقهاء محمد بن إدريس الشافعي”([7]).
وقال أبو عبيد: “ما رأيتُ رجلاً أعقل من الشافعي”([8]).
وقال أبو ثور: “ما رأينا مثل الشافعي، ولا رأى الشافعي مثل نفسه”([9]).
وقال الزعفراني: “ما رأيتُ مثل الشافعي أفضل، ولا أكرم، ولا أسخى، ولا أنقى، ولا أعلم منه”([10]).
وقال الإمام أحمد بن حنبل: “ما صليتُ صلاة منذ كذا سنة، إلا وأنا أدعو للشافعي”([11]).
وفي رواية: عن أحمد قَالَ: ما بت منذ ثلاثين سنة إلا وأنا أدعو إلى الشافعي، وأستغفر لَهُ، وقال له ابنه عبد الله: يا أبه، أي رجل كان الشافعي؟ فإني أسمعك تكثر من الدعاء لَهُ، قَالَ: يا بني، كان كالشمس للدنيا، وكالعافية للناس، فانظر هل لهذين من خلف، أو منهما من عوض[12].
وقال قتيبة بن سعيد: “مات الشافعي وماتت السنة”([13]).
وقال أحمد بن حنبل: “ما سبق أحد الشافعي إلى كتابة الحديث”([14]).
وعن أحمد بن محمد بن مصقلة، قال: سمعتُ أبا محمد ابن أخت الشافعي، يقول: قالت أمي: ربما قدمنا في ليلة واحدة ثلاثين مرة أو أقل أو أكثر المصباح إلى بين يدي الشافعي، وكان يستلقي، ويتفكر ثم ينادي: يا جارية هلمي المصباح، فتقدمه، ويكتب ما يكتب، ثم يقول ارفعيه، فقلتُ لأبي محمد: ما أراد برد المصباح؟ قال: الظلمة أجلى للقلب([15]).
وعن ابن بنت الشافعي، قال: سمعتُ أبي يقول: سمعتُ الشافعي، يقول: نظرتُ في دفتي المصحف، فعرفتُ مراد الله تعالى فيه إلا حرفين، واحداً، منهما قوله تعالى: {وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا} [الشمس (10)] فإني لم أجده”([16]).
وقال يونس بن عبد الأعلى: لو جمعت أمة لوسعهم عقل الشافعي.
وقال أبو ثور: من زعم أنه رأى مثل محمد بن إدريس في علمه وفصاحته ومعرفته وثباته وتمكنه فقد كذب، كان منقطع القرين في حياته، فلما مضى لسبيله لم يعتض منه.
وقال الإمام أحمد: ما أحد ممن بيده محبرة أو ورق إلا وللشافعي في رقبته منة.
وقال الزعفراني: كان أصحاب الحديث رقوداً، حتى جاء الشافعي، فأيقظهم، فتيقظوا.
وفضائله أكثر من أن تعد، ومناقبه أجل من أن تحد، فقد صنف الأئمة الجلة، كالبيهقي، وفخر الدين الرازي، وداود الظاهري، وغيرهم من العلماء فيها تصانيف، قيل: ثلاثاً عشر مصنفاً([17]).
قال الإمام أحمد يروى عن النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((أن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يقرر لها دينها))([18])، فكان عمر بن عبد العزيز على رأس المائة، وأرجو أن يكون الشافعي على رأس المائة الأخرى([19]).
وعن أبي عثمان الخوارزمي في ما كتب إلى قال: سمعتُ دبيساً قال: كنتُ مع أحمد بن حنبل في مسجد الجامع، فمر الشافعي، فقال: هذا رحمة الله -عز وجل- لامة محمد -صلى الله عليه وسلم-([20]).
وعن يونس بْن عَبْد الأعلى قَالَ: ما كَانَ الشّافعيّ إلّا ساحرًا، ما كنّا ندري ما يَقُولُ إذا قعدنا حوله، وكأن ألفاظه سُكّرٌ.
وعن عَبْد الملك بْن هشام النَّحْويّ قَالَ: طالت مُجالستُنا للشافعي، فما سمعت منه لحنه قط([21]).
عبادته وورعه:
كان الشافعي من أكابر العباد، روى أبو نعيم عن الربيع بن سليمان قال: “كان الشافعي يختم القرآن ستين ختمة” قلتُ: في صلاة رمضان؟ قال: “نعم”([22]).
وعن الربيع بن سليمان قال: “كان الشافعي قد جزأ الليل ثلاثة أجزاء؛ الثلث الأول يكتب، والثلث الثاني يصلي، والثلث الثالث ينام”([23]).
وعن إبراهيم بن محمد قال: “ما رأيتُ أحداً أحسن صلاة من محمد بن إدريس الشافعي”([24]).
وقال أبو نعيم: حدثنا عبد الرحمن، ثنا أبو محمد، أخبرني أبو محمد، قريب الشافعي -فيما كتب إلى- قال: عاتب محمد بن إدريس الشافعي ابنه عثمان، فقال فيما قال له: ووعظه به: يا بني، والله لو علمتُ أن الماء البارد يثلم من ديني شيئاً ما شربته إلا حاراً([25]).
سيرته الاحتسابية
كان للإمام الشافعي سيرة احتسابية حافلة بالمواقف العظيمة في إنكار المنكرات والمخالفات التي يراها، والبدع وأهلها، ومن مواقفه في ذلك:
1- إنكاره على من يقول له: أتأخذ بحديث رسول الله؟!
عن الحميدي، قال: كنتُ بمصر، فحدث محمد بن إدريس الشافعي، بحديث عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فقال له رجل: يا أبا عبد الله تأخذ بها؟ فقال: “إن رأيتني خرجتُ من الكنيسة، أو ترى عليَّ زناراً؟ إذا ثبت عندي عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حديث قلت به، وقولته إياه، ولم أزل عنه، وإن هو لم يثبت عندي لم أقوله إياه، أترى عليَّ زناراً حتى لا أقول به”([26]).
وعن الحسن بن علي الجصاص، قال: سمعتُ الربيع بن سليمان، يقول: سأل رجل الشافعي عن حديث النبي -صلى الله عليه وسلم-، فقال له الرجل: فما تقول؟ فارتعد وانتفض، وقال: “أي سماء تظلني، وأي أرض تقلني إذا رويتُ عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وقلتُ بغيره؟!”([27]).
وعن الربيع قال: روى الشافعي -رضي الله عنه- حديثاً، فقال له رجل: تأخذ بهذا يا أبا عبد الله؟ فقال: متى رويتُ عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حديثاً صحيحاً، فلم آخذ به والجماعة، فأشهدكم أن عقلي قد ذهب، وأشار بيده على رؤوسهم([28]).
2- إنكاره على (حفص الفرد) قوله: “القرآن مخلوق”:
فعن الربيع بن سليمان قال: أتيتُ الشافعي يوماً، فوافقتُ حفصاً الفرد، خارجاً من عنده، فقال: كاد والله الشافعي أن يضرب عنقي، فدخلتُ، فقال لي إسماعيل -رجل ذكره الربيع-: ناظر الشافعي حفص الفرد، فبلغ أن القرآن مخلوق، فقال له الشافعي: والله كفرتَ بالله العظيم، قال: وكان الشافعي لا يقول: حفص الفرد، وكان يقول: حفص المتفرد.
وعن الربيع قال: سمعتُ أبا شعيب قال: حضرت الشافعي وحفص الفرد يسأل الشافعي، فاحتج الشافعي عليه بأن القرآن كلام الله غير مخلوق، وكفر حفصاً المنفرد، قال الربيع: فلقيته، فقال: أراد الشافعي قتلي([29]).
وعن الربيع بن سليمان، قال: سمعتُ الشافعي، وذكر القرآن، وما يقول حفص الفرد، وكان الشافعي يقول: حفص المنفرد، وناظره بحضرة والٍ كان بمصر، فقال له الشافعي: “كفرتَ والله الذي لا إله إلا هو” ثم قاموا، فانصرفوا، فسمعتُ حفصاً يقول: أشاط والله الذي لا إله إلا هو الشافعي بدمي([30]).
ومما رد عليه الشافعي في ذلك ما رواه أبو يعقوب البويطي قال: سمعتُ الشافعي يقول: إِنما خلق الله الخلق بكن، فإِذا كانت كن مخلوقة، فكأن مخلوقاً خلق بمخلوق([31]).
3- إنكاره على من يفضل علي على أبي بكر وعمر:
عن الحارث بن سريج النقال، قال: نا إبراهيم بن عبد الله الحجبي يقول للشافعي: ما رأيتُ قرشياً يفضل أبا بكر وعمر على علي غيرك! فقال له الشافعي: علي ابن عمي، وابن خالي، وأنا رجل من بني عبد مناف، وأنت رجل من بني عبد الدار، ولو كانت هذه مكرمة لكنتُ أولى بهما منك، ولكن ليس الأمر على ما تحسب([32]).
قال البيهقي: كذا قال: ابن خالي، والصواب: ابن خالتي، يعني: ابن خالة جده من قبل أبيه([33]).
4- إنكاره على من ينتقده في طلبه علم اللغة قبل الفقه:
عن محمد بن إسماعيل بن الحبال الحميري عن أبيه، قال: كان محمد بن إدريس الشافعي رجلاً شريفاً، وكان يطلب اللغة والعربية والفصاحة والشعر في صغره، وكان كثيراً ما يخرج إلى البدو، ويحمل ما فيه من الأدب، فبينما هو ذات يوم في حي من أحياء العرب؛ إذ جاء إليه رجل بدوي، فقال له: ما تقول في امرأة تحيض يوماً، وتطهر يوماً؟ فقال: لا أدري، فقال له: يا ابن أخي: الفضيلة أولى بك من النافلة، فقال له: إنما أريد هذا لذاك، وعليه قد عزمت، وبالله التوفيق، وبه أستعين([34]).
5- ذكر جملة من احتساباته:
قال في الحلية: لم يزل الشافعي مع مالك إلى أن توفي مالك -رحمه الله-، ثم خرج إلى اليمن، وقد خرج بها الخارجي على هارون الرشيد، وطعن الشافعي عليه، وأعرض عمن ساعده، ورفع من قعد عنه، فبلغ ذلك الخارجي ما يقول فيه، فبعث إليه، فأحضره عنده، وهم بقتله، فلما سمع كلامه، وتبين له شرفه، وفضله وعفته عفا عنه، وعرض عليه قضاء اليمن، فامتنع من ذلك، ثم أشخص هارون جيشه إلى ذلك الخارجي، فقبض عليه، وحمل إلى بساط السلطان، وحمل معه الشافعي، وأحضرا جميعاً بين يدي الرشيد، فأمر بقتلهما، فقال له الشافعي: يا أمير المؤمنين: إن رأيتَ أن تسمع كلامي، وتجعل عقوبتك من وراء لساني، ثم تضمني بعد ذلك إلى ما يليق لي من الشدة أو الرخاء، فقال له: هات، فبين له القصة وعرفه شرفه، وذكر له كلاماً استحسنه هارون، وأمره أن يعيده عليه، فأعاد تلك المعاني بألفاظ أعذب منها، فقال له هارون: كثر الله في أهل بيتي مثلك، وكان محمد بن الحسن حاضراً، فلم يقصر، وخلى له السبيل، وسأله محمد بن الحسن، فنزل عليه أياماً…، ثم خرج إلى مصر والدار لمالك وأصحابه، يحكمون فيه، ويستسقون بموطئه، فلما عاينوه فرحوا به، فلما خالفهم، وثبوا عليه، ونالوا منه فبلغ ذلك سلطانهم، فجمعهم بين يديه، فلما سمع كلامه، وتبين له فضله عليهم قدمه عليهم، وأمره أن يقعد في الجامع، وأمر الحاجب أن لا يحجبه أي وقت جاء، فلم يزل أمره يعلو، وأصحابه يتزايدون إلى أن وردت مسألة من هارون الرشيد يدعو الناس إليها، وقد استكتمها الفقهاء، فأجابوه إلى ذلك، وقبلوها منه طوعاً، ومنهم كرهاً، فجيء بالمسألة إلى الشافعي، فلما نظر فيها، قال: غفل والله أمير المؤمنين عن الحق، وأخطأ المسير، عليه بهذا وحق الله علينا أوجب وأعظم من حق أمير المؤمنين، وهذا خلاف ما كان عليه أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وخلاف ما اعتقدته الأئمة والخلف، فكتب بذلك إلى هارون، فكتب في حمله مقيداً، فحمل حتى أحضر في دار أمير المؤمنين، فأجلس في بعض الحجر، ثم دخل محمد بن الحسن، وبشر المريسي جميعاً، فقال لهما هارون الرشيد: القرشي الذي خالفنا في مسألتنا قد أحضر في دارنا مقيداً، فما الذي تقولان في أمره، فقال محمد بن الحسن: يا أمير المؤمنين، وقد بلغني أيضاً أنه قد خالف صاحبه، وقد رد عليه، وعلى صاحبي أيضاً، وجعل لنفسه مقالة يدعو الناس إليها، ويتشبه بالأئمة، فإن رأيتَ أن تحضره حتى نبلو خبره، ونقطع حجته، ثم تضاعف عليه عقوبة أمير المؤمنين، فدعا به بقيده، فأحضر بين يدي أمير المؤمنين، فسلم عليه فلم يرد عليه، وبقي قائماً طويلاً، لا يؤذن له بالجلوس، وأمير المؤمنين مقبل عليهما دونه، ثم أومأ إليه، فجلس بين الناس، فقال محمد بن الحسن: هات مسألة يا شافعي نتكلم عليها، فقال له الشافعي: سلوني عما أحببتم، فتجرد بشر، وقال له: لولا أنك في مجلس أمير المؤمنين وطاعته فرض، لننزلن بك ما تستحقه، فليس أنت في كنف العمر، ولا أنت في ذمة العلم، فيليق بك هذا، فقال له الشافعي: “عض ما أنت” وذا بلغة أهل اليمن فأنشأ يقول:
أهابك يا عمرو ما هبتني *** وخاف بشراك إذ هبتني
وتزعم أمي عن أبيه *** من أولاد حام بها عبتني
فأجابه الشافعي وهو يقول:
ومن هاب الرجال تهيبوه *** ومن حقر الرجال فلن يهابا
ومن قضت الرجال له حقوقاً *** ولم يعص الرجال فما أصابا
فأجابه بشر، وهو يقول:
هذا أوان الحرب فاشتدي زيم
فأجابه الشافعي، وهو يقول:
سيعلم ما يريد إذا التقينا *** بشط الراب أي فتى أكونُ
فقال بشر: يا أمير المؤمنين دعني وإياه، فقال له هارون: شأنك وإياه، فقال له بشر: أخبرني ما الدليل على أن الله تعالى واحد؟ فقال الشافعي: يا بشر ما تدرك من لسان الخواص فأكلمك على لسانهم إلا أنه لا بد لي أن أجيبك على مقدارك من حيث أنت؛ الدليل عليه به، ومنه، وإليه، واختلاف الأصوات في المصوت، إذا كان المحرك واحداً دليل على أنه واحد، وعدم الضد في الكمال على الدوام، دليل على أنه واحد، وأربع نيرات مختلفات في جسد واحد متفقات على ترتيبه في استفاضة الهيكل دليل على أن الله تعالى واحد، وأربع طبائع مختلفات في الخافقين أضداد غير أشكال مؤلفات على إصلاح الأحوال، دليل على أن الله تعالى واحد، وفي خلق السموات والأرض بعد موتها، وبث فيها من كل دابة، وتصريف الرياح، والسحاب المسخر بين السماء والأرض لآيات لقوم يعقلون، كل ذلك دليل على أن الله تعالى واحد لا شريك له، فقال بشر: وما الدليل على أن محمداً رسول الله؟ قال: القرآن المنزل، وإجماع الناس عليه، والآيات التي لا تليق بأحد، وتقدير المعلوم في كون الإيمان بدليل واضح دليل على أنه رسول الله لا بعده مرسل يعزله، وامتحانك إياي بهذين السؤالين، وقصدك إياي بهما دون فنون العلوم دليل على أنك حائر في الدين، تائه في الله -عز وجل-، ولو وسعني السكوت عن جوابه لاخترته، وإن قلت آمراً لي: لا تشمر من سؤاليك هذين لقلت: بعيد من بركات اليقين، وكيف قصرت يدي عنك، لقد وصل لساني إليك.
فقال له بشر: ادعيت الإجماع، فهل تعرف شيئاً أجمع الناس عليه؟ قال: نعم، أجمعوا على أن هذا الحاضر أمير المؤمنين فمن خالفه قتل، فضحك هارون، وأمر بأخذ القيد عن رجليه، قال: ثم انبسط الشافعي في الكلام، فتكلم بكلام حسن، فأعجب به الرشيد، وقربه من مجلسه، ورفعه عليهما، قال: ثم غاصا في اللغة -وكان بشر مدلاً بها- حتى خرجا إلى لغة أهل اليمن، فانقطع بشر في مواضع كثيرة، فقال محمد بن الحسن لبشر: يا هذا إن هذا رجل قرشي، واللغة من نسكه، وأنت تتكلفها من غير طبع، فدعوني ومالكاً، ودعوا مالكاً معي، قال الشافعي: إن كنت أبا ثور يعقر الحرف، فجرى بينهما عشر مسائل انقطع محمد بن الحسن في خمس منها، حتى أمر هارون الرشيد بجز رجل محمد بن الحسن، فأراد الشافعي أن يكافئه لما كان له عليه من اليد، فقال: “يا أمير المؤمنين، والله ما رأيت يمنياً هو أفقه منه” وجعل يمدحه بين يدي أمير المؤمنين، ويفضله، فعلم هارون الرشيد ما يريد الشافعي بذلك، فخلع عليهما، وحمل كل واحد منهما على مهري قرطاس، يريد بذلك مرضاة الشافعي، وخلع على الشافعي خاصة، وأمر له بخمسين ألف درهم، فانصرف إلى البيت، وليس معه شيء، قد تصدق بجميع ذلك ووصل به الناس، فقال له هارون الرشيد: أنا أمير المؤمنين، وأنت القدوة، فلا يدخل علي أحد من الفقهاء قبلك، فأنشأ محمد بن الحسن يقول:
أخذت ناراً بيدي *** أشعلتها في كبدي
فقلت: ويحي سيدي *** قتلتُ نفسي بيدي([35]).
6- إنكاره على بشر المريسي:
عن الحسين بن علي، قال: جاءت أم بشر المريسي إلى الشافعي، فقالت له: يا أبا عبد الله إن ابني هذا يحبك، وإن ذُكرت عنده أجلك، فلو نهيته عن هذا الرأي الذي هو فيه، فقد عاداه الناس عليه، فقال الشافعي: أفعلُ، فشهدت الشافعي، وقد دخل عليه بشر، فقال الشافعي: أخبرني عما تدعو إليه؛ أفيه كتاب ناطق، وفرض مفترض، وسنة قائمة، ووجب على الناس البحث فيه والسؤال؟ فقال بشر: ليس فيه كتاب ناطق، ولا فرض مفترض، ولا سنة قائمة، ولا وجب على السلف البحث فيه إلا أنه لا يسعنا خلافه، فقال له الشافعي: “قد أقررت على نفسك الخطأ، فأين أنت عن الكلام في الأخبار والفقه، وتوافيك الناس عليه، وتترك هذا، فقال: لنا فيه تهمة، فلما خرج بشر، قال الشافعي: “لا يفلح”([36]).
وعن سعيد بن حاجب، قال: بينما بشر المريسي والشافعي يتناظران، إذ قال الشافعي: هذا كلام تحته معنيان، وكرر هذه اللفظة، فقال بشر للشافعي: إلى متى تقول هذا كلام تحته معنيان؟ جعلك الله جوذا بة تحتي([37]) خصي فرعون وهامان، قال: فغضب الشافعي، وقال: والله ما يمنعني عن جوابك إلا ضناً بعرضي لمثلك يا زنديق، أما علمتَ أن للاستعجال في الكلام فلتات تعتري بعض الأعتام([38]).
7- إنكاره على مغتاب:
وتنقص رجل محمد بن الحسن عند الشافعي، فقال له: “مهما تلمظت بمضغة طالما لفظها الكرام([39]).
8- إنكاره على افتراش الديباج:
قال الحارث بن سريج: دخلتُ مع الشافعي على خادم الرشيد، وهو في بيت قد فرش بالديباج، فلما وضع الشافعي رجله على العتبة أبصر الديباج، فرجع، ولم يدخل، فقال له الخادم: ادخل، فقال: “لا يحل افتراش هذا” فقام الخادم متمشياً حتى دخل بيتاً قد فرش بالأرميني، ثم دخل الشافعي، فأقبل عليه، وقال: هذا حلال، وذاك حرام، وهذا أحسن من ذاك، وأكثر ثمناً منه، فتبسم الخادم، وسكت([40]).
9- إنكاره على إبراهيم بن إسماعيل بن علية:
عن صالح بن أبي صالح كاتب الليث، قال: كنا مع الشافعي فِي مجلسه، فجعل يتكلم فِي تثبيت خبر الواحد عن النبي -صلى الله عليه وسلم- فكتبناه، وذهبنا به إلى إبراهيم بن إسماعيل ابن علية، وكان من غلمان أبي بكر الأصم، وكان مجلسه بمصر عند باب الضوَال، فلما قرأنا عليه، جعل يحتج لإبطاله، فكتبنا ما قال ابن علية، وذهبنا به إلى الشافعي، فنقضه الشافعي، وتكلم بإبطال ما قال ابن علية، ثم كتبنا ما قال الشافعي، وذهبنا به إلى ابن علية، فجعل يحتج بإبطال ما قال الشافعي، فكتبناه، ثم جئنا به إلى الشافعي، فقال الشافعي: إن ابن علية ضال، قد جلس عند باب الضوَال! يضل الناس([41]).
10- إنكاره على متكلم:
عن الربيع قال: سمعتُ الشافعي، وسأله رجل عن مسألة، فقال له الشافعي: إن هذا يدعو إلى الكلام، ونحن لا نجيب في شيء من الكلام([42]).
وقال في المختصر: “وكان الشافعي ينكر على أهل علم الكلام، وعلى من يشتغل فيه”([43]).
وكان يقول: “لو علم الناس ما في الكلام من الأهواء لفروا منه، كما يفرون من الأسد”.
وقال: “حكمي في أهل الكلام أن يضربوا بالجريد، ويطاف بهم في القبائل، وينادى عليهم هذا جزاء من ترك الكتاب والسنة، وأقبل على الكلام”.
وكان يقول: “حكي في أهل الكلام حكم عمر -رضى الله عنه- في صبيغ”([44]).
11- إنكاره على رجل متزهد أخطأ:
روي أن الشافعي كان عطيراً، وكان غلامه يأتيه كل يوم بغالية، يمسح بها الأسطوانة التي يجلس إليها، وكان إلى جانبه رجل متزهد، فعمد إلى عذرة، فجعلها في شارب نفسه، مضادة لما فعل، وكان سميه البطال؟ فلما شم الشافعي الرائحة قال: فتشوا نعالكم، ثم قال: ليشم بعضكم بعضاً، فوجدوا ذلك بالرجل، فقال له الشافعي: ما حملك على ما فعلت؟ قال رأيتُ تجبرك فأردت أن أتواضع لله، قال الشافعي: اذهبوا به إلى صاحب الشرطة يعقله، حتى ننصرف، فلما خرج الشافعي أمر به فضربه ثلاثين درة، قال له: هذا أراه لجهلك، ثم أربعين، وقل له: هذا لتخطيك المسجد بالعذرة([45]).
12- إنكاره على المزني:
عن المزني، قال: لما وافى الشافعي مصر، قلتُ في نفسي: إن كان أحدٌ يُخرج ما في ضميري، وما تعلق به خاطري من أمر التوحيد فهو، فصرت إليه، وهو في مسجد مصر، فلما جَثَوْت بين يديه قلتُ: إنه هجس في ضميري مسألة في التوحيد، فعلمتُ أنّ أحدًا لا يعلم علمك، فما الذي عندك؟ فغضب، ثم قال: أتدري أين أنت؟ قلت: نعم، قال: هذا الموضع الذي غرق فيه فرعون، أبلغك أنَّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أمر بالسؤال عن ذلك؟ فقلتُ: لا، فقال: هل تكلّم فيه الصحابة؟ قلتُ: لا، قال: تدري كم نجوم السماء؟ قلتُ: لا، قال: فكوكبٌ منها تعرف جنسه، طلوعه، أفوله، مم خُلِقَ؟ قلتُ: لا، قال: فشيءٌ تراه بعينك من الخلق لست تعرفه، تتكلم في خالقه! ثمّ سألني عن مسألة في الوضوء، فأخطأت فيها، ففرّعها على أربعة أوجُهٍ، فلم أُجِبْ في شيء منها، فقال: شيءٌ تحتاج إليه في اليوم خمس مرات، تدع عِلْمُه، وتتكلف علم الخالق، إذا هجس في ضميرك ذلك، فارجع إلى الله تعالى، وإلى قوله: {وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ} [البقرة (163)] الآية، والآية بعدها، فاسْتدِلّ بالمخلوق على الخالق، ولا تتكلف عِلْمَ ما لا يبلغه عقلُك، قال: فُتْبتُ([46]).
13- إنكاره على من خطأه بغير علم:
عن عبد الله بن محمد بن العباس بن عثمان بن شافع الشافعي قال: جلس محمد بن إدريس الشافعي يوماً في خيمة، فجاءه عالم حدث، فسأله عن مسألة، فأجابه فيها، ثم سأله عن أخرى، فقال له: أخطأت يا أبا عبد الله، فأطرق طويلاً، ثم رفع رأسه، ثم قال له: أخطأت يا بن أخي ما في كتابك، فأما الحق فلا([47]).
14- إنكاره على إسحاق بن راهويه:
قال الشافعي لبعض من عرفه: من هذا؟ فقال: هذا إسحاق بن إبراهيم الحنظلي بن راهويه الخراساني، فقال له الشافعي: أنت الذي يزعم أهل خراسان أنك فقيههم؟! قال إسحاق: هكذا يزعمون، قال الشافعي: ما أحوجني أن يكون غيرك في موضعك، فكنت آمر بعرك أذنيه، أنا أقول: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وأنت تقول: عطاء وطاوس والحسن، هؤلاء لا يرون ذلك، وهل لأحد مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حجة؟([48]).
15- إنكاره على من يكذب في الرواية عنه:
قال الشافعي: “وروى عني رجل بالعراق أني أحل الغناء في الصلاة” قال: “فلقيتُ الرجل فسألته عن روايته عني” فقال: نعم أنت تقول في رجل سلَّم من اثنتين ساهياً، فتغنى أنه في صلاة يتمها، لا يفسدها، قال الشافعي: قلتُ: “فيجوز لي أن أروي عنك أنك تقول: لا بأس بأن تسلم من كل ركعتين عامداً؟([49]).
16- إنكاره على تكلف البكاء عند القراءة:
وعن الربيع قال: وسمعتُ الشافعي يقول: في ذكر هؤلاء القوم الذين يبكون عند القراءة، فقال: “قرأ رجل وإنسان حاضر: {فَإِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ} [محمد (4)] فجعل الرجل يبكي، فقيل له: يا بغيض، أهذا موضع البكاء؟!([50])
17- إنكاره على من يتكلم في الصحابة:
عن الربيع بن سليمان بن المرادي، قال: قال لي محمد بن إدريس الشافعي: ما ساق الله هؤلاء الذين يتقولون في علي وفي أبي بكر وعمر وغيرهم من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- إلا ليجري الله لهم الحسنات، وهم أموات([51]).
وقال الخطيب البغداي: “ولما منعت الديلم ببغداد الناس أن يذكروا فضائل الصحابة، وكتبت سب السلف على المساجد؛ كان الشافعي يتعمد في ذلك الوقت إملاء الفضائل في جامع المدينة، وفي مسجده بباب الشام، ويفعل ذلك حسبة، ويعده قربة”([52]).
18- إنكاره على البدع وأهلها:
عن أبي محمد بن أبي حاتم قال: أخبرني أبو عثمان الخوارزمي، نزيل مكة فيما كتب إلي، قال: قال أبو ثور: كنتُ أنا وإسحاق بن راهويه، وحسين الكرابيسي، وذكر جماعة من العراقيين ما تركنا بدعتنا حتى رأينا الشافعي([53]).
وعن أبي ثور، قال: لما ورد الشافعي العراق جاءني حسين الكرابيسي -وكان يختلف معي إلى أصحاب الرأي- فقال: قد ورد رجل من أصحاب الحديث يتفقه، فقم بنا نسخر به. فذهبنا حتى دخلنا عليه، فسأله الحسين عن مسألة، فلم يزل الشافعي يقول قال الله، وقال رسول الله، حتى أظلم علينا البيت، فتركنا بدعتنا، واتبعناه([54]).
وقال الحميدي: “كنا نريد أن نرد على أصحاب الرأي، فلم نحسن كيف نرد عليهم حتى جاءنا الشافعي ففتح لنا”([55]).
قلتُ: وهذا بسبب ما آتاه الله من قوة الحجة، وحسن المناظرة.
وقد روى أبو نعيم قال: حدثنا عبد الله، ثنا عبد الرحمن، ثنا أبو زكريا، ثنا محمد، قال: ما رأيتُ أحداً يناظر الشافعي إلا رحمته مع الشافعي([56]).
وقال هارون بن سعيد: “لو أن الشافعي ناظر على هذا العمود الذي من حجارة أنه من خشب لغلب في اقتداره على المناظرة([57]).
19- إنكاره على من يزيد في كلام الناس:
قال المزني: سمعتُ الشافعي، يقول: خرجنا من مكة في سنة جدباء، فلما صرنا في بعض الطريق، عارضنا رجل على جمل، فقلنا: من يقوم إليه فيسأله عن عيالنا؟ فقام إليه رجل ممن كان في الرحل معنا، فلم يلبث إلا يسيراً، ثم جاء إلينا، فجعل يحدثنا عنه بكلام كثير، فقلنا: حدثك الرجل بكلام يسير، وأنت تحدثنا منذ اليوم، فقال: حدثني بالأصل، وجئتكم بالتفسير([58]).
20- إنكاره على الوضاعين والضعفاء من المحدثين:
قال الربيع: سمعتُ الشافعي يقول: “حديث حزام بن عثمان حرام”([59]).
وعن الربيع بن سليمان قال: سمعتُ الشافعي يقول: “يحتاج أبو الزبير إلى دعامة”([60]).
وعن محمد بن عبد الرحمن بن عبد الحكم، قال: سمعتُ الشافعي يقول: “من حدث عن أبي جابر البياضي بيض الله عينيه”([61]).
وعن محمد بن عبد الله بن عبد الحكم، قال: سمعتُ الشافعي يقول: “سمعت من أبي جابر الجعفي كلاماً خفت أن يقع علينا السقف”([62]).
21- إنكاره على تولي غير المؤهلين أمر المسلمين:
عن أسد بن عفير، قال: سمعتُ الشافعي، يقول: كان حماد البربري والياً علينا بمكة، فزادوه اليمن، فقلت لأمي: ما ندري وما أملي لهذا الرجل؟! ولي مكة وزيد اليمن! فقالت: يا بني إن الحجر إذا سما كان أشد سقوطاً، فقلتُ: يا أمه، صدق رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((لا تقوم الساعة حتى تصير للكع ابن لكع))([63])، فقالت: يا بني وأين لكع ابن لكع؟ رحم الله لكع ابن لكع منذ زمن طويل([64]).
22- إنكاره على من يريد حفظ الحديث وهو غير أهل لذلك:
عن الربيع قال: سمعتُ الشافعي يقول لابن مقلاص: “يا أبا علي، أتريد أن تحفظ الحديث، وتكون فقيهاً؟ هيهات، ما أبعدك من ذلك([65]).
أقواله وآراؤه الاحتسابية
كان للإمام الشافعي أقوال مشهورة، وآراء سديدة، في الحسبة والاحتساب، منها:
1- قال الشافعي: إذا كان في الوليمة خمر، أو منكر، وما أشبهه من المعاصي الظاهرة نهاهم، فإن نحوه وإلا رجع، وإن علم أن ذلك عندهم لم أحب له أن يجيب([66]).
2- قال المزني: سمعتُ الشافعي، يقول: “من وعظ أخاه سراً فقد نصحه وزانه، ومن وعظه علانية، فقد فضحه وخانه”([67]).
ومن الباب قوله شعراً:
تَعمدني بنصحكَ في انفرادٍ *** وجنبني النصيحةَ في الجماعةْ
فإنَّ النصحَ بينَ الناسِ نوعٌ *** من التوبيخِ لا أرضى استَماعه
فإنْ خَالفتني وعصيتَ أمْري *** فلا تجزعْ إذا لم ُتعطَ طاعةْ([68])
3- قال الربيع: سمعتُ الشافعي، يقول: “من استغضب فلم يغضب فهو حمار، ومن غضب فاسترضي فلم يرض فهو حمار”([69]).
4- عن أحمد بن العباس الساجي، قال: سمعت أحمد بن خالد الخلال، يقول: سمعت محمد بن إدريس الشافعي، يقول: “ما ناظرتُ أحداً قط إلا على النصيحة”([70]).
5- عن الربيع قال: حدثنا الشافعي قال: التعزير أدب لا حد من حدود الله، وقد كان يجوز تركه، ألا ترى أن أموراً قد فعلت على عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كانت غير حدود، فلم يضرب فيها، منها: الغلول في سبيل الله، وغير ذلك، ولم يؤتِ بحد قط فعفاه([71]).
6- قال الشافعي: وأحب لمن أصاب ذنباً، فستره الله عليه أن يستر على نفسه، ويتوب فيما بينه وبين ربه([72]).
7- قال الشافعي -رضي الله عنه- عن الشاهد: “وإن كان يديم الغناء، ويغشاه المغنون معلناً، هذا سفه ترد به شهادته، وإن كان يقل لم ترد([73]).
8- وعن يحيى بن سعيد قال الشافعي -رحمه الله-: وشهد ثلاثة على رجل عند عمر -رضي الله عنه- بالزنا, ولم يثبت الرابع, فجلد الثلاثة([74]).
9- عن الحسن بن الحروري، قال: سمعتُ الشافعي محمد بن إدريس يقول: “تركت في العراق شيئاً، يقال له: التغبير، أحدثه الزنادقة، يصدون به الناس عن القرآن”([75]).
10- وعن الربيع قال: سمعت محمد بن إدريس الشافعي يقول: “لأن يلقى الله العبد بكل ذنب ما خلا الشرك خير من أن يلقاه بشيء من هذه الأهواء” وذلك أنه رأى قوماً يتجادلون في القدر بين يديه، فقال الشافعي: “في كتاب الله المشيئة دون خلقه والمشيئة إرادة الله يقول الله تعالى: {وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ} [التكوير (29)] فأعلم خلقه أن المشيئة له” وكان يثبت القدر، وقال في كتابه: “من حلف باسم من أسماء الله فحنث فعليه كفارة؛ لأنه حلف بغير مخلوق”([76]).
مروياته الاحتسابية
للإمام الشافعي -رحمه الله تعالى- روايات كثيرة، تتعلق بالحسبة، منها:
1- قال الشافعي: أخبرنا سعيد بن سالم، عن ابن جريج أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- رأى رجلاً محرماً بحبل أبرق، فقال: انزع الحبل، مرتين([77]).
2- قال الشافعي: أخبرنا الثقفي، عن حميد، عن أنس -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان في بيته رأى رجلاً اطلع عليه، فأهوى له بمشقص في يده، كأنه لو لم يتأخر لم يبال أن يطعنه([78]).
3- قال الشافعي: أخبرنا ابن عيينة، عن يحيى بن سعيد، قال: سمعت أنس بن مالك، يقول: بال أعرابي في المسجد، فعجل الناس إليه، فنهاهم عنه، وقال: ((صبوا عليه دلوا من ماء))
وقال: أخبرنا ابن عيينة، عن الزهري، عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة، قال: دخل أعرابي المسجد، فقال: اللهم ارحمني ومحمداً، ولا ترحم معنا أحداً، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((لقد تحجرت واسعاً)) قال: فما لبث أن بال في ناحية المسجد، فكأنهم عجلوا عليه، فنهاهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ثم أمر بذنوب من ماء، أو سجل من ماء، فأهريق عليه، ثم قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((علموا ويسروا ولا تعسروا))([79]).
4- قال الشافعي: ثنا مالك، عن نافع، عن ابن عمر، أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أدرك عمر، وهو في ركب يحلف بأبيه، فقال: ((إن الله -عز وجل- ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم، فمن كان حالفاً، فلا يحلف إلا بالله، أو ليصمت))([80]).
5- عن الشافعي قال: أخبرنا سفيان، عن محمد بن عجلان، عن وهب بن كيسان، عن أبي هريرة، سمع عمر بن الخطاب باكية فنهاها، فقال له رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((دعها يا أبا حفص، فإن العهد قريب، والعين باكية، والنفس مصابة))([81]).
6- قال الشافعي في القديم: أخبرنا مالك بن أنس، عن حميد بن قيس، عن عطاء قال: أتى النبي -صلى الله عليه وسلم- رجل وبه أثر صفرة، فقال له رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((انزع قميصك، واغسل هذه الصفرة عنك))([82]).
7- قال الشافعي: سُئل مالك عن الصورة في البيت، فقال: لا ينبغي، فقال له رجل عراقي: هو ذا في بيتك صورة؟ فقال: أنا ساكن فيه منذ كذا ما رأيتها، قم فحكها، فأخذ قناة فلف عليها خرقة، ثم حكها([83]).
8- قال الشافعي: أخبرنا إبراهيم بن محمد، عن محمد بن المنكدر، أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- رأى رجلاً موفياً -يعني متكئاً- على قبر، فقال: ((انزل عن القبر))([84]).
([1]) الأعلام للزركلي (6/ 26).
([2]) حلية الأولياء وطبقات الأصفياء (9/ 63).
([3]) سير أعلام النبلاء (10/ 5-6).
([4]) طبقات الشافعيين في المقدمة، في ترجمة الإمام الشافعي.
([5]) تاريخ الإسلام (14/ 307).
([6]) حلية الأولياء وطبقات الأصفياء (9/ 91).
([7]) حلية الأولياء وطبقات الأصفياء (9/ 94).
([8]) حلية الأولياء وطبقات الأصفياء (9/ 93).
([9]) تاريخ دمشق لابن عساكر (51/ 334).
([10]) تاريخ دمشق لابن عساكر (51/ 334).
([11]) حلية الأولياء وطبقات الأصفياء (9/ 98).
([12]) المنتظم في تاريخ الملوك والأمم (10/ 139).
([13]) حلية الأولياء وطبقات الأصفياء (9/ 95).
([14]) حلية الأولياء وطبقات الأصفياء (9/ 102).
([15]) حلية الأولياء وطبقات الأصفياء (9/ 104).
([16]) حلية الأولياء وطبقات الأصفياء (9/ 104).
([17]) مرآة الجنان وعبرة اليقظان (2/ 19).
([18]) أخرجه أبو داود في كتاب الملاحم، باب ما يذكر في قرن المائة (4/ 109-4291) وصححه الألباني في صحيح الجامع (1/ 382-1874) ولفظه: ((إن الله تعالى يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها)).
([19]) تاريخ دمشق لابن عساكر (51/ 339) وحلية الأولياء وطبقات الأصفياء (9/ 97).
([20]) الجرح والتعديل لابن أبي حاتم (7/ 203).
([21]) تاريخ الإسلام (14/ 316).
([22]) حلية الأولياء وطبقات الأصفياء (9/ 134).
([23]) حلية الأولياء وطبقات الأصفياء (9/ 135).
([24]) حلية الأولياء وطبقات الأصفياء (9/ 135).
([25]) حلية الأولياء وطبقات الأصفياء (9/ 126).
([26]) حلية الأولياء وطبقات الأصفياء (9/ 106).
([27]) حلية الأولياء وطبقات الأصفياء (9/ 106).
([28]) معرفة السنن والآثار (1/ 216-453) والمدخل إلى السنن الكبرى للبيهقي (ص: 205-250) وحلية الأولياء وطبقات الأصفياء (9/ 106).
([29]) الأسماء والصفات للبيهقي (1/ 613-554) وشرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة (2/ 279-421) أحاديث في ذم الكلام وأهله (ص: 79) جمع الجيوش والدساكر على ابن عساكر (ص: 74).
([30]) الإبانة الكبرى لابن بطة (6/ 51-249) وانظر: الشريعة للآجري (1/ 508-176).
([31]) المختصر في أخبار البشر (2/ 26).
([32]) شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة (8/ 1453-2624).
([33]) معرفة السنن والآثار (1/ 193-352).
([34]) حلية الأولياء وطبقات الأصفياء (9/ 80).
(([35] حلية الأولياء وطبقات الأصفياء (9/ 82-83).
(([36] تاريخ بغداد (7/531) والمنتظم في تاريخ الملوك والأمم (11/33) وحلية الأولياء وطبقات الأصفياء (9/ 110).
([38]) تاريخ دمشق لابن عساكر (51/ 380).
([39]) المنتظم في تاريخ الملوك والأمم (11/ 33) وحلية الأولياء وطبقات الأصفياء (9/ 123).
([40]) معرفة السنن والآثار (5/ 38-6777) وحلية الأولياء وطبقات الأصفياء (9/ 126).
([42]) جمع الجيوش والدساكر على ابن عساكر (ص: 80-78).
(([43] المختصر في أخبار البشر (2/ 27).
([44]) البداية والنهاية (10/ 277) وتاريخ الإسلام (14/ 329).
([45]) ترتيب المدارك وتقريب المسالك (3/ 191).
([46]) تاريخ الإسلام (14/ 168-169).
([47]) مختصر تاريخ دمشق (21/ 395).
([48]) معرفة السنن والآثار (8/ 212-11678).
([49]) حلية الأولياء وطبقات الأصفياء (9/ 137).
([50]) حلية الأولياء وطبقات الأصفياء (9/ 138).
([51]) حلية الأولياء وطبقات الأصفياء (9/ 114).
([52]) تاريخ بغداد وذيوله ط العلمية (3/ 76) والمنتظم في تاريخ الملوك والأمم (14/ 173).
([53]) حلية الأولياء وطبقات الأصفياء (9/ 103).
([54]) حلية الأولياء وطبقات الأصفياء (9/ 103).
([55]) حلية الأولياء وطبقات الأصفياء (9/ 96).
([56]) حلية الأولياء وطبقات الأصفياء (9/ 103).
([57]) حلية الأولياء وطبقات الأصفياء (9/ 103).
([58]) حلية الأولياء وطبقات الأصفياء (9/ 140).
([59]) حلية الأولياء وطبقات الأصفياء (9/ 107).
([60]) حلية الأولياء وطبقات الأصفياء (9/ 107).
([61]) حلية الأولياء وطبقات الأصفياء (9/ 108).
([62]) حلية الأولياء وطبقات الأصفياء (9/ 108).
([63]) أخرجه سنن الترمذي في أبواب الفتن (4/ 493-2209) وصححه الألباني في صحيح الجامع (2/ 1238-7431) ولفظه: ((لا تقوم الساعة حتى يكون أسعد الناس بالدنيا لكع ابن لكع)).
([64]) حلية الأولياء وطبقات الأصفياء (9/ 140).
([65]) حلية الأولياء وطبقات الأصفياء (9/ 139).
([66]) شرح صحيح البخاري لابن بطال (7/ 292).
([67]) الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في ضوء كتاب الله (ص: 126) وشرح الأربعين النووية لابن دقيق العيد (ص: 114) وحلية الأولياء وطبقات الأصفياء (9/ 140).
([68]) ديوان الإمام الشافعي، ص 96).
([69]) حلية الأولياء وطبقات الأصفياء (9/ 143).
([70]) حلية الأولياء وطبقات الأصفياء (9/ 118).
([71]) معرفة السنن والآثار (8/ 342-12132).
([73]) شرح السنة للبغوي (12/ 382).
([74]) السنن الكبرى للبيهقي (10/ 249).
([75]) الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر للخلال (ص: 72).
([76]) حلية الأولياء وطبقات الأصفياء (9/ 112).
([77]) مسند الشافعي – ترتيب سنجر (2/ 206-842) ومعرفة السنن والآثار (7/ 150-9624) والسنن الكبرى للبيهقي (5/ 82-9072).
([78]) مسند الشافعي – ترتيب سنجر (3/ 321-1673).
([79]) مسند الشافعي – ترتيب سنجر (1/ 157-21-22).
([80]) السنن الكبرى للبيهقي (10/ 49-19821) وحلية الأولياء وطبقات الأصفياء (9/ 160).
([81]) معرفة السنن والآثار (5/ 345-7779).
([82]) معرفة السنن والآثار (7/ 160-9650).