احتساب البراء بن عازب رضي الله عنه
(000 – 71 هـ = 000 – 690 م)
اسمه:
هو البراء([1]) بن عازب بن حارث بن عدي بن جشم بن مجدعة بن حارثة ابن الحارث بن الخزرج، الأنصاري، الحارثي، الخزرجي، يُكنى أبا عمارة، وقيل: أبا الطفيل، وقيل: يكنى أبا عمرو، وقيل: أبو عمر، والأشهر والأكثر أبو عمارة، وهو أصح -إن شاء الله تعالى-([2]).
وأمه حبيبة بنت أبي حبيبة بن الحباب بن أنس بن زيد بن مالك بن النجار بن الخزرج.
ويقال: بل أمه أم خالد بنت ثابت بن سنان بن عبيد بن الأبجر، وهو خدرة.
فولد البراء: يزيد، وعبيداً، ويونس، وعازب، ويحيى، وأم عبد الله، ولم تسم لنا أمهم([3]).
وقيل: كان للبراء ابنان: يزيد، وسويد -رضى الله عنه وعنهما-([4]).
وفي تهذيب التهذيب أنهم أربعة: عبيد، والربيع، ويزيد، ولوط([5]).
وكان عازب -أبو البراء- قد أسلم أيضاً، وكانت أمه من بني سليم بن منصور، وكان له من الولد: البراء، وعبيد، وأم عبد الله، مُبايِعة، ولم يأتِ لعازب بذكر في شيء من المغازي، وقد جاء له حديثٌ في الرحل الذي اشتراه منه أبو بكر([6]).
فضله ومكانته:
البراء بن عازب -رضي الله عنهما- من أعيان الصحابة، وقائد من أصحاب الفتوح، أسلم صغيراً، وغزا مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- غزوات كثيرة، أولها غزوة الخندق.
ولما تولَّى عثمان الخلافة جعله أميراً على الري (بفارس) سنة (24هـ) فغزا أبهر (غربيّ قزوين) وفتحها، ثم قزوين فملكها، وانتقل إلى زنجان، فافتتحها عنوة.
وعاش إلى أيام مصعب بن الزبير، فسكن الكوفة، واعتزل الأعمال، وتوفي في زمنه.
وله مناقب جمة، منها:
كثرة غزواته وخُروجه مع الرسول:
فعن أبي إسحاق قال: سمعتُ البراء بن عازب يقول: غزوتُ مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- خمس عشرة غزوة.
وفي معجم الصحابة لابن قانع: عن أبي إسحاق، عن البراء بن عازب قال: غزا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- تسع عشرة غزوة، فاتني منها أربع([7]).
وقال: صحبتُ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ثمانية عشر سفراً([8]).
واستُصغِر يوم بدر، وقال: كنتُ أنا وابن عمر لِدَة([9]). يعني: ولدوا في عام واحد.
علمه الغزير:
كان البراء -رضي الله عنه- كثير العلم، واسع الفقه، ومتعدد الرواية.
ففي مسنده: ثلاثمائة وخمسة أحاديث، أخرج له في الصحيحين: ثلاثة وأربعون حديثاً، المتفق عليه منها: اثنان وعشرون، وانفرد البخاري بخمسة عشر، ومسلم بستة([10]).
وعن أبي إسحاق عن البراء، قال: ما كل ما نحدثكم عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- سمعناه من رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ولكن سمعناه، وحدثنا أصحابنا، ولكنا لا نكذب([11]).
وروى عن: أبي بكر الصديق، وخاله: أبي بردة بن نيار.
وحدَّث عنه: عبد الله بن يزيد الخطمي، وأبو جحيفة السوائي الصحابيان، وعدي بن ثابت، وسعد بن عبيدة، وأبو عمر زاذان، وأبو إسحاق السبيعي، وطائفة سواهم([12]).
وكان في وجه البراء بن عازب بياض، أو نحو ذلك، فكان يسمى ذا الغرة([13]).
سيرته الاحتسابية
كان للبراء بن عازب -رضي الله عنهما- سيرة احتسابية حافلة بالمواقف الاحتسابية، نذكر طرفاً، منها:
1- إنكاره على عسب الفحل:
فعن سفيان (نا) شوذب: كنتُ تيَّاساً([14])، فنهاني البراء بن عازب عن عَسْب الفحل([15])، ([16]).
وفي رواية: عن أبي معاذ (شوذب)، قال: كنتُ تيَّاساً، فنهاني البراء عن عسبي([17]).
2- إنكاره على مَن يمدحه في وجهه:
ففي البخاري عن العلاء بن المسيب، عن أبيه، قال: لقيتُ البراء بن عازب -رضي الله عنهما-، فقلتُ: طوبى لك صحبتَ النبي -صلى الله عليه وسلم-، وبايعته تحت الشجرة، فقال: يا ابن أخي إنك لا تدري ما أحدثنا بعده([18]).
3- إنكاره على مَن قال له: فررتم يوم حنين؟
ففي البخاري ومسلم عن أبي إسحاق، قال رجل للبراء بن عازب -رضي الله عنهما-: أفررتم عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يوم حنين؟!
قال: لكن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لم يفر، إن هوازن كانوا قوماً رماة، وإنا لما لقيناهم حملنا عليهم، فانهزموا فأقبل المسلمون على الغنائم، واستقبلونا بالسهام، فأما رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فلم يفر، فلقد رأيته وإنه لعلى بغلته البيضاء، وإن أبا سفيان آخذ بلجامها، والنبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((أنا النبي لا كذب، أنا ابن عبد المطلب))([19]).
4- إنكاره على الخوارج:
ففي تاريخ بغداد وغيره: أنَّ البراء بن عازب كان رسول علي بن أبي طالب -رضي الله عنهما جميعاً- إلى الخوارج بالنهروان، يدعوهم إلى الطاعة، وترك المشاقة.
وعن أبي الجهم، قال: بعث عليٌ البراء بن عازب إلى أهل النهر، يدعوهم ثلاثة أيام، فلما أبوا سار إليهم([20]).
أقواله الاحتسابية
كان للبراء بن عازب -رضي الله عنهما- أقوال احتسابية كثيرة، نذكر شيئاً، منها:
– عن البراء بن عازب قال: لا تسبوا عثمان، فإنه أخي وخليلي، لا تسبوا علياً، فإنه أخي وخليلي، والذي نفس محمد بيده لموقف أحدهم ساعة مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- خير من الدنيا وما فيها([21]).
مروياته الاحتسابية
كان للبراء بن عازب -رضي الله عنهما- مرويات احتسابية كثيرة، نذكر بعضاً منها:
1- عن عبد الرحمن بن عوسجة، عن البراء بن عازب قال: جاء أعرابي إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: يا رسول الله، علمني عملاً يدخلني الجنة.
فقال: ((لئن كنتَ أقصرت الخطبة، لقد أعرضت المسألة([22])، أعتق النسمة، وفك الرقبة)) فقال: يا رسول الله، أو ليستا بواحدة؟ قال: ((لا، إن عتق النسمة أن تفرد بعتقها، وفك الرقبة أن تعين في عتقها، والمنحة الوُكوف([23])، والفيء([24]) على ذي الرَّحِم الظالم، فإن لم تطق ذلك، فأطعم الجائع، واسقِ الظمآن، وأمر بالمعروف، وانه عن المنكر، فإن لم تطق ذلك، فكف لسانك إلا من الخير))([25]).
2- وعن أبي وائل، عن البراء بن عازب -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم-: ((ما اختلج عرقٌ، ولا عينٌ، إلا بذنب، وما يدفع الله عنه أكثر))([26]).
3- وعن عدي بن ثابت عن البراء، قال: مرَّ بي خالي أبو بردة بن نيار، ومعه لواء، فقلتُ: أين تريد؟ قال: بعثني رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى رجل تزوج امرأة أبيه أن آتيه برأسه([27]).
4- وعن عبد الله بن مرة، عن البراء بن عازب -رضي الله عنهما- أنَّ النبي -صلى الله عليه وسلم- رجم يهودياً، وقال: ((اللهم إني أشهدك، أني أول من أحيا سنة قد أماتوها))([28]).
5- عن معاوية بن سويد بن مقرن، قال: سمعتُ البراء بن عازب -رضي الله عنهما- يقول: نهانا النبي -صلى الله عليه وسلم- عن سبع: نهانا عن خاتم الذهب -أو قال-: حلقة الذهب، وعن الحرير، والإستبرق، والديباج، والميثرة الحمراء، والقسي، وآنية الفضة.
وأمرنا بسبع: بعيادة المريض، واتباع الجنائز، وتشميت العاطس، ورد السلام، وإجابة الداعي، وإبرار المقسم، ونصر المظلوم([29]).
6- وعن البراء بن عازب -رضي الله عنهما-، قال: بعث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- رهطاً من الأنصار إلى أبي رافع فدخل عليه عبد الله بن عتيك بيته ليلاً، فقتله وهو نائم([30]).
قال ابن بطال:
وكان أبو رافع يعادى رسول الله، ويُؤلب الناس عليه، وهذا من باب قوله -صلى الله عليه وسلم-: ((الحرب خدعة))([31])، ([32]).
وفاته:
مات البراء بن عازب في الكوفة، أيام مصعب ابن الزبير.
وقيل: رجع من الكوفة، فتوفي بالمدينة([33]).
وتوفي: سنة إحدى وسبعين.
وقيل: سنة اثنتين وسبعين.
عن بضع وثمانين سنة([34]).
([1]) هو بتخفيف الراء وبالمد، هذا هو الصحيح المشهور عند طوائف العلماء من أهل الحديث، والتاريخ، والأسماء، واللغات، والمؤتلف والمختلف، وغيرهم، وحكى فيه القصر. انظر: تهذيب الأسماء واللغات (1/ 132).
([2]) انظر ترجمته في: الاستيعاب في معرفة الأصحاب (1/ 155) وسير أعلام النبلاء (3/ 194) والطبقات الكبرى (4/ 364) وأسد الغابة (1/ 362) وغيرها.
([16]) التاريخ الكبير للبخاري بحواشي المطبوع (4/ 260) وإكمال الإكمال لابن نقطة (1/ 472-812) والثقات ممن لم يقع في الكتب الستة (5/ 272).
([19]) أخرجه البخاري في كتاب الجهاد والسير، باب من قاد دابة غيره في الحرب (4/ 30-2864) ومسلم في الجهاد والسير، باب غزوة حنين، رقم: (1776).
([22]) أَي: جِئْت بِالْخطْبَةِ قَصِيرَة، وبالمسألة عريضة وَاسِعَة. انظر: الفائق في غريب الحديث (3/ 204).
([23]) المنحة: شَاة أَو نَاقَة يَجْعَلهَا الرجل لآخر سنة يحتلبها، والوكوف: الَّتِي لَا يكفُّ درُّها. انظر: الفائق في غريب الحديث (3/ 204).
([24]) الْفَيْء: الْعَطف وَالرُّجُوع عَلَيْهِ بالبرّ، أَي: وشأنك منح المنيحة والفيء على ذِي الرَّحِم. انظر: الفائق في غريب الحديث (3/ 204).
([27]) أخرجه الترمذي في أبواب الأحكام، باب فيمن تزوج امرأة أبيه (3/ 635-1362) وصححه الألباني في صحيح سنن الترمذي (3/ 362-1362).
([28]) أخرجه مسلم في كتاب الحدود، باب رجم اليهود أهل الذمة في الزنى (3/ 1327-1700) وهذا لفظ أحمد (30/ 610-18663).
([29]) أخرجه البخاري في كتاب اللباس، باب خواتيم الذهب (7/ 155-5863) ومسلم في اللباس والزينة، باب تحريم استعمال إناء الذهب والفضة على الرجال، رقم: (2066).