احتساب الحافظ عبد الغني المقدسي رحمه الله
(541 – 600 هـ = 1146 – 1203 م)
اسمه:
هو عبد الغني بن عبد الواحد بن علي بن سرور المقدسي الجماعيلي الدمشقيّ الحنبلي، أبو محمد، تَقِيّ الدين، حافظ للحديث، ومن العلماء برجاله.
نشأته:
ولد في جماعيل (قرب نابلس) في ربيع الآخر، سنة إحدى وأربعين وخمسمائة، وهو أسن من عميه: الإمام موفق الدين عبد الله بن أحمد بن قدامة المقدسي، والشيخ: أبي عمر، بأربعة أشهر”([1]).
قال ابن تغري بردي: “وكان -أي صاحب الترجمة- أكبر من الشيخ موفّق الدين بأربعة أشهر، وهما ابنا خالة”([2]).
وكان ميل عبد الغني إلى الحديث، وأسماء الرجال، وميل الموفق إلى الفقه، واشتغلا على الشيخ أبى الفرج ابن الجوزي، وعلى الشيخ أبى الفتح ابن المني([3]).
وانتقل -المترجَم- صغيراً إلى دمشق، ثم رحل إلى الإسكندرية، وأصبهان، وامتحن مرات، وتُوفي بمصر([4]).
مكانته وما قيل عنه:
أُطلق عليه لقب الحافظ، وهو من الألقاب الرفيعة في علم الحديث، وله من المصنفات (الكمال في أسماء الرجال) ذكر فيه ما اشتملت عليه كتب الحديث الستة من الرجال، في مجلدين، و(الدرة المضية في السيرة النبويّة) و(المصباح) و(عمدة الأحكام من كلام خير الأنام) و(النصيحة في الأدعية الصحيحة) و(أشراط الساعة) و(الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر) وغيرها([5]).
قال الضياء المقدسي عنه: “وكان لا يكاد أحد يسأله عن حديث إلا ذكره له وبيَّنه، ولا يُسأل عن رجل إلا قال: هو فلان بن فلان، وبيّن نسبه، قال: وأنا أقول: وكان الحافظ عبد الغني المقدسي أمير المؤمنين في الحديث، سمعته يقول: كنتُ عند الحافظ أبي موسى فنازعني رجل في حديث، فقال: هو في البخاري، وقلتُ: ليس هو فيه، قال: فكتب الحديث في رقعة، ورفعها إلى الحافظ أبي موسى يسأله عنه، فناولني الحافظ الرقعة، وقال: ما تقول؟ هل هذا الحديث في البخاري أم لا؟ فقلتُ: لا، قال: فخجل الرجل، وسمعتُ أبا الطاهر إسماعيل بن ظفر يقول: جاء رجل إلى الحافظ -يعني عبد الغني-، فقال: رجل حلف بالطلاق أنك تحفظ مائة ألف حديث، فقال: لو قال أكثر لصدق”([6]).
وقال في شذرات الذهب عنه: “وقد تتلمذ الحافظ عبد الغني في صغره على عميد أسرته العلّامة الفاضل الشيخ أحمد بن محمد بن قدامة المقدسي، ثم تتلمذ على شيوخ دمشق وعلمائها، فأخذ عنهم الفقه وغيره من العلوم، ثم قصد بغداد سنة (560هـ) ونزل عند الإمام الشيخ عبد القادر الجيلاني، فقرأ عليه شيئاً من الفقه والحديث، وأقام عنده نحو أربعين يوماً، بعدها مات الشيخ الجيلاني، فأخذ عن الشيخ أبي الفتح بن المني الفقه، والخلاف، ثم رحل إلى أصبهان، فمكث فيها وقتاً طويلاً، يَدْرُس ويُدرِّس إلى أن عاد إلى بغداد مرة ثانية سنة (578هـ) فحدّث بها، وانتقل إلى دمشق، فأخذ يقرأ الحديث في رواق الحنابلة، من مسجد دمشق الأموي، فاجتمع الناس عليه، وكان رقيق القلب، سريع الدمعة، فحصل له قبول من الناس عظيم، ثم ضيّق عليه البعض، فرحل إلى بعلبك، ومنها إلى مصر، فنزل عند الطحانين، وصار يقرأ الحديث، فنفق بها سوقه، وصار له حشد وأصحاب، فثار عليه الفقهاء بمصر أيضاً، وكتبوا إلى الوزير صفي الدين بن شكر، فأقرّ نفيه إلى المغرب، غير أن الحافظ عبد الغني مات قبل وصول كتاب النفي إليه، وذلك سنة ست مائة من هجرة رسولنا محمد -صلى الله عليه وسلم-“([7]).
وقال ابن تغري بردي عنه: “وكان إماماً حافظاً متقناً مصنّفاً ثقة، سمع الكثير، ورحل إلى البلاد، وكتب الكثير، وهو أحد أكابر أهل الحديث، وأعيان حفّاظهم، ووقع له محن ذكرها صاحب مرآة الزمان، ونجّاه الله منها…، وكان إماماً عابداً زاهداً ورعاً، قال تاج الدين الكندي: هو أعلم من الدّارقطني والحافظ أبي موسى”([8]).
وقال تاج الدين الكندي: رأيتُ ابن ناصر والحافظ أبا العلاء الهمداني وغيرهما من الحفاظ، ما رأيتُ أحفظ من عبد الغني المقدسي([9]).
وقال الضياء: سمعتُ أبا العز مفضل بن علي الخطيب الشافعي، قال: سمعتُ بعض الأصحاب يقول: إن أبا نزاز -وهو الإمام ربيعة بن الحسن اليمني الشافعي- قال: قد رأيتُ الحافظ السلفي والحافظ أبا موسى -وكان الحافظ عبد الغني بن عبد الواحد أحفظ منهما- قال: وشاهدتُ في فضائل الحافظ الإمام الفقيه مكي بن عمر المصري، سمعتُ أبا نزار ربيعة بن الحسن الصنعاني يقول: قد حضرت الحافظ أبا موسى، وهذا الحافظ عبد الغني بن عبد الواحد، فرأيتُ عبد الغني أحفظ منه.
قال الضياء: وأنشدنا إسماعيل بن ظفر، قال: أنشدنا أبو نزار ربيعة بن الحسن في الحافظ عبد الغني:
يا أصدق النَّاس فِي بَدْو وَفِي حضر *** وأحفظ النَّاس فيم قَالَت الرُسلُ
إِن يحسدوك فلا تعبأ بقائلهم *** هُم الغثاء وأنت السيد البطلُ.
قال: وأنشدنا:
إن قيس علمك في الورى بعلومهم *** وجدوك سحبانا وغيرك باقل([10]).
وقال أبو الثناء محمود بن همام: سمعتُ أبا عبد الله محمد بن أميرك الجويني المحدث يقول: ما سمعتُ السلفي يقول لأحد: الحافظ، إلا لعبد الغني المقدسي([11]).
وقال الضياء: وسمعتُ الإمام الحافظ أبا إسحاق إبراهيم بن محمد العراقي يقول: ما رأيتُ الحديث في الشام كله إلا ببركة الحافظ عبد الغني؛ فإنني كل من سألته يقول: أول ما سمعتُ عليه، وهو الذي حرضني، وذكر جماعة من المحدثين ثم ذكر عنه أنه كان يفضل الرحلة للسماع على الغزو، وعلى سائر النوافل([12]).
وقال السيوطي: “وأول إمام من الحنابلة علمتُ حلوله بمصر الحافظ عبد الغني المقدسي، صاحب العمدة، وقد مرت ترجمته في الحفاظ”([13]).
وعن أبي محمد فضائل بن محمد بن علي بن سرور المقدسي، قال: سمعتهم يتحدثون بمصر: أن الحافظ كان قد دخل على الملك العادل، فلما رآه قام له، فلما كان في اليوم الثاني من دخوله عليه؛ إذ الأمراء قد جاءوا إلى الحافظ إلى مصر، فقالوا: آمنا بكرامتك يا حافظ، وذكروا أن العادل قال: ما خفتُ من أحد ما خفتُ من هذا، فقلنا: أيها الملك هذا رجل فقيه، إيش خفت من هذا؟! قال: لما دخل ما خيل إليّ إلا أنه سبع يريد أن يأكلني، فقلنا: هذه كرامة الحافظ، قال: وشاهدتُ بخط الحافظ يذكر أنه بلغه عن العادل ذلك، قال: وما أعرف أحداً من أهل السنة رأى الحافظ إلا أحبه حباً شديداً، ومدحه مدحاً كثيراً.
وكان الحافظ بأصبهان يصطف الناس في السوق فينظرون إليه، وسمعته يقول: لو أقام الحافظ بأصبهان مدة وأراد أن يملكها لملكها -يعني من حبهم له-، ورغبتهم فيه، ولما وصل إلى مصر أخيراً كنا بها، فكان إذ خرج يوم الجمعة إلى الجامع لا نقدر نمشي معه من كثرة الخلق يتبركون به، ويجتمعون حوله([14]).
عبادته:
كان -رحمه الله- لا يكاد يضيع شيئاً من زمانه بلا فائدة، فإنه كان يصلي الفجر، ويلقن القرآن، وربما لقن الحديث، فقد حفظنا منه أحاديث جمة تلقينا، ثم يقوم فيتوضأ، ويصلي ثلاثمائة ركعة بالفاتحة والمعوذتين، إلى قبل وقت الظهر، ثم ينام نومة، ثم يصلي الظهر، ويشتغل إما بالتسميع، أو النسخ إلى المغرب، فإن كان صائماً أفطر، وإن كان مفطراً صلى من المغرب إلى العشاء الآخرة، فإذا صلى العشاء نام إلى نصف الليل، أو بعده، ثم قام فتوضأ وصلى لحظة، ثم توضأ، ثم صلى كذلك، ثم توضأ وصلى إلى قرب الفجر، وربما توضأ في الليل سبع مرات، أو أكثر، فقيل له في ذلك فقال: ما تطيب لي الصلاة إلا ما دامت أعضائي رطبة، ثم ينام نومة يسيرة إلى الفجر، وهذا دأبه، وكان لا يكاد يصلي فريضتين بوضوء واحد.
وسألتُ خالي الإمام موفق الدين عن الحافظ، فقال وكتب بخطه: كان رفيقي في الصبا، وفي طلب العلم، وما كنا نستبق إلى خير إلا سبقني إليه إلا القليل، وكمل الله فضيلته بابتلائه بأذى أهل البدعة، وعداوتهم له، وقيامهم عليه، ورزق العلم، وتحصيل الكتب الكثيرة، إلا أنه لم يعمر حتى يبتغ غرضه في روايتها ونشرها.
وقال الضياء: وكان يستعمل السواك كثيراً، حتى كأن أسنانه البرد.
وسمعتُ محمود بن سلامة الحراني التاجر غير مرة يقول: كان الحافظ عبد الغني نازلاً عندي بأصبهان، وما كان ينام من الليل إلا قليلاً، بل يصلي ويقرأ ويبكي، حتى ربما منعنا النوم إلى السحر، أو ما هذا معناه([15]).
قال: وسمعتُ الحافظ أبا عبد الله محمد بن محمد بن غانم بأصبهان يقول: كان الحافظ عبد الغني عندنا، وكان يقول لي: تعال حتى نحافظ على الوضوء لكل صلاة([16]).
سيرته الاحتسابية
كان العلامة المحدث عبد الغني المقدسي آية في الحسبة والاحتساب، وذا شجاعة نادرة، لا يخشى في الله لومة لائم، وسنذكر ها هنا نزراً يسيراً من مواقفه الاحتسابية، التي تدل على أنه كان شديداً في الحسبة، معاناً عليها، يقول عنه الذهبي (ت: 748هـ): “كان لا يرى منكراً إلا غيره بيده، أو بلسانه، وكان لا تأخذه في الله لومة لائم…”([17]).
وقال ابن الخبّاز: وكان أماراً بالمعروف، نهاءً عن المنكر، يروح إلى الأماكن البعيدة، ومعه جماعة فينكر، ويبدّد الخمر، ويكسر الأواني، رأيتُ ذلك منه غير مرّة([18]).
ومن مواقفه الاحتسابية:
1- احتسابه بقراءة القرآن:
قال الضياء: سمعتُ الحافظ يقول: أضافني رجل بأصبهان، فلما قمنا إلى الصلاة، كان هناك رجل لم يصلِ، فقيل: هو شمسي -يعني: يعبد الشمس- فضاق صدري، ثم قمت بالليل أصلي، والشمسي يستمع، فلما كان بعد أيام جاء إلى الذي أضافني، وقال: إن الشمسي يريد أن يسلم، فمضيتُ إليه فأسلم، وقال من تلك الليلة: لما سمعتك تقرأ القرآن، وقع الإسلام في قلبي([19]).
2- إنكاره على السلطان:
عن الأمير درباس المهراني: إنه كان دخل مع الحافظ إلى الملك العادل، فلما قضى الملك كلامه مع الحافظ، جعل يتحدث مع بعض الحاضرين في أمر ماردين وحصارها، وكان حاصرها قبل ذلك، فسمع الحافظ كلامه، فقال: إيش هذا؟ وأنت بعد تريد قتال المسلمين؟! ما تشكر الله فيما أعطاك إماماً؟! قال: وسكت الملك العادل، فما أعاد ولا بدا، ثم قام الحافظ وقمتُ معه، فلما خرجنا، قلتُ له: إيش هذا؟ نحن كنا نخاف عليك من هذا الرجل: ثم تعمل هذا العمل؟ فقال: أنا إذا رأيتُ شيئاً لا أقدر أصبر([20]).
3- إنكاره على الملاهي:
عن أبي بكر بن أحمد الطحان، قال: كان في دولة الأفضل بن صلاح الدين قد جعلوا الملاهي عند درج جيرون، فجاء الحافظ فكسر شيئاً كثيراً منها، ثم جاء فصعد المنبر يقرأ الحديث، فجاء إليه رسول من القاضي يأمره بالمشي إليه، يقول: حتى يناظره في الدف والشبابة، فقال الحافظ: ذلك عندي حرام، وقال: أنا لا أمشي إليه، إن كان له حاجة، فيجيء هو، ثم قرأ الحديث، فعاد الرسول، فقال: قد قال: لا بد من المشي إليه، أنت قد بطلت هذه الأشياء على السلطان، فقال الحافظ: ضرب الله رقبته، ورقبة السلطان، قال: فمضى الرسول، وخفنا أن تجري فتنة، قال: فما جاء أحد بعد ذلك، قال الضياء: وكان قد وضع الله له الهيبة في قلوب الخلق([21]).
4- إنكاره على الخمور:
عن نصر بن رضوان المقرئ قال: ما رأيتُ أحداً على سيرة الحافظ، كان مشتغلاً طول زمانه، قد رأيتُه مرة يهريق خمراً، فجبذ صاحبه السيف، فلم يخف منه، وأخذه من يده، وكان قوياً في بدنه، وكثيراً ما كان بدمشق ينكر، ويكسر الطنابير والشبابات…([22]).
5- تثبيته للمحتسبين:
قال الموفق: كان الحافظ لا يصبر عن إنكار المنكر إذا رآه، وكنا مرة أنكرنا على قوم، وأرقنا خمرهم، وتضاربنا، فسمع خالي أبو عمر، فضاق صدره، وخاصمنا، فلما جئنا إلى الحافظ طيب قلوبنا، وصوب فعلنا، وتلا: {وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ} [لقمان (17)]([23]).
6- إنكاره على بعض أولاد صلاح الدين:
قال أبو بكر بن أحمد الطحان: كان بعض أولاد صلاح الدين قد عُملت لهم طنابير، وكانوا في بستان يشربون، فلقي الحافظ الطنابير، فكسرها، قال: فحدثني الحافظ، قال: فلما كنتُ أنا وعبد الهادي عند حمام كافور، إذا قوم كثير معهم عصي، فخففتُ المشي، وجعلتُ أقول: حسبي الله ونعم الوكيل، فلما صرتُ على الجسر، لحقوا صاحبي، فقال: أنا ما كسرتُ لكم شيئاً، هذا هو الذي كسر، قال: فإذا فارس يركض، فترجل، وقبّل يدي، وقال: الصبيان ما عرفوك، وكان قد وضع الله له هيبة في النفوس([24]).
7- إنكاره على رجل سأله:
عن أبي محمد عبد الرحمن بن إبراهيم المقدسي قال: سألتُ الحافظ، فقلتُ: هؤلاء المشايخ يُحكى عنهم من الكرامات ما لا يُحكى عن العلماء؟! إيش السبب في هذا؟!
فقال: اشتغال العلماء بالعلم كرامات كثيرة، أو قال: يريد للعلماء كرامة أفضل من اشتغالهم بالعلم؟!([25]).
8- مشاركته في الجهاد وهو نوع من الحسبة:
قال ابن كثير في ترجمة أبي عمر محمد بن أحمد بن قدامة: “وكان هو، وأخوه، وابن خالهم، الحافظ عبد الغني، وأخوه الشيخ العماد، لا ينقطعون عن غزاة، يخرج فيها الملك صلاح الدين، إلى بلاد الفرنج، وقد حضروا معه فتح القدس، والسواحل وغيرها”([26]).
وكان لهؤلاء العلماء من آل المقدسي تأثير عظيم في نفوس المسلمين، ودفعهم نحو الجهاد، والاستشهاد في سبيل العقيدة، ومحاربة العقائد الباطنية والإلحادية والعبيدية والإسماعيلية، وكشف مخططاتهم، وأساليبهم الماكرة.
مروياته الاحتسابية
للحافظ عبد الغني المقدسي كتابٌ في (الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر) جَمَعَ فيه بأسانيده كل ما يتعلق بالأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، من أحاديث مرفوعة، وآثار موقوفة، وغيرها، التي بلغت (96) حديثاً وأثراً، تكرر منها قليل، وقد طُبع الكتاب عدة طبعات، منها: طبعة بتحقيق: سمير بن أمين الزهيري، نشرته: دار السلف، كانت الطبعة الأولى عام: 1416هـ – 1995م.
وسنذكر ما جاء في هذا الكتاب من مروياته الاحتسابية بعد حذف المكرر منها.
أولاً: الأحاديث المرفوعة:
1- أخرج الحافظ عبد الغني المقدسي بسنده، عن طارق بن شهاب قال: أول من قدم الخطبة قبل الصلاة مروان، فقام إليه رجل فقال: يا مروان خالفت السنة، فقال مروان: يا فلان ترك ما هنالك، فقال أبو سعيد: أما هذا فقد قضى ما عليه، سمعتُ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((من رأى منكم منكراً فاستطاع أن يغيره بيده فليفعل، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان)).
2 – وأخرج بسنده عن طارق بن شهاب عن أبي سعيد قال: أخرج مروان المنبر في يوم عيد، وبدأ بالخطبة قبل الصلاة، فقام رجل فقال: يا مروان خالفت السنة، أخرجت المنبر في يوم عيد، ولم يكن يخرج به، وبدأت بالخطبة قبل الصلاة، ولم يكن يبدأ بها، قال فقال أبو سعيد: من هذا؟ قالوا: فلان بن فلان، فقال أبو سعيد: أما هذا فقد قضى ما عليه، سمعتُ النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((من رأى منكراً فاستطاع أن يغيره بيده فليغيره، فإن لم يستطع بيده فبلسانه، فإن لم يستطع بلسانه فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان)).
3 – وأخرج بسنده عن عطية العوفي قال: جاء كثير بن الصلت فبنى لمروان منبراً من الطين ليخطب عليه في عيد، فلما كان من الغد جاء مروان، فذهب يريد ليرقى فيخطب قبل الصلاة، فجبذه أبو سعيد الخدري بيديه، فأمسكه، وقال: يا مروان صلِ، ثم ارق المنبر، فقال له مروان: يا أبا سعيد قد تُرك ما تعلم، قال: فاستقبل أبو سعيد القبلة، فقال: أما ورب المشارق والمغارب لا تأتون بخير مما أعلم، أما ورب المشارق لا تأتون بخير مما أعلم، قالها ثلاثاً، ألا وإني سمعتُ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان)).
4 – وأخرج بسنده عن عامر عن النعمان بن بشير عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((مثل القائم على حدود الله والواقع فيها، والمدهن فيها، مثل قوم استهموا على سفينة فأصاب بعضهم أعلاها، وأصاب بعضهم أسفلها، وأوعرها، فإذا هم استقوا الماء آذوا من فوقهم، فقالوا: لو أنا خرقنا في موضعنا خرقاً، ولم نؤذِ من فوقنا، فإن هم تركوهم وأمرهم هلكوا جميعاً، وإن أخذوا على أيديهم نجوا جميعاً)).
5- وأخرج بسنده عن النعمان بن بشير قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((مثل القائم على حدود الله والمداهن فيها كمثل قوم استهموا على سفينة في البحر، فأصاب بعضهم أعلاها وبعضهم أسفلها فكان الذين في أسفلها يخرجون ويستقون الماء ويصبون على الذين في أعلاها فيؤذونهم فقال الذين في أسفلها: أما إذا منعتمونا فسنشق السفينة من أسفلها فنستقي، فإن أخذوا على أيديهم منعوهم نجوا جميعاً، وإن تركوهم هلكوا جميعاً)).
6– وأخرج بسنده عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد الخدري عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((إياكم والجلوس بالطرقات)) قالوا: يا رسول الله ما لنا بد من مجالسنا، نتحدث فيها، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إن أبيتم إلا المجلس فأعطوا الطريق حقه)) قالوا: وما حقه؟ قال: ((غض البصر، وكف الأذى، ورد السلام، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر)).
7- وأخرج بسنده عن سماك بن حرب عن عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود عن أبيه قال: جمعنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ونحن أربعون، فكنت من آخر من أتاه، فقال: ((إنكم مصيبون ومنصورون، ومفتوح لكم، فمن أدرك ذلك منكم، فيلتقِ الله، وليأمر بالمعروف، ولينه عن المنكر، وليصل رحمه، ومن كذب عليّ متعمداً، فليتبوأ مقعده من النار.
8– وأخرج بسنده عن خالد بن معدان عن رجل عن أبي هريرة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: ((إن للإسلام صوى ومناراً، كمنار الطريق، منها أن تؤمنوا بالله، ولا تشرك به شيئاً، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج البيت، وأن تسلم على أهلك إذا دخلت عليهم، وأن تسلم على القوم إذا مررت بهم، فمن ترك شيئاً من ذلك فقد ترك سهماً من الإسلام، ومن نبذ ذلك فقد ولى الإسلام ظهره)).
9– وأخرج بسنده عن محمد بن يزيد بن خنيس المكي قال: دخلنا على سفيان الثوري نعوده من مرض كان به فدخل علينا سعيد بن حسان المخزومي، فقال له سفيان: الحديث الذي حدثتني عن أم صالح اردده عليّ، قال: فقال سعيد: نعم حدثتني أم صالح عن صفية بنت شيبة عن أم حبيبة زوج النبي -صلى الله عليه وسلم- قالت: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((كل كلام ابن آدم عليه لا له، إلا أمر بمعروف، أو نهي عن منكر، أو ذكر الله -عز وجل-)).
10 – وأخرج بسنده عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت: قلتُ يا رسول الله متى لا نأمر بالمعروف، ولا ننهى عن المنكر؟ قال: ((إذا كان البخل في خياركم، وإذا كان العلم في رذالكم، وإذا كان الإدهان في كباركم، وإذا كان الملك في صغاركم)).
11- وأخرج بسنده عن أبي الزبير عن عبد الله بن عمرو قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إذا رأيتَ أمتي تهاب الظالم أن تقول له: إنك ظالم، فقد تُودع منهم)).
12- وأخرج بسنده عن أبي الزبير عن عبد الله بن عمرو عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((إذا رأيت أمتي تهاب الظالم أن تقول له: إنك ظالم فقد تُودع منهم)) قال: وقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((وفي هذه الأمة خسف ومسخ وقذف)).
13- وأخرج بسنده عن أبي الزبير عن عبد الله بن عمرو قال: سمعتُ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((إذا رأيت أمتي تهاب الظالم أن تقول له: إنك أنت ظالم، فقد تُودع منهم)) وقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((يكون في أمتي خسف ومسخ وقذف)).
14- وأخرج بسنده عن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- قال: خطبنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بعد العصر إلى مغيربان الشمس، فلم يبق شيء يكون إلى قيام الساعة إلا أخبرنا به، عَلِمَهُ مَنْ عَلِمَهُ، وجهله من جهله، فقال: ((إن الدنيا خضرة حلوة، وإن الله مستخلفكم فيها، فناظر كيف تعملون، ألا فاتقوا الدنيا، واتقوا النساء، ألا وإن لكل غادر لواء يوم القيامة بقدر غدرته، ولواؤه عند استه، ألا وإن أفضل الجهاد كلمة حق -وربما قال سفيان كلمة عدل- عند ذي سلطان جائر)) قال: فبكى أبو سعيد، وقال: فكم رأينا من منكر فلم ننكره، ألا وإن بني آدم خلقوا على طبقات، فمنهم من يولد مؤمناً، ويحياً مؤمناً، ويموت مؤمناً، ومنهم من يولد كافراً، ويحيا كافراً، ويموت كافراً، ومنهم من يولد مؤمناً، ويحيا مؤمناً، ويموت كافراً، ومنهم من يولد كافراً، ويحيا كافراً، ويموت مؤمناً، ومنهم سريع الغضب، سريع الفيء، فهذه بتلك، ومنهم بطيء الغضب، بطيء الفيء، فهذه بتلك، ألا وإن الغضب جمرة من النار، فمن وجد منكم فكان قائماً، فليجلس وإن كان جالساً فليضطجع)).
15– وأخرج بسنده عن قيس قال: قام أبو بكر -رضي الله عنه-، فحمد الله، وأثنى عليه، ثم قال: “أيها الناس إنكم تقرؤون هذه الآية: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ} [المائدة (105)] وإني سمعتُ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((إن الناس إذا رأوا الظالم فلم يأخذوا على يديه، أوشكوا أن يعمهم الله بعقاب)).
16- وأخرج بسنده عن قيس بن أبي حازم أن أبا بكر الصديق -رضي الله عنه- قام فحمد الله، وأثنى عليه، ثم قال: أيها الناس إنكم تقرؤون هذه الآية: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ} [المائدة (105)] وإنا سمعنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((إن الناس إذا رأوا الظالم فلم يأخذوا على يديه، يوشك أن يعمهم الله بعقاب)).
17- وأخرج بسنده عن أبي أمية الشعباني قال: أتيتُ أبا ثعلبة الخشني صاحب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقلت: يا أبا ثعلبة كيف تصنع في هذه الآية؟ قال: أيَّة آية؟ قلتُ قول الله -عز وجل-: {عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ} [المائدة (105)] قال: أما والله سألتُ عنها خبيراً، سألتُ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: ((بل آمروا بالمعروف وتناهوا عن المنكر، حتى إذا رأيت شحاً مطاعاً، وهوى متبعاً، وإعجاب كل ذي رأي برأيه، فعليك بنفسك، ودع أمر العوام، فإن من ورائكم أيام الصبر، صبر فيهن مثل قبض على الجمر، للعامل فيهن مثل أجر خمسين رجلاً، يعملون مثل عمله)).
وزادني غيره قال: ((أجر خمسين منكم)).
18- وأخرج بسنده عن عدي بن عدي الكندي قال: حدثني مولى لنا أنه سمع جدي يقول: سمعتُ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((إن الله -عز وجل- لا يعذب العامة بعمل الخاصة، حتى يروا المنكر بين ظهرانيهم، وهم قادرون على أنه ينكروه، فإذا فعلوا ذلك عذب الله العامة والخاصة)).
19- وأخرج بسنده عن عبيد الله بن جرير عن أبيه أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((ما من قوم يعمل بينهم بالمعاصي هم أعز وأكثر من يعملونه، ثم لا يغيروا، إلا عمهم الله منه بعقاب)).
20- وأخرج بسنده عن عدي بن عدي عن مولى له عن جده قال: سمعتُ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((إن الله لا يعذب العامة بعمل الخاصة حتى تكون العامة تستطيع أن تغير على الخاصة، فإذا لم تغير العامة على الخاصة عذب الله العامة والخاصة)).
21- وأخرج بسنده عن الحسن بن محمد عن امرأة عن عائشة قالت: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إذا ظهر السوء في الأرض أنزل الله -عز وجل- بأهل الأرض بأسه)) قالت: فقلتُ: أنهلك وفينا أهل طاعة الله؟ فقال: ((نعم ثم تصيرون إلى رحمة الله -عز وجل-)).
22- وأخرج بسنده عن أبي عبيدة عن ابن مسعود قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إن من كان قبلكم كانوا إذا عمل العامل بالخطيئة نهاه الناهي تعذيراً، حتى إذا كان الغد جالسه وواكله وشاربه، كأنه لم يره على خطيئة بالأمس، فلما رأى الله ذلك منهم ضرب بقلوب بعضهم على بعض، ثم لعنهم على لسان نبيهم داود وعيسى ابن مريم ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون، والذي نفس محمد بيده لتأمرن بالمعروف، ولتنهون عن المنكر، ولتأخذن على يدي الظالم، ولتأطرنه على الحق، أو ليضربن الله بقلوب بعضكم على بعض، ثم ليلعنكم كما لعنهم)).
23- وأخرج بسنده عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لتأمرن بالمعروف، ولتنهون عن المنكر، أو ليسلطن الله شراركم على خياركم فيدعو خياركم فلا يستجاب لهم)).
24- وأخرج بسنده عن عكرمة عن ابن عباس قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((لا ينبغي لامرئ يشهد مقاماً فيه مقال حق إلا تكلم به، فإنه لن يقدم أجله، ولن يحرم رزقاً هو له)).
25- وأخرج بسنده عن الحسن بن محمد قال: حدثتني امرأة من الأنصار هي حية اليوم، إن شئت أدخلتك عليها قلت: لا، حدثني، قالت: دخلتُ على أم سلمة فدخل عليها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كأنه غضبان، فاستترت بكم درعي، فتكلم بكلام له لم أفهمه فقلت: يا أم المؤمنين كأني رأيتُ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- دخل وهو غضبان فقالت: نعم أما سمعتَ ما قال؟ قالت: قلت: وما قال؟ قال: ((إن السوء إذا فشا في الأرض ولم يتناهى عنه أرسل الله -عز وجل- بأسه على أهل الأرض)) قالت: قلت: يا رسول الله وفيهم الصالحون؟ قالت: قال: ((نعم يصيبهم ما أصاب الناس، ثم يقبضهم الله -عز وجل- إلى مغفرته ورضوانه، أو: إلى رضوانه ومغفرته)).
26- وأخرج بسنده عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((لا يحقرن أحدكم نفسه أن يرى أمراً لله عليه فيه مقال، ثم لا يقوله، فيقول الله: ما منعك أن تقول فيه، فيقول: رب خشيت الناس، فيقول: وأنا أحق أن يخشى)).
27- وأخرج بسنده عن عبيد الله بن جرير عن أبيه قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((ما من قوم يكون فيهم رجل يعمل بالمعاصي يقدروا أن يغيروا عليه فلا يغيروا عليه إلا عمهم الله بعقاب قبل أن يموتوا)).
28- وأخرج بسنده عن عطاء بن السائب قال: سمعت عبد الرحمن الحضرمي أخبرني من سمع النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((إن من أمتي قوماً يعطون مثل أجور أولهم ينكرون المنكر)).
29- وأخرج بسنده عن عروة عن عائشة قالت: دخل علي النبي -صلى الله عليه وسلم- وقد حفزه النفس فعرفت في وجهه أن قد حفزه شيء فما تكلم حتى توضأ فلصقت بالحجرة فصعد المنبر، فحمد الله، وأثنى عليه، ثم قال: ((أيها الناس إن الله -عز وجل- يقول لكم: مروا بالمعروف، وانهوا عن المنكر، قبل أن تدعوني فلا أجيبكم، وتسألوني فلا أعطيكم، وتستنصروني فلا أنصركم)).
30- وأخرج بسنده عن نافع عن ابن عمر، أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((لتأمرن بالمعروف، ولتنهون عن المنكر، أو ليسلطن الله عليكم شراركم، فليسومونكم سوء العذاب، ثم ليدعو خياركم، فلا يستجاب لهم، لتأمرن بالمعروف، ولتنهون عن المنكر، أو ليبعثن الله عليكم من لا يرحم صغيركم، ولا يوقر كبيركم)).
31- وأخرج بسنده عن الأحوص بن حكيم عن عبد الحكيم البصري قال: سمعتُ عائشة تقول: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إن مما أنزل الله -عز وجل- لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر، أو لتدعوني فلا أستجيب لكم، أو لتسألوني فلا أعطيكم، أو تستنصروني فلا أنصركم)).
32- وأخرج عن عكرمة عن ابن عباس قال: قيل: يا رسول الله أتهلك القرية وفيها الصالحون؟ قال: ((نعم)) قيل: بم يا رسول الله؟ قال: بتدهانهم وسكوتهم على معاصي الله -عز وجل-)).
33- وأخرج بسنده عن عبد الله بن عبد الرحمن الأشهلي عن حذيفة بن اليمان أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((والذي نفسي بيده لتأمرن بالمعروف، ولتنهون عن المنكر، أو ليوشكن الله أن يبعث عليكم عقاباً من عنده، ثم تدعونه فلا يستجيب لكم)).
34- وأخرج بسنده عن عمرو بن مرة عن عبيدة السلماني عن ابن مسعود قال: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((بئس القوم قوم لا يأمرون بمعروف ولا ينهون عن منكر)).
35- وأخرج بسنده عن عبد الله بن نعيم عن بعض المشيخة يرفعه قال: ((من أمر بمعروف ونهى عن منكر فهو خليفة الله في الأرض، وخليفة كتاب الله -عز وجل-، وخليفة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-)).
36- وأخرج بسنده عن عبد الرحمن بن أبي بكرة قال: كانت عند أبي امرأة من بني غدانة فماتت، فأخرج جنازتها، فتقدم ليصلي عليها فدفعه إخوتها، فقال: أنا أحق بالصلاة، فتقدم فصلى عليها، ثم دخل القبر، فدخل عليه إخوتها فرجموه، حتى خر مغشياً عليه، فصرخ عليه عشرون ابناً وابنة أنا منهم، قال: فأفاق، فقال: يا بني لم تصرخون علي؟ فو الذي نفسي بيده ما في الأرض نفس أحب إليّ أن تكون قد أخرجت من بين جنبيه، ولا نفس ذباب أحب إلي من نفسي، قال: قلنا: ولم ذاك؟ قال: لأني سمعتُ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((يوشك أن يأتي على الناس زمان لا يستطيعون أن يأمروا فيه بمعروف، ولا ينهوا فيه عن منكر)) وكان ذلك الزمان قد جاء وما خبري يومئذٍ.
37- وأخرج بسنده عن أبي أمامة الباهلي عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((كيف أنتم إذا طغى نساؤكم، وفسق شبابكم، وتركتم جهادكم؟)) قالوا: وإن ذلك لكائن يا رسول الله؟ قال: ((نعم والذي نفسي بيده وأشد منه، سيكون)) قالوا: وما أشد منه يا رسول الله؟ قال: ((كيف أنتم إذا لم تأمروا بالمعروف، ولم تنهوا عن المنكر؟)) قالوا: وكائن ذلك يا رسول الله؟ قال: ((نعم والذي نفسي بيده وأشد منه سيكون)) قالوا: وما أشد منه يا رسول الله؟ قال: ((كيف أنتم إذا رأيتم المعروف منكراً، ورأيتم المنكر معروفاً؟)) قالوا: وكائن ذلك يا رسول الله؟ قال: ((نعم وأشد منه سيكون، يقول الله تعالى: بي حلفت لأتيحن لهم فتنة تصير الحليم فيهم حيراناً)).
38- وأخرج بسنده عن عبد الله بن المنكدر بن محمد بن المنكدر عن أبيه عن جده عن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إذا أمتي تركت الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر منعها الله -تبارك وتعالى- منفعة الوحي من السماء، فكيف بكم إذا لم يرأف الله بكم ويرحمكم؟)) قالوا: وكائن ذلك يا رسول الله؟ قال: ((إي والذي بعث محمداً بالحق نبياً إذا استعمل عليكم شراركم، فقد تبرأ الله منكم)).
39- وأخرج بسنده عن سلمة بن كلثوم الحمصي عن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- قال: سمعتُ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((لتأمرن بالمعروف، ولتنهون عن المنكر أو ليولين الله شراركم على خياركم، ثم يدعو خياركم فلا يستجاب لهم)).
40- وأخرج بسنده عن سفيان الثوري عن عبد الملك بن عمير عن أبي المليح عن عمر بن الخطاب قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((يأتي على الناس زمان يكون أكثرهم وجوههم وجوه المؤمنين، فقلوبهم قلوب الذئاب الضواري، سفاكون للدماء، لا يرعون عن قبيح فعلوه، فإن تابعتهم واربوك وإن حدثوك كذبوك، وإن ائتمنتهم خانوك، وإن تواريت عنهم اغتابوك، صبيهم عارم، وشابهم شاطر، وشيخهم فاجر، لا يأمرهم بمعروف، ولا ينهاهم عن منكر، الاختلاط بهم ذلة، وطلب ما في أيدهم فقر، الحليم فيهم غاو، والغاوي فيهم حليم، السنة فيهم بدعة، والبدعة فيهم سنة، والآمر بينهم بالمعروف متهم، والفاسق فيهم مشرف، والمؤمن بينهم مستضعف، فإذا فعلوا ذلك سلط الله عليهم أقواماً إن تكلموا قتلونهم، وإن سكتوا استباحوهم، يستأثرون عليهم بفيئهم، ويطأون حريمهم، ويجورون في حكمهم)).
41- وأخرج بسنده عن عبد الله بن عبد الرحمن الأشهلي عن حذيفة أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((والذي نفسي بيده لتأمرن بالمعروف، ولتنهون عن المنكر، أو ليوشكن الله أن يبعث عليكم عقاباً من عنده، ثم لتدعنه فلا يستجيب لكم)).
42- وأخرج بسنده عن سالم بن عبد الله عن أبيه قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((أيها الناس مروا بالمعروف، وانهوا عن المنكر، قبل أن تدعو الله فلا يستجيب لكم، وقبل أن تستغفروه فلا يغفر لكم، إن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لا يدفع رزقاً، ولا يقرب أجلاً، وإن الأحبار من اليهود والرهبان من النصارى لما تركوا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لعنه الله على لسان أنبيائهم ثم عموا بالبلاء)).
43- وأخرج بسنده عن سعيد بن جبير قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((ما ترك قوم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إلا لم ترفع أعمالهم ولم يسمع دعاؤهم)).
44- وأخرج بسنده عن عطاء سمعت أبا هريرة قلنا لرسول الله -صلى الله عليه وسلم: لئن لم نأمر بالمعروف ولم ننه عن المنكر حتى لا نبقي من المعروف شيئاً إلا عملناه، ولا نبقي من المنكر شيئاً إلا نهينا عنه، لا نأمر بمعروف ولا ننهى عن منكر أبداً، فقال لنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((مروا بالمعروف وإن لم تعملوه، وانهوا عن المنكر، وإن لم تنتهوا عنه كله)).
45- وأخرج بسنده عن إبراهيم بن الأشعث قال: سمعتُ الفضيل يقول: ذكر عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((إذا عظمت أمتي الدنيا نزعت منها هيبة الإسلام، وإذا تركت أمتي الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر حرمت بركة الوحي)) قال الفضيل: وبلغني أن أبا الدرداء قال: ما زال بي الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر حتى اتخذني الناس عدواً، وما لي إليهم من ذنب، وبلغني أن أبا ذر قال: تركني الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ومالي من صديق.
46- وأخرج بسنده عن ابن عباس قال: قيل: يا رسول الله أتهلك القرية وفيها الصالحون؟ قال: ((نعم)) قيل: بم يا رسول الله؟ قال: بتدهانهم وسكوتهم على معاصي الله -عز وجل-)).
47- وأخرج بسنده عن الصلت بن طريف المعولي قال: حدثنا شيخ من أهل المدائن قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((أنتم اليوم على بينة من ربكم تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر، وتجاهدون في سبيل الله لم تظهر فيكم السكرتان سكرة العيش، وسكرة الجهل، وستحولون إلى غير ذلك، يفشو فيكم حب الدنيا، فإذا كنتم كذلك لم تأمروا بالمعروف، ولم تنهوا عن المنكر، ولم تجاهدوا في سبيل الله ألا إن القائمين يومئذٍ بالكتاب في السر والعلانية كالسابقين الأولين من المهاجرين والأنصار)).
48- وأخرج بسنده عن عطاء بن السائب، قال: سمعتُ عبد الرحمن الحضرمي يقول: أخبرني من سمع النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((إن من أمتي قوماً يعطون مثل أجور أولهم ينكرون المنكر)).
49- وأخرج بسنده عن أبي فروة الهمداني قال: سمعتُ الشعبي يقول: سمعتُ النعمان بن بشير يقول: سمعتُ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((مثل المدهن في حدود الله والواقع فيها والقائم عليها كمثل ثلاثة ركبوا سفينة، واستهموا منازلها، فطار لأحدهم أسفلها وأوعرها وشرها، فكانت مختلفة ومهراق مائه عليهم فبينما هم فيها لم تفجأهم إلا به وقد أخذ القدوم، فقالوا له: أي شيء تصنع؟ قال: أخرق في جهتي خرقاً، فيكون أقرب لي من الماء، ويكون فيه مختلفي ومهراق مائي، فقال بعضهم: اتركوه أبعده الله يخرق في حقه ما شاء، فقال بعضهم: لا تدعوه يخرقها فيهلكنا، ويهلك نفسه، فإن هم أخذوا على يديه نجا ونجوا معه، وإن هم لم يأخذوا على يديه هلك وهلكوا معه)).
ثانياً: الآثار الموقوفة:
1– وأخرج بسنده عن عبد الله بن عثمان بن خثيم عن أبي الزبير أنه حدثه جابر بن عبد الله أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لبث عشر سنين يتبع الحاج في منازلهم في الموسم وبمجنة وعكاظ ومنازلهم بمنى: من يؤويني حتى أبلغ رسالات ربي -عز وجل-، وله الجنة، فلا يجد أحداً ينصره ويؤويه حتى إن الرجل يرحل من مصر أو من اليمن، كذا قال، فيأتيه قومه فيقولون: احذر غلام قريش لا يفتننك ويمسي، بين رحالهم يدعوهم إلى الله -عز وجل- يشيرون إليه بالأصابع، حتى بعثنا الله -عز وجل- من يثرب، فيأتيه الرجل فيؤمن به فيقرئه القرآن، فينقلب إلى أهله، فيسلمون بإسلامه، حتى لم يبق دار من دور يثرب إلا فيها رهط من المسلمين، يظهرون الإسلام، ثم بعثنا الله -عز وجل- فائتمرنا واجتمعنا سبعون رجلاً منا فقلنا: حتى متى نذر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يطرد في جبال مكة، فدخلنا حتى قدمنا عليه في الموسم فواعدناه شعب العقبة، فقال عمه العباس: يا ابن أخي إني لا أدري ما هؤلاء القوم الذي جاؤوك إني ذو معرفة بأهل يثرب فاجتمعنا عنده من رجل ورجلين فلما نظر العباس في وجوهنا قال: هؤلاء قوم لا أعرفهم هؤلاء أحداث، فقلنا: يا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- علام نبايعك؟ قال: تبايعوني على السمع والطاعة في النشاط والكسل، وعلى النفقة في العسر واليسر، وعلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وعلى أن تقولوا في الله لا تأخذكم فيه لومة لائم، وعلى أن تنصروني إذا قدمت يثرب، فتمنعوني مما تمنعون منه أنفسكم وأزواجكم وأبناءكم ولكم الجنة، فقمنا نبايعه، فأخذ بيده أسعد بن زرارة وهو أصغر السبعين، فقال: رويداً يا أهل يثرب إنا لم نضرب إليه أكباد المطي إلا ونحن نعلم أنه رسول الله إن إخراجه اليوم مفارقة العرب كافة وقتل خياركم، وأن تعضكم السيوف، فإما أنتم قوم تصبرون على السيوف إذا مستكم، وعلى قتل خياركم، ومفارقة العرب كافة فخذوه وأجركم على الله -عز وجل-، وأما أنتم قوم تخافون من أنفسكم خيفة فذروه فهو أعذر عند الله، قالوا: يا أسعد بن زرارة أمط عنا يدك لا نذر هذه البيعة، ولا نستقيلها، فقمنا إليه رجلاً رجلاً يأخذ علينا بشرطة العباس، ويعطينا على ذلك الجنة.
2- وأخرج بسنده عن أبي البختري عن حذيفة {عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ} [المائدة (105)] إذا أمرتم بالمعروف ونهيتهم عن المنكر.
3- وأخرج بسنده عن إسماعيل بن أبي حكيم قال: قال عمر بن عبد العزيز: “إن الله -عز وجل- لا يعذب العامة بعمل الخاصة، فإذا المعاصي ظهرت فلم تغير أخذت العامة والخاصة”.
4- وأخرج بسنده عن مالك عن إسماعيل بن أبي حكيم أنه أخبره أنه سمع عمر بن عبد العزيز يقول: “كان يقال: إن الله -عز وجل- لا يعذب العامة بذنب الخاصة، ولكن إذا عمل المنكر جهاراً استحقوا العقوبة كلهم”.
5- وأخرج بسنده عن يحيى بن سعيد عن نافع أن ابن عمر قال لقوم يأتون السلطان: “أكلما رأيتم منكراً أنكرتموه، أو معروفاً أمرتم به؟ قالوا: لا، ولكن إذا قال شيئاً صدقناه، فإذا خرجنا قلنا: ما نعلم، قال: كنا نعد هذا على عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- نفاقاً، أو من النفاق”.
6- وأخرج بسنده عن محمد بن نشر قال: كنا جلوساً حول ابن الحنفية، فحدث عن القرية التي كانت حاضرة البحر، فذكر أن قوماً من بني إسرائيل حرم الله عليهم حيتانهم يوم سبتهم قال: وكانت الحيتان مما أوتيت من الأمان تخرج في ذلك اليوم حتى ترى في بيوتهم ودورهم وأفنيتهم، فإذا غربت الشمس انسابت، حتى تأتي البحر، فغبرت بذلك زمناً طويلاً، ثم إن سفهاء مهم قالوا: كيف لنا بهذه الحيتان أن تدخل علينا بيوتنا وطرقنا، فقال بعضهم: ما تريدون؟ أليس لكم في ستة أيام وست ليال ما تصيدون، وتأكلون، فأبت أنفسهم، فقالوا: كيف نصنع؟ فقال بعضهم: ندعها فإذا دخلت أغلق كل رجل بابه وسد طريقه، ثم يتركها تدور حتى تغرب الشمس يأخذونها من قريب، فغبروا يفعلون ذلك، فقال ناس منهم من أهل الخير: ويحكم اتقوا الله، فإن الله لا يخدع، ويلكم لا تصيدوها، فكذبوهم وساقوهم حتى جعل الرجل يلطم ويضرب، وأن أناساً قالوا للذين ينهون: ما تريدون منهم؟ فو الله ما هم بالذين يطيعونكم فدعوهم، قال: فأسفوا الله عليهم، فكانوا ثلاث طبقات، طبقة أكلت، فمسخها الله قردة، وطبقة نهت، فأنجها الله، وطبقة سكتت، فكان عاقبة سكوتهم أن بعث الله عليهم من يسومهم سوء العذاب إلى يوم القيامة، قال فقرأ هذه الآيات: {وَاسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ} [الأعراف (163)] إلى: {وَإِذْ قَالَتْ أُمَّةٌ مِنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا} [الأعراف (164)] ثم قرأ: {وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذَابِ إِنَّ رَبَّكَ لَسَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ} [الأعراف (167)].
7- وأخرج بسنده عن عبيد الله بن محمد بن يزيد بن خنيس، قال: سمعتُ أبي يقول: كان سفيان الثوري ذات يوم جالساً في مجلسه في المسجد الحرام في أثر الصبح، وكان مجلسه قبالة وجه القبلة، فجاء شيخ فوقف عليه، فقال له: كيف أصبحت يا شيخ؟ فقال له سفيان: تسألني كيف أصبحت، وقد والله أصبحت الأدلاء قد تحيرت، ثم قال سفيان -وكان كثيراً مما يدعو به-: ((اللهم أبرم لهذه الأمة أمراً رشيداً يعز به وليك، ويذل به عدوك، ويؤمر فيه بالمعروف، وينهى فيه عن المنكر، ثم يتنفس نفساً شديداً، ثم يقول: كم من مؤمن قد مات بغيظه، وكان سفيان ممن مات بغيظه.
8- وأخرج بسنده عن ليث بن أبي سليم قال: من الجهاد أن تقول للظالم: يا ظالم.
9- وأخرج بسنده عن أبي هزان قال: بعث الله -عز وجل- ملكين إلى أهل قرية أن دمرا أهلها بمن فيها، فوجدا فيها رجلاً قائماً يصلي، فعرج أحدهم إلى الله -عز وجل-، فقال -تبارك وتعالى-: “دمراها ودمراه معها فما معر وجهه فِيَّ قط”.
10- وأخرج بسنده عن جعفر بن سليمان قال: حدثني إبراهيم بن عمرو الصنعاني، قال: أوحى الله -تبارك وتعالى- إلى يوشع بن نون أني مهلك من قومك أربعين ألفاً من خيارهم، وستين ألفاً من شرارهم، قال: يا رب هؤلاء الأشرار فما بال الأخيار؟ قال: إنهم لم يغضبوا لغضبي، وكانوا يواكلوهم ويشاربوهم”.
11- وأخرج بسنده عن أبي هزان قال: بينما صبيان يلعبون قد أخذوا ديكاً، يعني عبثاً، فجعلوا ينتفونه ريشة ريشة، وشيخ إلى جانبهم، لا يأمرهم، ولا ينهاهم، حتى لم تبق فيه ريشة فخسف الله به الأرض.
12- وأخرج بسنده عن أبي نضرة قال: لما وقعت المعاصي في بني إسرائيل، قالت فرقة: نخرج عنهم، وقالت فرقة: ننكر ذلك، ونقيم، فنزلت الرحمة، فجعل للشاخصين الثلث، وللمقيمين الثلثين.
13- وأخرج بسنده عن أبي الرقاد قال: خرجت مع مولاي، فانتهى إلى حذيفة، وهو يقول: “إن كان الرجل ليتكلم بالكلمة على عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فيصير بها منافقاً وإني لأسمعها من أحدكم اليوم في المقعد الواحد أربع مرات، لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر، ولتحاضن على الخير، أو ليسحتنكم الله جميعاً بعذاب، أو ليؤمرن عليكم شراركم، ثم يدعو خياركم فلا يستجاب لهم”.
14- وأخرج بسنده عن محمد بن يزيد بن خنيس قال: سمعتُ وهيب بن الورد بن أبي الورد مولى بني مخزوم قال: لقي عالم عالماً هو فوقه في العلم، فقال: يرحمك الله، ما أخفي من عملي؟ قال: ما تظن كأنك لم تعمل حسنة قط، إلا أداء الفرائض، قال: يرحمك الله فما الذي أعلن من عملي؟ قال: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فإنه دين الله الذي بعث به أنبياءه إلى عباده، وقد اجتمع الفقهاء على قول نبي الله -صلى الله عليه وسلم-: {وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنْتُ} [مريم (31)] ما بركته تلك؟ قال: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أينما كان.
15- وأخرج بسنده عن محمد بن الحسين قال: حدثني أبو المنذر إسماعيل بن عمر قال: سمعتُ أبا عبد الرحمن العمري يقول: إن من غفلتك عن نفسك إعراضك عن الله -عز وجل- بأن ترى ما يسخطه فتجاوزه لا بأمر فيه، ولا بنهي عن منكر خوفاً ممن لا يملك لك ضراً، ولا نفعاً، وسمعته يقول: من ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من مخافة المخلوقين نزعت منه هيبة الطاعة، فلو أمر ولده، أو بعض مواليه لا ستخف به.
16- وأخرج بسنده عن المعافي بن هلال قال: سمعتُ ابن شبرمة يقول: أفضل الصبر التصبر، ومن بالغ في الخصومة أثم، ومن قصر عنها خصم، ومن لزم العفاف هانت عليه الملوك والسيوف، ولا يصدع بالحق من هاله غضب الرجال
17- وأخرج بسنده عن يحيى بن يعمر قال: خطب عليٌ -رضي الله عنه- ثم قال: “يا أيها الناس إنما هلك من هلك قبلكم بركوبهم المعاصي، ولم ينههم الربانيون والأحبار، فلما تمادوا في المعاصي، ولم ينههم الربانيون والأحبار أدركتهم العقوبات، فمروا بالمعروف، وانهوا عن المنكر قبل أن ينزل بكم الذي نزل بهم، واعلموا أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لا يقطع رزقاً، ولا يقرب أجلاً”.
18- وأخرج بسنده عن مبارك بن فضالة عن الحسن أن رجلاً كان يقال له: عقيب كان يعبد الله، وكان في ذلك الزمان ملك يعذب الناس بالمثلات، فقال عقيب: لو نزلت إلى هذا فأمرته بتقوى الله، كان أوجب علي فنزل من الجبل، فقال له: يا هذا اتق الله، فقال له الجبار: يا كلب مثلك يأمرني بتقوى الله لأعذبنك عذاباً لم يعذب به أحد من العالمين، فأمر به أن يسلخ من قدميه إلى رأسه، وهو حي فسلخ، فلما بلغ بطنه أنَّ أنة، فأوحى الله إليه: عقيب اصبر أخرجك من دار الحزن إلى دار الفرح، ومن دار الضيق إلى دار السعة، فلما بلغ السلخ إلى وجهه صاح، فأوحى الله إليه: عقيب أبكيت أهل سمائي وأهل أرضي فأذهلت ملائكتي عن تسبيحي لئن صحت الثالثة لأصبن عليهم العذاب صباً، فصبر حتى سلخ وجهه مخافة أن يأخذ قومه العذاب”.
19- وأخرج بسنده عن ميمون بن مهران عن ابن سيدان عن حذيفة بن اليمان قال: “والله لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر، أو ليسلطن الله -عز وجل- شراركم على خياركم فيقتلونهم، ولا يبقى أحد يأمر بالمعروف ولا ينهى عن منكر، ثم لتدعن الله -عز وجل- فليمقتنكم فلا يستجيب لكم”.
20- وأخرج بسنده عن أبي عمرو بن حماس أن عبد الله بن الزبير قال لكعب: هل لله من علامة في العباد إذا سخط عليهم؟ قال: نعم، يذلهم فلا يأمرون بمعروف، ولا ينهون عن منكر، وفي القرآن قال الله -عز وجل-: {لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ} [المائدة (78)] الآية.
21- وأخرج بسنده عن ابن عمر: {وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الْأَرْضِ} [النمل (82)] قال: من لا يأمرون بمعروف ولا ينهون عن منكر.
22- وأخرج بسنده عن الحسن بن علي بن حسن بن حسن عن أبيه عن جده قال: كان يقال: لا يحل لعين مؤمنة ترى الله يعصى فتطرف حتى تغيره”.
23- وأخرج بسنده عن محمد بن سوقة قال: حدثني الذي سمع علياً قال: “الجهاد على أربع شعب، على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والصدق في المواطن، وشنآن الفاسقين، فمن أمر بالمعروف شد ظهر المؤمن، ومن نهى عن المنكر أرغم الله أنف المنافق، ومن صدق في المواطن قضى ما عليه، ومن شنأ الفاسقين وغضب لله غضب الله له، قال: فقام الرجل إلى علي -رضي الله عنه- فقبل رأسه”.
24- وأخرج بسنده عن إبراهيم بن إسماعيل بن أبي حبيبة قال: قال عمر بن عبد العزيز -رحمة الله عليه-: “لو أن المرء لا يعظ أخاه حتى يحكم أمر نفسه، ويكمل الذي خلق له من عبادة ربه إذا لتواكل الناس الخير، وإذا يرفع الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وقل الواعظون والساعون لله -عز وجل- بالنصيحة في الأرض”.
25- وأخرج بسنده عن يحيى بن المتوكل قال: سمعتُ سفيان الثوري يقول: “إذا أثنى على الرجل جيرانه أجمعون فهو رجل سوء” قالوا لسفيان: كيف ذاك؟ قال: يراهم يعملون بالمعاصي فلا يعيب عليهم ويلقاهم بوجه طلق”.
26- وأخرج بسنده عن عبد الله بن مسعود أنه قال: يذهب الصالحون أسلافاً، ويبقى أصحاب الريب، قالوا: يا أبا عبد الرحمن ومن أصاب الريب؟ قال: قوم لا يأمرون بالمعروف، ولا ينهون عن منكر”.
27- وأخرج بسنده عن وهب بن منبه قال: لما أصاب داود -عليه السلام- الخطيئة قال: يا رب اغفرها لي، قال: قد غفرتها لك وألزمت عارها بني إسرائيل، قال: كيف يا رب وأنت الحكم لا تظلم أحداً، أعمل أنا الخطيئة وتلزم عارها غيري؟ فأوحى الله: يا دواد إنك لما اجترأت على المعصية، لم يعجلوا عليك بالنكير.
28- وأخرج بسنده عن مالك بن دينار قال: “بينا حبر من أحبار بني إسرائيل متكئ على سريره إذ رأى بعض بنيه يغامز النساء، قال: مهلاً يا بنتي كهيئة التعذير، فما كان بأسرع من أتته العقوبة من الله -عز وجل-، فصرع عن سريره، وانقطع نخاعه، وأسقطت امرأته، وقيل لي: هكذا غضب لي اذهب، فلا يكون من جنسك حبر أبداً”.
29- وأخرج بسنده عن ابن سلامة البكري عن رجل من مراد قال: دخلنا على أويس القرني فقال: يا أخا مراد، قيام المؤمن بحق الله لم يبق له صديقاً، والله إنا لنأمر بالمعروف وننهى عن المنكر فيتخذونا أعداء، ويجدون على ذلك من الفساق أعواناً، حتى لقد رموني بالعظائم، والله لا يمنعني ذلك من أقوم لله بحق”.
30- وأخرج بسنده عن مسلم بن جابر الصدفي عن عبادة بن الصامت قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((من أمر بالمعروف ونهى عن المنكر كان خليفة الله في أرضه وخليفة كتابه، وخليفة رسوله -صلى الله عليه وسلم-“.
31- وأخرج بسنده عن عبد الله بن مسعود قال: “جاهدوا المنافقين بأيديكم، فإن لم تستطيعوا فبألسنتكم، فإن لم تستطيعوا إلا أن تكفهروا في وجوههم فاكفهروا”.
32- وأخرج بسنده عن الضحاك قال: “الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من فرائض الله -عز وجل-“.
33- وأخرج بسنده عن جعفر بن سليمان قال: سمعتُ مالك بن دينار يقول: “مكتوب في التوراة من كان له جار يعمل بالمعاصي فلم ينهه فهو شريكه”.
34- وأخرج بسنده عن قيس بن راشد قال: سمعتُ أبا جحيفة يقول: قال علي بن أبي طالب: “إن أول ما تغلبون عليه من الجهاد الجهاد بأيديكم، ثم الجهاد بألسنتكم، ثم الجهاد بقلوبكم حتى لا يعرف القلب معروفاً، ولا ينكر منكراً، فإذا كان ذلك نكس القلب، فجعل أعلاه أسلفه مثل الجراب”.
35- وأخرج بسنده عن أبي شريح قال: خرج علينا حذيفة قال: “أتاكم الخبر؟ قلنا: وما ذلك؟ قال: هلك عثمان، قلنا: هلكنا والله إذاً، قال: إنكم لم تهلكوا، إنما تهلكون إذا لم يعرف لذي شيبة شيبته، ولا لذي سن سنه، وصرتم تمشون على الركبات، كأنكم تعاقيب حجل، لا تأمرون بالمعروف، ولا تنهون عن المنكر”.
36- وأخرج بسنده عن أبي سعيد الخدري قال: “يأتي على الناس زمان خيرهم من لا يأمر بمعروف ولا ينهى عن المنكر”.
37- وأخرج بسنده عن عبادة بن الصامت قال: “بايعنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على السمع والطاعة في العسر واليسر، والمنشط والمكره، وألا ننازع الأمر أهله، وأن نقول الحق حيث ما كنا لا نخاف لومة لائم.
38- وأخرج بسنده عن ابن عباس -رضي الله عنهما- أن السبعين الذين اختارهم موسى من قومه إنما أخذتهم الرجفة لأنهم لم ينهوا عن العجل، ولم يرضوا به.
39- وأخرج بسنده عن ثابت عن أبي نضرة قال: “لما وقعت المعاصي في بني إسرائيل قالت فرقة: نخرج منهم، وقالت فرقة: ننكر ذلك، ونقيم، فنزلت الرحمة، فجعل للشاخصين الثلث، وللمقيمين الثلثين”.
40- وأخرج بسنده عن الضحاك قوله: {لَوْلَا يَنْهَاهُمُ الرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ} [المائدة (63)] قال: “أفلا ينهاهم العلماء والأحبار”.
41- وأخرج بسنده عن علي بن الجعد أخبرنا سلام بن مسكين قال: سألت الحسن قلت: يا أبا سعيد يأمر الرجل والديه بالمعروف، وينهاهما عن المنكر؟ قال: يأمرهما إن قبلا، وإن كرها سكت عنهما”.
42- وأخرج بسنده عن مالك بن دينار قال: “أوحى الله إلى نبي من أنبياء بني إسرائيل أن قل لقومك: لا تدخلوا مداخل أعدائي، ولا تطعموا مطاعم أعدائي، ولا تلبسوا ملابس أعدائي، ولا تركبوا مراكب أعدائي، فتكونوا أعدائي كما هم أعدائي”.
43- وأخرج بسنده عن إبراهيم الأشعث قال: سمعتُ الفضيل بن عياض قال: “بلغني أن الله -عز جل- قال: أنا الله تسميت بشديد الغضب لآخذن مطيعكم بعاصيكم، حتى لا أعصى علانية بين ظهرانيكم”.
44- وأخرج بسنده عن شمر عن شيخ من أهل الري قال: “كنتُ عريفاً في زمن علي، فأمرنا بأمر، ثم قال: أفعلتم ما أمرتكم؟ قلنا: لا، قال: أما والله ليسلطن عليكم اليهود والنصارى فليطؤن رقابكم”.
فهذا جزء يسير من سيرة هذا العَلَم الاحتسابية، وهي سيرة حافلة بالمواقف الاحتسابية العظيمة، التي تدل على تميزه في هذا الشأن -رحمه الله-.
([4]) انظر ترجمته في: تاريخ الإسلام (42/446) والبداية والنهاية (13/46) والعبر في خبر من غبر (3/129) وشذرات الذهب في أخبار من ذهب (1/48) والأعلام للزركلي (4/34) وغيرها.