احتساب حذيفة بن اليمان رضي الله عنه
(000 – 36 هـ = 000 – 656 م)
اسمه:
حذيفة بن حِسل بن جابر العبسيّ، أبو عبد الله، واليمان لقب حسل (أبوه).
مكانته وفضله:
هو صحابي جليل، من الولاة الشجعان الفاتحين، الآمرين، الناهين عن المنكر، كان صاحب سر النبي -صلى الله عليه وسلم- في المنافقين، لم يعلمهم أحد غيره، ولما ولي عمر سأله: أفي عمالي أحد من المنافقين؟ فقال: نعم، واحد، قال: من هو؟ قال: لا أذكره، وحدث حذيفة بهذا الحديث بعد حين فقال: وقد عزله عمر كأنما دُل عليه، وكان عمر إذا مات ميت يسأل عن حذيفة، فإن حضر الصلاة عليه صلى عليه عمر، وإلا لم يصلّ عليه، وولاه عمر على المدائن (بفارس) وكانت عادته إذا استعمل عاملاً كتب في عهده (وقد بعثت فلاناً وأمرته بكذا) فلما استعمل حذيفة كتب في عهده “اسمعوا له وأطيعوه، وأعطوه ما سألكم” فلما قدم المدائن استقبله الدهاقين، فقرأ عهده، فقالوا: سلنا ما شئت، فطلب ما يكفيه من القوت، وأقام بينهم فأصلح بلادهم، وهاجم نهاوند سنة (22هـ) فصالحه صاحبها على مال يؤديه في كل سنة، وغزا الدينور، وماه سندان، فافتتحهما عنوة، وكان سعد بن أبي وقاص قد فتحهما ونقضتا العهد، ثم غزا همذان والري، فافتتحهما عنوة، واستقدمه عمر إلى المدينة، فلما قرب وصوله اعترضه عمر في ظاهرها، فرآه على الحال التي خرج بها، فعانقه وسرَّ بعفته، ثم أعاده إلى المدائن، فتوفي فيها، له في كتب الحديث (225) حديثاً([1]).
وأبوه اليمان اختلفت عليه سيوف المسلمين، فقتلوه، ولا يعرفونه، فقال حذيفة: أبي أبي! فقالوا: والله ما عرفناه، فقال: يغفر الله لكم، وأراد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن يديه، فتصدق حذيفة بديته على المسلمين([2]).
وعن مكحول قال: قال حذيفة لأبي هريرة: إني أراك إذا دخلت الكنيف ابطأت في مشيك، وإذا خرجت أسرعت، قال: إني أدخل وإني على وضوء، وأخرج وأنا على غير وضوء، فأخاف أن يدركني الموت قبل أن أتوضأ، قال له حذيفة: إنك لطويل الأمل، لكني أرفع قدمي أخاف أن لا أضع الأخرى حتى أموت([3]).
وعن حسان بن ثمامة قال: سمعوا أن حذيفة عرف جملاً له سُرق، فخاصم فيه إلى قاضي المسلمين، فصارت على حذيفة -رضي الله عنه- يمين في القضاء، فأراد أن يشتري يمينه، فقال: لك عشرة دراهم، فأبى، قال: لك عشرون درهماً، فأبى، قال: لك ثلاثون درهماً، فأبى، قال: لك أربعون، فأبى، فقال حذيفة: أترني أترك جملي؟! فحلف بالله أنه جمله، ما باعه ولا وهبه([4]).
سيرته الاحتسابية
حذيفة بن اليمان من كبار الصحابة المجاهدين، المحتسبين، الذين كانت حياتهم كلها جهاداً واحتساباً، ولنشر إشارة سريعة إلى سيرته الاحتسابية، فلقد كانت له مواقف كثيرة، وأقوال عديدة وآراء سديدة في الحسبة والاحتساب منها:
1- إنكاره على أبي ذر:
عن قتادة أن أبا سعيد صنع طعاماً، ثم دعا أبا ذر وحذيفة وابن مسعود، فحضرت الصلاة، فتقدم أبو ذر ليصلي بهم، فقال له حذيفة: “وراءك رب البيت أحق بالإمامة” فقال له أبو ذر: كذلك يا ابن مسعود؟ قال: نعم، قال: فتأخر أبو ذر([5]).
2- إنكاره على رجل نمام:
عن همام بن الحارث قال: قيل لحذيفة في رجل: إن هذا يبلغ الأمراء، فقال حذيفة: سمعتُ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((لا يدخل الجنة قتات))([6]).
وعن أبي وائل، عن حذيفة أنه مر برجل فقيل له: إن هذا يبلغ الأمراء، فقال حذيفة: سمعتُ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((لا يدخل الجنة قتات))([7]).
3- إنكاره على دهقان:
عن عبد الله بن عكيم قال: كنا عند حذيفة بالمدائن، فاستسقى دهقاناً، فجاءه بماء في إناء من فضة، فحذفه به حذيفة، وكان رجلاً فيه جد، فكرهوا أن يكلموه، ثم التفت إلى القوم، فقال: أعتذر إليكم من هذا، إني كنتُ تقدمتُ إليه ألا تسقوني في هذا، ثم قال: إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قام فينا، فقال: ((لا تشربوا في آنية الذهب والفضة، ولا تلبسوا الديباج والحرير، فإنها لهم في الدنيا، ولكم في الآخرة))([8]).
4- إنكاره على من يبصق بين يديه في الصلاة:
عن شقيق، قال: كنتُ أنا وحذيفة إذا جاء شبيب بن ربعي فقام يصلي فبزق بين يديه، فلما انفصل، قال له حذيفة: يا شبيب لا تبزق بين يديك، ولا عن يمينك، كاتب الحسنات، ولتبزق عن يسارك أو خلفك ((فإن الرجل إذا قام يصلي استقبله الله بوجهه، فلا يصرفه، حتى يكون هو الذي يصرفه أو يحدث سوءاً))([9]).
5- إنكاره على رجل سمعه يفسر القرآن:
عن همام بن الحارث، قال: قرأ رجل عند حذيفة هذه الآية {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} [المائدة (44)] فقال رجل: إنما هذه في بني إسرائيل، فقال حذيفة: نعم الإخوة لكم بنو إسرائيل، أن كان لكم الحلو، ولهم المر، والذي نفسي بيده، لتتخذن السنة بالسنة حذو القذة بالقذة([10]).
6- إنكاره على من خرجوا على عثمان:
عن يزيد بن يثيع، قال: تجهز ناس من بني عبس إلى عثمان يقاتلونه، فقال حذيفة: ما سعى قوم ليذلوا سلطان الله في الأرض، إلا أذلهم الله في الدنيا قبل أن يموتوا([11]).
وغزا حذيفة ثلاث غزوات، فقتل عثمان في الثالثة، ولقيهم مقتل عثمان، فقال حذيفة بن اليمان: اللهم العن قتلته وشتامه! اللهم إنا كنا نعاتبه ويعاتبنا، فاتخذوا ذلك سلماً إلى الفتنة! اللهم لا تمتهم إلا بالسيوف([12]).
7- إنكاره على أن يحد الأمير في أرض العدو:
عن علقمة قال: كنا في جيش بالروم، ومعنا حذيفة، وعلينا الوليد، فشرب الخمر، فأردنا أن نحده، فقال حذيفة: أتحدون أميركم، وقد دنوتم من عدوكم، فبلغه فقال:
لأشربن وإن كانت محرمة *** وأشربن على رغم أنف من رغما([13])
8- إنكاره على من يقول: إن النبي -صلى الله عليه وسلم- صلى في بيت المقدس (وهذا رأي له):
عن حذيفة بن اليمان أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أتي بالبراق هو دابة أبيض طويل يضع حافره عند منتهى طرفه، قال: فلم يزايل ظهره هو وجبريل حتى أتيا بيت المقدس؟ وفتحت لهما أبواب السماء رأيا الجنة والنار، قال: وقال حذيفة: ولم يصل في بيت المقدس، قال زر: فقلت: بلى قد صلى، قال حذيفة: ما اسمك يا أصلع؟ فإني أعرف وجهك ولا أدري ما اسمك؟ قال: قلتُ: زر بن حبيش، قال: فقال: وما يدريك؟ وهل تجده صلى؟ قال: قلتُ: يقول الله: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الإسراء (1)] قال: وهل تجده صلى، أنه لو صلى فيه صلينا فيه كما نصلي في المسجد الحرام، وقيل لحذيفة: وربط الدابة بالحلقة التي يربط بها الأنبياء؟ فقال حذيفة: أو كان يخاف أن تذهب وقد آتاه الله بها؟!([14]).
وعن زر بن حبيش قال: أتاني حذيفة، وأنا أحدث في بيت المقدس، وأنا أقول أنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فصلى فيه، فقال حذيفة: ما اسمك يا صلع؟ فإني أعرف وجهك، ولا أدري ما اسمك، اقرأ القرآن، فقرأتُ: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى} [الإسراء (1)] فلم أجد فيها أنه صلى، قال حذيفة: والله ما صلى فيه، ولو صلى فيه لكتبت عليكم صلاة فيه، كما كتب عليكم الصلاة في البيت العتيق، والله ما زايلا ظهر البراق عودهما على بدئهما حتى رجعا، يزعمون ربطه، أو ليس سخره له قادر على أن يحبسه له([15]).
9- إنكاره على أولاده لبس الحرير:
عن سعيد بن جبير، قال: قدم حذيفة بن اليمان من سفر، وقد كسي ولده الحرير، فنزع منه ما كان على ذكور ولده، وترك منه ما كان على بناته([16]).
10- إنكاره على المغالاة في الكفن:
عن صلة بن زفر قال: أرسلني حذيفة بن اليمان ورجلاً آخر نشتري له كفنا، فاشتريتُ له حلة حمراء جيدة بثلاث مائة درهم، فلما أتيناه قال: أروني ما اشتريتم فأريناه، فقال: ردوها، ولا تغالوا في الكفن، اشتروا لي ثوبين أبيضين نقيين، فإنهما لن يتركا عليّ إلا قليلاً حتى ألبس خيراً منهما، أو شراً منهما([17]).
11- إنكاره على شراء فضولي:
عن ابن سيرين أن حذيفة بن اليمان بعث رجلاً يشتري له غلامين، نعتهما له، فلم يجد على نحو ما نعت له، فاشترى غلامين، فربح فيهما ثمان مائة درهم، فقال حذيفة: رد إلينا رأس مالنا([18]).
12- إنكاره على من يسيء في الوضوء:
عن إبراهيم النخعي أن حذيفة بن اليمان قال لابنة له -أو لامرأته-: خللي رأسك بالماء، قبل أن يخلله الله بنار، قليل بقاؤه عليها([19]).
13- إنكاره الاعتكاف في غير المساجد الثلاثة (وهذا رأى له):
عن أبي وائل قال: قال حذيفة لعبد الله: عكوفاً بين دارك ودار أبي موسى؟! وقد علمتَ أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((لا اعتكاف إلا في المساجد الثلاثة)) فقال عبد الله: لعلك نسيتَ وحفظوا، وأخطأتَ فأصابوا([20]).
14- إنكاره على من يتفاخر:
عن سالم بن أبي الجعد، قال: اجتمع جند من أهل الكوفة، وجند من أهل الشام، فيما يمدحون به أهل الشام، فيفاخروا، وحذيفة جالس، فقال أهل الشام: نحن أصحاب مؤتة، وأصحاب اليرموك، وأصحاب كذا، وأصحاب كذا، وقال أهل الكوفة: نحن أصحاب نهاوند، وأصحاب همدان، وأصحاب جلولاء، وحذيفة ساكت، فقال حذيفة: من أهلك عاداً وثموداً والقرون؟! قالوا: الله.
قال: فهو أهلك هؤلاء وما أخبية يدفع عنها ما يدفع بأخبية بالكوفة؛ إلا أخبية كانوا مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم-([21]).
15- إنكاره على الاختلاف على المصاحف:
عن أنس بن مالك أن حذيفة بن اليمان قدم على عثمان بن عفان، وكان يغزو مع أهل العراق قبل أرمينية، في غزوهم ذلك، فيمن اجتمع من أهل العراق، وأهل الشام، فتنازعوا في القرآن، حتى سمع حذيفة من اختلافهم فيه ما يكره، فركب حذيفة، حتى قدم على عثمان، فقال: يا أمير المؤمنين أدرك هذه الأمة قبل أن يختلفوا في القرآن اختلاف اليهود والنصارى في الكتب، ففزع لذلك عثمان بن عفان، فأرسل إلى حفصة بنت عمر: أن أرسلي إلي بالصحف التي جمع فيها القرآن، فأرسلت إليه بها حفصة، فأمر عثمان زيد بن ثابت وسعيد بن العاص وعبد الله بن الزبير وعبد الرحمن بن الحارث بن هشام أن ينسخوها في المصاحف، وقال لهم: إذا اختلفتم وزيد بن ثابت في عربية من عربية القرآن فاكتبوها بلسان قريش، فإن القرآن إنما نزل بلسانهم، ففعلوا حتى كتبت المصاحف، ثم رد عثمان الصحف إلى حفصة، وأرسل إلى كل جند من أجناد المسلمين بمصحف، وأمرهم أن يحرقوا كل مصحف يخالف المصحف الذي أرسل به، فذلك زمان حرقت فيه المصاحف بالنار([22]).
16- إنكاره على من يسيء في صلاته:
عن زيد بن وهب عن حذيفة أنه رأى رجلاً قد خفف في الصلاة، فقال له: مذ كم هذه صلاتك؟ فقال: منذ أربعين سنة، فقال: ما صليت منذ أربعين سنة، ولو مت وأنت على هذه الصلاة لمت على غير فطرة محمد -صلى الله عليه وسلم-، قال: ثم ذكر أن الرجل قد يخفف ويتم ويحسن([23]).
وعند عبد الزاق: عن زيد بن وهب، قال: كنا جلوساً مع حذيفة في المسجد، فرأى رجلاً يصلي صلاة لا يتم ركوعها، ولا سجودها، فلما انصرف دعاه، فقال له: “منذ كم صليت هذه الصلاة؟ قال: منذ أربعين سنة، قال حذيفة: “ما صليت منذ كنت، ولو مت وأنت على هذا لمت على غير فطرة محمد النبي -صلى الله عليه وسلم- الذي فطر عليها([24]).
17- إنكاره على القراء:
عن إبراهيم عن همام، قال: قال حذيفة -رضي الله تعالى عنه-: يا معشر القراء، اسلكوا الطريق، فلئن سلكتموه لقد سبقتم سبقاً بعيداً، ولئن أخذتم يميناً وشمالاً لقد ضللتم ضلالاً بعيداً([25]).
أقواله وآراؤه ومروياته الاحتسابية
كان لحذيفة كثير من الأقوال والمرويات والآراء الاحتسابية السديدة، منها:
1- عن خلاد بن عبد الرحمن، أن أبا الطفيل حدثه أنه سمع حذيفة، يقول: يا أيها الناس، ألا تسألوني؟ فإن الناس كانوا يسألون رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن الخير، وكنتُ أسأله عن الشر، أفلا تسألون عن ميت الأحياء؟ فقال: إن الله تعالى بعث محمداً -صلى الله عليه وسلم-، فدعا الناس من الضلالة إلى الهدى، ومن الكفر إلى الإيمان، فاستجاب له من استجاب، فحيى بالحق من كان ميتاً، ومات بالباطل من كان حياً، ثم ذهبت النبوة، فكانت الخلافة على منهاج النبوة، ثم يكون ملكاً عضوضاً، فمن الناس من ينكر بقلبه ويده ولسانه والحق استكمل، ومنهم من ينكر بقلبه ولسانه كافاً يده، وشعبة من الحق ترك، ومنهم من ينكر بقلبه كافاً يده ولسانه، وشعبتين من الحق ترك، ومنهم من لا ينكر بقلبه ولسانه، فذلك ميت الأحياء([26]).
2- عن عبد الله بن سيدان عن حذيفة -رضي الله تعالى عنه- قال: ((لعن الله من ليس منا، والله لتأمرن بالمعروف، ولتنهون عن المنكر، أو لتقتتلن بينكم، فليظهرن شراركم على خياركم، فليقتلنهم حتى لا يبقى أحد يأمر بالمعروف، ولا ينهى عن منكر، ثم تدعون الله -عز وجل- فلا يجيبكم بمقتكم([27]).
3- عن أبي الرقاد، قال: خرجتُ مع مولاي وأنا غلام، فدفعتُ إلى حذيفة، وهو يقول: إن كان الرجل ليتكلم بالكلمة على عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فيصير بها منافقاً، وإني لأسمعها من أحدكم في المقعد الواحد أربع مرات، لتأمرن بالمعروف، ولتنهون عن المنكر ولتحضن على الخير، أو ليسحتكم الله جميعاً بعذاب، أو ليأمرن عليكم شراركم، ثم يدعو خياركم فلا يستجاب لكم([28]).
4- عن مكحول عن حذيفة قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((للساعة أشراط)) قيل: وما أشراطها؟ قال: ((غلو أهل الفسق في المساجد، وظهور أهل المنكر على أهل المعروف)) قال أعرابي: فما تأمرني يا رسول الله؟ قال: ((دع، وكن حلساً من أحلاس بيتك))([29]).
5- عن صلة بن زفر عن حذيفة قال: “بني الإسلام على ثمانية أسهم: شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وحج البيت، وصوم شهر رمضان، والجهاد، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، وقد خاب من لا سهم له”([30]).
6- عن أبي وائل، عن حذيفة، أن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- قال: أيكم يحفظ قول رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في الفتنة؟ فقال حذيفة: أنا أحفظ كما قال، قال: هات، إنك لجريء، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((فتنة الرجل في أهله وماله وجاره، تكفرها الصلاة، والصدقة، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر)) قال: ليست هذه، ولكن التي تموج كموج البحر، قال: يا أمير المؤمنين، لا بأس عليك منها، إن بينك وبينها باباً مغلقاً، قال: يفتح الباب أو يكسر؟ قال: لا، بل يكسر، قال: ذاك أحرى أن لا يغلق، قلنا: علم عمر الباب؟ قال: نعم، كما أن دون غد الليلة، إني حدثته حديثا ليس بالأغاليط، فهبنا أن نسأله، وأمرنا مسروقا فسأله فقال: من الباب؟، قال: عمر([31]).
7- عن زاذان قال: سمعتُ حذيفة، يقول: ((ليأتين عليكم زمان خيركم فيه من لا يأمر بمعروف ولا ينهى عن منكر)) فقال رجل من القوم: أيأتي علينا زمان نرى المنكر فيه فلا نغيره؟ قال: والله لتفعلن، قال: فجعل حذيفة يقول بأصبعه في عينه: كذبت والله ثلاثاً، قال الرجل: فكذبت وصدق([32]).
8- عن أبي الطفيل، قال قيل لحذيفة: “ما ميت الأحياء؟ قال: من لم يعرف المعروف بقلبه، وينكر المنكر بقلبه([33]).
9- عن أبي البختري، قال: قيل لحذيفة: ألا نأمر بالمعروف وننهى عن المنكر؟ قال: إنه لحسن، ولكن ليس من السنة أن ترفع السلاح على إمامك([34]).
10- عن زيد بن وهْب قال: أنكر الناس على أمير في زمن حذيفة -رضي الله عنه- شيئاً، فأقبل رجل في المسجد -المسجد الأعظم- يتخلَّل الناس حتى انتهى إلى حذيفة، وهو قاعد في حَلْقة، فقام على رأسه، فقال: يا صاحب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- -رضي الله عنه-، ألا تأمر بالمعروف، وتنهى عن المنكر؟ فرفع حذيفة -رضي الله عنه- رأسه فعرف ما أراد، فقال له حذيفة؛ إنّ الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر لَحَسن، وليس من السنة أن تُشهر السلاح على أميرك([35]).
11- عن أبي البختري، عن حذيفة قال: قلتُ للنبي -صلى الله عليه وسلم-: يا رسول الله، متى نترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وهما سيدا أعمال أهل البر؟ قال: ((إذا أصابكم ما أصاب بني إسرائيل)) قلتُ: يا رسول الله، وما أصاب بني إسرائيل؟ قال: ((إذا داهن خياركم فجاركم، وصار الفقه في شراركم، وصار الملك في صغاركم، فعند ذلك تلبسكم فتنة، تكرون ويكر عليكم))([36]).
12- عن عبد الله بن الديلمي، عن حذيفة: “لا يقبل الله لصاحب بدعة صوماً ولا صلاة”([37]).
13- عن ربعي بن حراش عن حذيفة قال: يوشك أن يدرس الإسلام كما يدرس وشي الثوب، ويقرأ الناس القرآن لا يجدون له حلاوة، فيبيتون ليلة، ويصبحون وقد أسرى بالقرآن، وما كان قبله من كتاب، حتى ينتزع من قلب شيخ كبير، وعجوز كبيرة، فلا يعرفون وقت صلاة، ولا صيام ولا نسك، حتى يقول القائل منهم: إنا سمعنا الناس يقولون: لا إله إلا الله، فقال صلة بن زفر: فما يغني عنهم قول لا إله إلا الله وهم لا يعرفون وقت صلاة ولا صوم ولا نسك؟! فقال له حذيفة: ما قلتَ يا صلة؟ قال: قلتُ كذا وكذا، قال: ينجون من النار يا صلة([38]).
14- قال حذيفة: والله ما أعرف رجلاً لا تأخذه في الله لومة لائم إلا عمر([39]).
15- عن جناب الكلبي قال: قال حذيفة بن اليمان: إن الحق لثقيل، وهو مع ثقله مرئ، وإن الباطل خفيف، وهو مع خفته وبئ([40]).
16- قال حذيفة: لوددتُ أن لي انساناً يكون في مالي، ثم اغلق عليّ الباب، فلم يدخل عليّ أحد، حتى ألقى الله -تبارك وتعالى-([41]).
17- عن شمر بن عطية قال: قال حذيفة: ليس خياركم من ترك الدنيا للآخرة، ولا خياركم من ترك الآخرة للدنيا، ولكن خياركم من أخذ من كل.
عن عمرو بن مرة قال: قال حذيفة بن اليمان: خياركم الذين يأخذون من دنياهم لآخرتهم، ومن آخرتهم لدنياهم([42]).
18- عن، همام، عن، حذيفة، قال: دخلتُ على عمر وهو قاعد على جذع في داره، وهو يحدث نفسه، فدنوتُ منه، فقلتُ: ما الذي أهمك يا أمير المؤمنين، فقال: هكذا بيده، وأشار بها، قال: قلتُ: الذي يهمك والله لو رأينا منك أمراً ننكره لقومناك، قال: الله الذي لا إله إلا هو لو رأيتم مني أمراً تنكرونه لقومتموه؟ فقلتُ: الله الذي لا إله إلا هو لو رأينا منك أمراً ننكره لقومناك، قال: ففرح بذلك فرحاً شديداً، وقال: الحمد لله الذي جعل فيكم أصحاب محمد من الذي إذا رأى مني أمراً ينكره قومني([43]).
19- عن عبد الله الأنصاري، عن حذيفة بن اليمان، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((والذي نفسي بيده لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر، أو ليوشكن الله أن يبعث عليكم عقاباً منه، ثم تدعونه فلا يستجاب لكم))([44]).
20- عن أبي الرقاد، قال: خرجتُ مع مولاي وأنا غلام، فدفعت إلى حذيفة، وهو يقول: “إن كان الرجل ليتكلم بالكلمة على عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فيصير منافقاً” وإني لأسمعها من أحدكم في المقعد الواحد أربع مرات: لتأمرن بالمعروف، ولتنهون عن المنكر، ولتحاضن على الخير، أو ليسحتنكم الله جميعاً بعذاب، أو ليؤمرن عليكم شراركم، ثم يدعو خياركم، فلا يستجاب لكم([45]).
21- عن أبي البختري عن حذيفة {عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ} [المائدة (105)] إذا أمرتم بالمعروف ونهيتهم عن المنكر([46]).
22- عن أبي شريح قال: خرج علينا حذيفة قال: أتاكم الخبر؟ قلنا: وما ذلك؟ قال: هلك عثمان، قلنا: هلكنا والله إذاً، قال: إنكم لم تهلكوا، إنما تهلكون إذا لم يعرف لذي شيبة شيبته، ولا لذي سن سنه، وصرتم تمشون على الركبات، كأنكم تعاقيب حجل، لا تأمرون بالمعروف، ولا تنهون عن المنكر([47]).
فهذه سيرة موجزة لاحتساب هذا الصحابي الجليل -رضي الله عنه- الذي كان متخصصاً في علم الفتن؛ ولهذا تعامل مع فتن السبئيين في الكوفة وغيرها، وفق ما سمعه وعلمه من رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، واستحضر ما حفظه من تلك الأحاديث، ففهم حقيقة ما يجري حوله، ولم يستبعده ولم يستغربه وحاول الإصلاح ما أمكنه.
فرحمه الله.
([6]) حلية الأولياء وطبقات الأصفياء (4/ 178) وتاريخ أصبهان = أخبار أصبهان (2/ 285) وتاريخ بغداد وذيوله ط العلمية (6/ 260).
([20]) المعجم الكبير للطبراني (9/ 302-9511) ومصنف عبد الرزاق الصنعاني (4/ 348-8016) مصنف ابن أبي شيبة (2/ 337-9669) والسنن الكبرى للبيهقي (4/ 519-8574) وشرح مشكل الآثار (7/ 201-2771).وأخبار مكة للفاكهي (2/ 143-1334) وتاريخ الإسلام (24/ 270) وقد انفرد حذيفة بتخصيص الاعتكاف في المساجد الثلاثة، والجمهور على جوازه، في أي مسجد من المساجد. انظر الفتح (4 / 272).