احتساب طاوس بن كيسان رحمه الله
(33 – 106 هـ = 653 – 724 م)
اسمه:
طاوس بن كيسان الخولانيّ، الهمدانيّ، بالولاء، أبو عبد الرحمن، من أكابر التابعين، تفقهًا في الدين، ورواية للحديث، وتقشفًا في العيش، وجرأة على وعظ الخلفاء، والملوك، أصله من الفرس، ومولده، ومنشأه في اليمن، توفي حاجًّا بالمزدلفة، أو بمنى، وكان هشام بن عبد الملك حاجًّا تلك السنة، فصلًّى عليه، وكان يأبى القرب من الملوك والأمراء، قال ابن عيينة: متجنبو السلطان ثلاثة: أبو ذر، وطاوس، والثوري([1]).
مناقبه وفضله:
هو تابعي جليل، من أكبر أصحاب ابن عباس.
وعن عبد الملك بن ميسرة، عن طاوس، قال: “أدركت خمسين من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم”([2]).
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: “إني لأظن طاوسًا من أهل الجنة”([3]).
وعن حبيب بن أبي ثابت قال: “اجتمع عندي خمسة لا يجتمع عندي مثلهم أبدًا: عطاء، وطاوس، ومجاهد، وسعيد بن جبير، وعكرمة”([4]).
وعن عبد الله بن بشر: “أن طاوسًا اليماني كان له طريقان إلى المسجد: طريق في السوق، وطريق آخر، فكان يأخذ في هذا يومًا وفي هذا يومًا، فإذا مر في طريق السوق فرأى تلك الرؤوس المشوية لم ينعس تلك الليلة”([5]).
وعن ابن شوذب، قال: شهدت جنازة طاوس بمكة سنة، خمس ومائة، فجعلوا يقولون: رحم الله أبا عبد الرحمن، حج أربعين حجة([6]).
وعن معمر: أن طاوسًا أقام على رفيق له مريض، حتى فاته الحج([7]).
وعبد المنعم بن إدريس، عن أبيه قال: صلى وهب بن منبه وطاوس اليماني الغداة بوضوء العتمة أربعين سنة([8]).
وعن عمرو قال: ما رأيتُ أحدًا أشد تنزهًا عما في أيدي الناس من طاوس([9]).
وعن معمر قال: سمعتُ أيوب يقول لليث: انظر ما سمعتَ من هذين الرجلين، فاشدد يديك -يريد به طاوس ومجاهدًا-([10]).
وعن أبي عاصم، قال: زعم لي سفيان قال: جاء ابن لسليمان بن عبد الملك، فجلس إلى جنب طاوس، فلم يلتفت إليه، فقيل له: جلس إليك ابن أمير المؤمنين، فلم تلتفت إليه.
قال: “أردت أن يعلم أن لله عبادًا يزهدون فيما في يديه([11]).
وعن ابن عيينة، قال: قال عمر بن عبد العزيز لطاوس: ارفع حاجتك إلى أمير المؤمنين، يعني سليمان بن عبد الملك، فقال طاوس: ما لي إليه من حاجة، قال: فكأنه قد عجب من ذلك([12]).
سيرته الاحتسابية
كان لطاوس رحمه الله سيرة احتسابية حافلة بالحسبة والاحتساب، نذكر طرفًا من مواقفه الاحتسابية العظيمة:
1- إنكاره على من يقول: إن الله خلقنا للاختلاف:
عن ابن أبي نجيح، عن طاوس أن رجلين اختصما إليه، فأكثرا، فقال طاوس: اختلفتما، وأكثرتما، قال أحد الرجلين: لذلك خلقنا فقال طاوس كذبت.
قال: أليس الله يقول: {وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ * إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ}[هود: 118- 119] قال: لم يخلقهم ليختلفوا، ولكن خلقهم للجماعة والرحمة([13]).
2- إنكاره على قدري:
عن أبي معاوية الضرير عن رجل لم يسمّ، قال: كنتُ عند طاوس في المسجد الحرام، فجاء رجل ممّن يُرمَى القدر، من كبار الفقهاء، فجلس إليه، فقال طاوس: يقوم أو يقام، فقام الرجل، فقال لطاوس: تقول هذا الرجل فقيه، فقال إبليس: أفقه منه، يقول إبليس: {رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي} [الحجر: 39] ويقول هذا: أنا أغوي نفسي([14]).
3- إنكاره على مُتطير:
عن معمر، عن ابن طاوس أو غيره: إن رجلًا كان يسير مع طاوس فسمع غرابًا نعب، فقال: خير، فقال طاوس: “أي خير عند هذا أو شر؟ لا تصحبني، أو تمشي معي”([15]).
4- إنكاره على من ينام بالسحر:
عن مسعر، عن رجل، قال: أتى طاوسُ رجلًا في السحر، فقالوا: هو نائم، قال: “ما كنتُ أرى أحدًا ينام في السحر”([16]).
5- إنكاره على من رغب عن الزواج:
عن إبراهيم بن ميسرة، قال: قال لي طاوس: لتنكحن أو لأقولن ما قال عمر بن الخطاب لأبي الزوائد: “ما يمنعك من النكاح إلا عجز أو فجور”([17]).
6- إنكاره على ابنه:
عن معمر، أخبرني ابن طاوس، قال: قلتُ لأبي: “أريد أن أتزوج فلانة، قال: اذهب فانظر إليها.
قال: فذهبتُ، فلبستُ من صالح ثيابي، وغسلتُ رأسي، وأتيتُ، فلما رآني في تلك الهيئة، قال: اقعد، لا تذهب”([18]).
7- إنكاره على فتية من قريش:
عن هشيم، قال أبو بشر: أخبرنا، عن طاوس، أنه رأى فتية من قريش، وهم يرفلون في مشيتهم فقال: “إنكم لتلبسون لبسة ما كانت آباؤكم تلبسها، وتمشون مشية ما تحسن الرقاص يمشونها”([19]).
8- إنكاره على من قال له: ادع لي:
عن عبد الله بن صالح المكي، قال: دخل علي طاوس يعودني، فقلتُ: يا أبا عبد الرحمن ادعُ الله لي.
فقال: “ادعُ لنفسك؛ فإنه يجيب المضطر إذا دعاه”([20]).
9- إنكاره على رجل خارجي:
عن أيوب، قال: سأل رجل طاوسًا عن شيء، فانتهره، ثم قال: “تريد أن تجعل في عنقي حبلًا ثم يطاف بي”([21]).
وعن الصلت بن راشد، قال: كنتُ جالسًا عند طاوس، فسأله سلم بن قتيبة عن شيء، فانتهره، قال: قلتُ: هذا سلم بن قتيبة صاحب خراسان، قال: “ذلك أهون له علي”([22]).
وعن أيوب: أن رجلًا سأل طاوسًا عن مسألة، فانتهره، فقال: يا أبا عبد الرحمن، إني أخوك، فقال: “أخي من دون المسلمين؟”([23]).
وعن معمر، عن ابن طاوس، قال: جاء رجل من الخوارج إلى أبي، فقال: أنت أخي، فقال: “أخي من بين عباد الله؟ المسلمون كلهم إخوة”([24]).
10- إنكاره على رجل لا يعتني بنظافته:
عن عبد الرزاق، أخبرتني أختي أم الحكم، عن زوجها داود بن إبراهيم: أن طاوسًا رأى رجلًا مسكينًا، في عينيه عمش، وفي ثوبه وسخ، فقال له: “عد، إن الفقر من الله، فأين أنت عن الماء”([25]).
11- موقفه من هدايا الأمراء:
عن عبد الرزاق، قال: سمعت النعمان بن الزبير الصنعاني يحدث، أن محمد بن يوسف أخا الحجاج، أو أيوب بن يحيى، بعث إلى طاوس بسبعمائة دينار، أو خمسمائة، وقيل للرسول: إن أخذها منك، فإن الأمير سيكسوك، ويحسن إليك.
قال: فخرج بها حتى قدم إلى طاوس الجند، فقال: يا أبا عبد الرحمن، نفقة بعث الأمير بها إليك.
قال: مالي بها من حاجة.
فأراده على أخذها، فأبى أن يقبل طاوس، فرمى بها في كوة البيت، ثم ذهب، فقال لهم: قد أخذها، فلبثوا حينًا، ثم بلغهم عن طاوس شيئًا يكرهونه.
فقال: ابعثوا إليه، فليبعث إلينا بما لنا، فجاءه الرسول، فقال: المال الذي بعث به إليك الأمير، قال: ما قبضت منه شيئًا، فرجع الرسول، فأخبرهم، فعرفوا أنه صادق.
فقال: انظروا الذي ذهب بها، فابعثوه إليه، فبعثوه، فجاءه، وقال: المال الذي جئتك به يا أبا عبد الرحمن.
قال: هل قبضت منك شيئًا؟ قال: لا.
قال له: هل تعلم أين وضعته؟
قال: نعم، في تلك الكوة.
قال: انظر حيث وضعته، قال: فمد يده، فإذا هو بالصرة، قد بنت عليها العنكبوت، قال: فأخذها فذهب بها إليهم”([26]).
12- إنكاره على سليمان بن عبد الملك، ووعظه له:
عن مطهر بن الهيثم بن الحجاج الطائي، عن أبيه، قال: حج سليمان بن عبد الملك فخرج حاجبه ذات يوم فقال: إن أمير المؤمنين قال: ابعثوا إلي فقيهًا أسأله عن بعض المناسك.
قال: فمر طاوس، فقالوا: هذا طاوس اليماني، فأخذه الحاجب، فقال: أجب أمير المؤمنين. فقال: اعفني، فأبى.
قال: فأدخله عليه، فقال طاوس: فلما وقفت بين يديه، قلتُ: إن هذا المجلس يسألني الله عنه، فقلت: يا أمير المؤمنين، إن صخرة كانت على شفير جب في جهنم، هوت فيها سبعين خريفًا حتى استقرت قرارها، أتدري لمن أعدها الله؟ قال: لا، ثم قال: ويلك لمن أعدها الله؟
قلت: لمن أشركه الله في حكمه فجار، قال: فبكى لها”([27]).
وعن محمد بن عبد الله الأموي، وكان ثقة رضيًا، حدثني ابن أبي رواد، وكان قد بلغ ثمانين، عن الزهري، قال: نظر سليمان بن عبد الملك إلى رجل يطاف به بالكعبة، له جمال، وتمام، فقال: يا ابن شهاب من هذا؟
قلت: يا أمير المؤمنين، هذا طاوس اليماني، وقد أدرك عدة من الصحابة، فأرسل إليه سليمان فأتاه، فقال: لو ما حدثتنا.
فقال: حدثني أبو موسى الأشعري رضي الله تعالى عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إن أهون الخلق على الله من ولي من أمر المسلمين شيئًا، فلم يعدل فيهم”([28]).
13- إنكاره على معبد الجهني:
عن أبي الزبير أنه كان مع طاوس يطوف بالبيت، فمر معبد الجهني، فقال قائل لطاوس: هذا معبد الجهني، فعدل إليه، فقال: أنت المفتري على الله؟ القائل ما لا يعلم؟
قال: إنه يكذب علي، قال أبو الزبير، فعدل مع طاوس، حتى دخلنا على ابن عباس، فقال طاوس: يا أبا عباس الذين يقولون في القدر؟
قال: “أروني بعضهم، قلنا: صانع ماذا؟ قال: إذا أضع يدي في رأسه فأدق عنقه”([29]).
وفي رواية: عن أبي الزبير، قال: كنتُ أنا وطاوس، في المسجد، فإذا نحن بمعبد الجهني، فقلتُ: هذا معبد الذي يقول في القدر؟
فقال طاوس: أنت المفتري على الله، القائل ما لا تعلم، فقال: يكذب علي، قال: فدخلنا على ابن عباس، فأخبرناه بقولهم، فقال: ويحكم، دلوني على بعضهم، فقلنا: ما أنت صانع به؟ قال: “والذي نفسي بيده لئن أخذت أحدهم لأجعلن يدي في رأسه، ثم لأدقن عنقه”([30]).
14- إنكاره على هشام:
عن بشر بن عبيد -وكان شيخًا قديمًا- قال: كنا مع طاوس في المقام، فسمعنا ضوضاء، فقال طاوس: ما هذا؟
فقال: قوم أخذهم ابن هشام في سبب، فطوقهم، فسمعت طاوسًا يحدث، عن ابن عباس، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “ما من أحد يحدث في هذه الأمة حدثًا لم يكن يموت حتى يصيبه ذلك”.
قال بشر بن عبيد: “فأنا رأيتُ ابن هشام حين عزل، فأتى عمال الوليد بن عبد الملك فطوقوه”([31]).
15- إنكاره على الاختلاف في القدر:
عن الضحاك بن مزاحم أنه اجتمع هو والحسن بن أبي الحسن، ومكحول الشامي، وعمرو بن دينار المكي، وطاوس اليماني، فاجتمعوا في مسجد الخيف، فارتفعت أصواتهم، وكثر لغطهم في القدر، فقال طاوس وكان فيهم مرضيًّا: أنصتوا حتى أخبركم ما سمعت من أبي الدرداء رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إن الله افترض عليكم فرائض فلا تضيعوها، وحد لكم حدودًا فلا تعتدوها، ونهاكم عن أشياء فلا تنتهكوها، وسكت عن أشياء من غير نسيان فلا تكلفوها رحمة من ربكم فاقبلوها”.
نقول ما قال ربنا ونبينا صلى الله عليه وسلم: الأمور بيد الله من عند الله مصدرها وإليه، مرجعها، ليس إلى العباد فيها تفويض، ولا مشيئة، فقاموا وهم راضون بقول طاوس([32]).
16- إنكاره على سليمان بن عبد الملك:
قال طاوس لسليمان بن عبد الملك: هل تدري يا أمير المؤمنين من أشد الناس عذابًا يوم القيامة؟
قال سليمان: قل.
فقال طاوس: أشد الناس عذابًا يوم القيامة رجل أشركه الله في ملكه، فجار في حكمه، فاستلقى سليمان على سريره، وهو يبكي، فما زال يبكي حتى قام عنه جلساؤه([33]).
17- إنكاره على هشام بن عبد الملك أيضًا:
قدم هشام بن عبد الملك حاجًّا أيام خلافته، فقال ائتوني برجل من الصحابة، فقيل: قد تفانوا، قال: فمن التابعين، فأتى بطاوس اليماني، فلما دخل عليه خلع نعله بحاشية بساطه، ولم يسلم عليه بأمرة المؤمنين، بل قال: السلام عليك، ولم يكنه، ولكن جلس بإزائه، وقال: كيف أنت يا هشام؟ فغضب هشام غضبًا شديدًا، وقال: يا طاوس ما الذي حملك على ما صنعت؟ فقال: وما صنعت؟ فزداد غضبه، وقال: خلعت نعلك بحاشية بساطي، ولم تسلم علي بأمره المؤمنين، ولم تكنني، وجلست بإزائي، وقلت: كيف أنت يا هشام؟
فقال طاوس: أما خلع نعلي بحاشية بساطك، فإني أخلعها بين يدي رب العزة كل يوم خمس مرات، فلا يغضب علي لذلك.
وأما قولك: لم تسلم علي بأمرة المؤمنين، فليس كل الناس راضين بأمرتك، فكرهت أن أكذب.
وأما قولك: لم تكنني، فإن الله تعالى سمى أولياءه، فقال: يا داود يا يحيى يا عيسى، وكنى أعداءه، فقال: تبت يدا أبي لهب.
وأما قولك: جلست بإزائي، فإني سمعت أمير المؤمنين علي بن أبي طالب كرم الله وجهه يقول: إذا أردت أن تنظر إلى رجل من أهل النار، فانظر إلى رجل جالس حوله قوم قيام.
فقال هشام عظني.
فقال طاوس: سمعت من أمير المؤمنين علي بن أبي طالب كرم الله وجهه: إن في جهنم حيات كالتلال، وعقارب كالبغال تلدغ كل أمير لا يعدل في رعيته، ثم قام وهرب([34]).
18- إنكاره على الغيبة:
قال طاوس: كنت عند محمد بن يوسف، فأبلغه رجل عن بعض أعدائه كلامًا، فقال رجل من القوم: سبحان الله! فقال طاوس: ما ظننت أن قول سبحان الله معصية لله، حتى كان اليوم. كأنه عنده إنما سبّح ليظهر استعظام الذي كان من الرجل، ليوقع به([35]).
19- إنكاره على من فضَّل الصمت على الكلام بحق:
عن ابن أبي نجيح رضي الله عنه قال: قال لقمان عليه السلام: الصمت حكم، وقليل فاعله، فقال طاوس رضي الله عنه: أي أبا نجيح من قال واتقى الله، خير ممن صمت واتقى الله([36]).
أقواله وآراؤه واجتهاداته الاحتسابية
كان لطاوس بن كيسان رضي الله عنه الكثير من الأقوال والآراء والاجتهادات احتسابية كثيرة، منها:
1- عن سفيان الثوري، قال: كان طاوس يجلس في بيته، فقيل له في ذلك، فقال: “حيف الأئمة، وفساد الناس”([37]).
2- وعن ليث، عن طاوس، قال: “ما من شيء يتكلم به ابن آدم إلا أحصي عليه، حتى أنينه في مرضه”([38]).
4- وعن أبي عبد الله الهاشمي، قال: أتيت طاوسًا، فخرج إلي ابنه شيخ كبير، فقلت: أنت طاوس.
فقال: أنا ابنه، قلت: فإن كنت ابنه، فإن الشيخ قد خرف، فقال: إن العالم لا يخرف.
فدخلت عليه، فقال لي طاوس: “سل وأوجز” قلت: إن أوجزت أوجزت لك.
قال: “تريد أن أجمع لك في مجلسي هذا التوراة والإنجيل والزبور والفرقان؟ قلت: نعم.
قال: “خف الله تعالى مخافة لا يكون عندك شيء أخوف منه، وارجه رجاء هو أشد من خوفك إياه، وأحب للناس ما تحب لنفسك”([39]).
وفي رواية ابن أبي شيبة: وكيع، عن أبيه عن رجل من أهل الشام يكنى أبا عبد الله قال: أتيت طاوسًا، فاستأذنت عليه، فخرج إلي شيخ كبير، ظننت أنه طاوس، قلت: أنت طاوس؟ قال: لا، أنا ابنه، قلت: لئن كنت ابنه فقد خرف أبوك، قال: يقول هو: إن العالم لا يخرف، قال: قلت: استأذن لي على أبيك، قال: فاستأذن لي، فدخلت عليه، فقال الشيخ: سل وأوجز، فقلت: إن أوجزت لي أوجزت لك، فقال: لا تسأل، أنا أعلمك في مجلسك هذا القرآن والتوراة والإنجيل: خف الله مخافة حتى لا يكون أحد أخوف عندك منه، وارجه رجاء هو أشد من خوفك إياه، وأحب للناس ما تحب لنفسك([40]).
5- وعن عباد بن كثير، عن عبد الله بن طاوس، قال: قال لي أبي: “يا بني، صاحب العقلاء تنسب إليهم، وإن لم تكن منهم، ولا تصاحب الجهال، فتنسب إليهم، وإن لم تكن منهم، واعلم أن لكل شيء غاية، وغاية المرء حسن خلقه”([41]).
6- وعن ابن طاوس، عن أبيه، قال: “إقرار ببعض الظلم خير من القيام فيه”([42]).
7- وعن سليمان الأحول، عن طاوس، عن عبد الله بن عمرو بن العاص، رضي الله تعالى عنه قال: رآني النبي صلى الله عليه وسلم وعلي ثوبان معصفران، فقال: “أمك أمرتك بهذا؟” قلت: أغسلهما.
قال: “بل أحرقهما”([43]).
8- وعن سلمة بن وهرام، قال: كنتُ جالسًا عند طاوس، فقال له رجل: إني وجدت في مجلسي رجلًا -أي في فراشه مع زوجته-، فقال طاوس: “إن طابت نفسك أن تمسكها، وقد رأيت ما رأيت، فأنت أعلم”([44]).
9- وقال رجل لطاوس: ما رأيت أحدًا أجرأ على الله من فلان -لعامل ذكره-.
فقال طاوس: لم تر قاتل عثمان؟([45]).
10- وعن موسى بن مسلم، قال: جاء رجل يصلي، وطاوس جالس، فجعل لا يتم الركوع، ولا السجود، فقال بعض القوم: ما لهذا صلاة، فقال طاوس: “مه، يكتب له منها بقدر ما أدى”([46]).
11- عن طاووس قال: سمعت ابن عباس يقول: “إن الرحم يقطع وإن النعم تكفر ولم يُر مثل تقارب القلوب”([47]).
12- وقال طاووس: أتى رجلٌ ابنَ عبَّاسٍ، فقال: ألا أقومُ إلى هذا السُّلطان فآمره وأنهاهُ؟ قالَ: لا تكن لهُ فتنةً، قالَ: أفرأيت إنْ أمرني بمعصيةِ اللهِ؟ قال: ذلك الَّذي تريد، فكنْ حينئذٍ رجلًا([48]).
13- وعن طاوس، قال: “في الإنسان ثلاثمائة وستون سلامة -أو سلامى، شك حسين- على كل سلامى في كل يوم صدقة، فأمرك بالمعروف صدقة، ونهيك عن المنكر صدقة، وردك السلام صدقة، وإماطتك الأذى عن الطريق صدقة، ومحاملتك عن الدابة صدقة” وزاد ابن طاوس: والكلمة الطيبة صدقة([49]).
14- وعن طاوس، عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “من لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر، لم يزدد من الله إلا بعدًا”([50]).
15- عن ابن جريج، أخبرهم قال: أخبرني سليمان الأحول، أن طاوسًا، أخبره عن ابن عباس رضي الله عنهما: أن النبي صلى الله عليه وسلم مر وهو يطوف بالكعبة بإنسان ربط يده إلى إنسان بسير -أو بخيط أو بشيء غير ذلك-، فقطعه النبي صلى الله عليه وسلم بيده، ثم قال: “قده بيده”([51]).
16- وأمر طاوس ابنه بإعادة الصلاة لما لم يستعذ فيها، فإنه يقول بالوجوبِ وبطلانِ الصلاة مِنْ تركها، والجمهور حملوه على الندب([52]).
17- وعن طاوس قال: بال أعرابي في المسجد، فأرادوا أن يضربوه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: “احفروا مكانه، واطرحوا عليه دلوًا من ماء، علِّموا ويسِّروا ولا تعسِّروا”([53]).
([1]) انظر ترجمته في: البداية والنهاية (9/ 235)، وتاريخ الإسلام (7/ 116)، وحلية الأولياء وطبقات الأصفياء (4/ 3)، والأعلام للزركلي (3/ 224)، وغيرها.
([6]) المعرفة والتاريخ (1/ 706)، والمنتظم في تاريخ الملوك والأمم (7/ 115)، وحلية الأولياء وطبقات الأصفياء (4/ 3).
([20]) البداية والنهاية (9/ 267)، وحلية الأولياء وطبقات الأصفياء (4/ 10)، ومرآة الزمان في تواريخ الأعيان (10/ 438)، وسير السلف الصالحين لإسماعيل بن محمد الأصبهاني (ص: 828)، وتهذيب الكمال في أسماء الرجال (13/ 367).