احتساب عبد الله بن عباس رضي الله عنهما
(3 ق هـ – 68 هـ = 619 – 687 م)
اسمه ونشأته:
هو عبد الله بن عباس بن عبد المطلب القرشي الهاشمي، أبو العباس، الصحابي الجليل، حبر الأمة.
ولد بمكة، ونشأ في بدء عصر النبوة، فلازم رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وتعلم منه، وشهد مع علي الجمل وصفين، وكف بصره في آخر عمره، فسكن الطائف، وتوفي بها.
وتُوفي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهو ابن خمس عشرة سنة.
صفته:
قال ابن منده: وكان أبيضَ طويلاً، مشرباً صفرة، جسيماً، وسيماً، صبيحاً، له وفرة، يخضب بالحناء، وقال ابن جريج: قال لنا عطاء: ما رأيتُ القمر ليلة أربع عشرة، إلا ذكرت وجه ابن عباس([1]).
وعن عكرمة، قال: كان ابن عباس إذا مرّ في الطريق، قلن النساء على الحيطان:
أمرّ المسكُ أم مرّ ابن عباسِ؟!
وذلك لطيب رائحته([2]).
علمه ومكانته:
هو من السبعة المكثرين في رواية الحديث، له في الصحيحين وغير هما (1660) حديثاً.
قال ابن مسعود: نعم ترجمان ابن عباس، وقال عمرو بن دينار: ما رأيتُ مجلساً كان أجمع لكل خير من مجلس ابن عباس، الحلال والحرام، والعربية، والأنساب، والشعر، وقال عطاء: كان ناسٌ يأتون ابن عباس في الشعر والأنساب، وناس يأتونه لأيام العرب، ووقائعهم، وناس يأتونه للفقه والعلم، فما منهم صنف إلا يقبل عليهم بما يشاؤون، وكان كثيراً ما يجعل أيامه يوماً للفقه، ويوماً للتأويل، ويوماً للمغازي، ويوماً للشعر، ويوماً لوقائع العرب، وكان عمر إذا أعضلت عليه قضية دعا ابن عباس، وقال له: أنت لها ولأمثالها! ثم يأخذ بقوله، ولا يدعو لذلك أحداً سواه، وكان آية في الحفظ، أنشده ابن أبي ربيعة قصيدته التي مطلعها:
أمن آل نعم أنت غاد فمبكرُ
فحفظها في مرة واحدة، وهي ثمانون بيتاً، وكان إذا سمع النوادب سد أذنيه بأصابعه، مخافة أن يحفظ أقوالهن، ولحسان بن ثابت شعر في وصفه، وذكر فضائله، ويُنسب إليه كتاب تفسير ابن عباس، جمعه بعض أهل العلم من مرويات المفسرين عنه، في كل آية، فجاء تفسيراً حسناً، وأخباره كثيرة([3]).
وعن محمد بن بشير الخثعمي، قال: قال عبد الله بن عمر: ابن عباس أعلم الناس بما أنزل الله -عز وجل- على محمد -صلى الله عليه وسلم-([4]).
وعن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قال: بتُ في بيت خالتي ميمونة، فوضعتُ للنبي -صلى الله عليه وسلم- غسلاً، فقال: ((من وضع هذا؟!)) قالوا: عبد الله، فقال: ((اللهم، علمه التأويل، وفقهه في الدين!))([5]).
وعن عكرمة، عن ابن عباس، قال: رأيتُ جبريل مرتين، ودعا لي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بالحكمة مرتين([6]).
وجاء من غير وجه أنه رأى جبريل عند رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في صورة دحية الكلبي، فروي أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((لن يموت عبد الله حتى يذهب بصره)) فكان كذلك([7]).
وعن عكرمة، عن ابن عباس، قال: لما تُوفي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قلتُ لرجل من الأنصار: هلم نسأل أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فإنهم اليوم كثير، فقال: وا عجباً لك يا ابن عباس! أترى الناس يحتاجون إليك، وفي الناس من أصحاب رسول الله من ترى؟! فترك الرجل، وأقبلتُ على المسألة، فإن كان ليبلغني الحديث عن الرجل، فآتيه وهو قائل، فأتوسد ردائي على بابه، فتسفي الريح على التراب، فيخرج فيراني، فيقول: يا ابن عم رسول الله، ألا أرسلتَ إلي فآتيك؟ فأقول: أنا أحق أن آتيك فأسألك، قال: فعاش الرجل، فرآني وقد اجتمع الناس علي، فقال: هذا الفتى أعقل مني!
وعن سعيد بن جبير قال: كان ناسٌ من المهاجرين قد وجدوا على عمر -رضي الله عنه- في إدنائه ابن عباس دونهم، قال: وكان يسأله، فقال عمر: أما إني سأريكم اليوم منه ما تعرفون فضله به، فسألهم عن هذه السورة {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ} [النصر (1)] فقال بعضهم: أمر الله نبيه إذا رأى الناس يدخلون في دين الله أفواجاً أن يحمده ويستغفره، فقال: تكلم يا ابن عباس! فقال ابن عباس: أعلمه متى يموت، قال: {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ * وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا} [النصر (1-2)] فهي آيتك من الموت {فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ} [النصر (3)].
وعن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قال: كان عمر يأذن لي مع أهل بدر.
وعن طاوس، عن ابن عباس، قال: إن كنتُ لأسأل عن الأمر الواحد ثلاثين من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم-.
وعن الحسن قال: كان ابن عباس من الإسلام بمنزل، وكان من القرآن بمنزل، وكان يقوم على منبرنا هذا، فيقرأ البقرة وآل عمران، فيفسرهما آية آية، وكان عمر إذا ذكره قال: ذاكم فتى الكهول، له لسان سؤول، وقلب عقول.
وقال عكرمة عن ابن عباس، قال: كل القرآن أعلمه إلا الرقيم، وغسلين، وحناناً([8]).
وقال مجاهد: ما رأيتُ أحداً قط مثل ابن عباس، لقد مات يوم مات، وإنه لحبر هذه الأمة، كان يسمى البحر؛ لكثرة علمه.
وعن مسروق قال: كنتُ إذا رأيتُ ابن عباس قلتُ: أجمل الناس، فإذا نطق قلت: أفصح الناس، فإذا تحدث قلت: أعلم الناس.
وقال القاسم بن محمد: ما رأيتُ في مجلس ابن عباس باطلاً قط([9]).
وعن شقيق، قال: خطبنا ابن عباس وهو على الموسم، فافتتح سورة البقرة، فجعل يقرأ ويفسر، فجعلتُ أقول: ما رأيتُ ولا سمعتُ كلام رجل مثله، ولو سمعته فارس والروم لأسلمت([10]).
ومن عظيم فقهه: ما رواه عطية قال: سأل شاب ابن عباس: أيقبل وهو صائم؟ قال: لا، ثم جاء شيخ فقال: أيقبل وهو صائم؟ قال: نعم، قال الشاب: سألتك أقبل وأنا صائم فقلت: لا، وسألك هذا أيقبل وهو صائم فقلت: نعم، فكيف يحل لهذا ما يحرم علي، ونحن على دين واحد؟ فقال له ابن عباس: إن عروق الخصيتين معلقة بالأنف، فإذا شم الأنف يتحرك الذكر، وإذا تحرك الذكر دعا إلى ما هو أكبر من ذاك، والشيخ أملك لإربه، وذاك بعدما ذهب بصر عبد الله، وخلفه امرأة، فقيل: يا ابن عباس، إن خلفك امرأة، قال: “أف لك من جليس قوم”([11]).
وقال ابن الحنفية لما دفن ابن عباس: اليوم مات رباني هذه الأمة.
تواضعه:
عن سعيد بن جبير قال: كنتُ جالساً عند ابن عباس، فأتاه رجل، فسأله، فقال: ما تقول يا سعيد؟ قلتُ: أنت ابن عباس، وجئت أقتبس منك، قال: إذا كان لك جليس فسئل، فإنما هو فهم يؤتيه الله من يشاء([12]).
وعن عبد الله الأسلمي، قال: شتم رجل ابن عباس، فقال له ابن عباس: “إنك تشتمني وفي ثلاث خصال، أو خلال، إني لآتي على الآية من كتاب الله -عز وجل-، فوددتُ أن جميع الناس يعلمون منها ما أعلمه، وإني لأسمع بالحاكم من حكام المسلمين يعدل في حكمه فأفرح به، ولعلي لا أقاضي إليه، وإني لأسمع بالغيث قد أصاب البلد من بلاد المسلمين، فأفرح به، وما لي به من ساعية([13]).
مواقفه الاحتسابية
لقد كان ابن عباس محتسباً عظيماً، بأقواله، وأفعاله، ومروياته، شهدتْ له بذلك مواقفه الاحتسابية الكثيرة التي منها:
1- إنكاره على يصلي ورأسه معقوص من ورائه:
ففي صحيح مسلم عن كريب مولى ابن عباس، عن عبد الله بن عباس، أنه رأى عبد الله بن الحارث، يصلي ورأسه معقوص من ورائه، فقام فجعل يحله، فلما انصرف أقبل إلى ابن عباس، فقال: ما لك ورأسي؟! فقال: إني سمعتُ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((إنما مثل هذا، مثل الذي يصلي وهو مكتوف))([14]).
قال العلماء والحكمة في النهي عنه أن الشعر يسجد معه؛ ولهذا مثله بالذي يصلي وهو مكتوف.
قوله: “فجعل يحله” فيه الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، وأن ذلك لا يؤخر إذا لم يؤخره بن عباس -رضي الله عنهما-، حتى يفرغ من الصلاة، وأن المكروه ينكر كما ينكر المحرم، وأن من رأى منكراً، وأمكنه تغييره بيده غيره بها؛ لحديث أبي سعيد الخدري([15]).
2- إنكاره على صلاة ركعتين بعد العصر:
عن عامر بن مصعب أن طاوساً أخبره أنه سأل ابن عباس عن الركعتين بعد العصر فنهاه عنهما، قال طاوس: قلتُ ما أدعهما -أي أتركهما- فقال ابن عباس: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ} [الأحزاب (36)]([16]).
أي: إنك لستَ مخيراً في فعلهما، أو تركهما؛ لأنك مؤمن، وليس للمؤمن إلا أن ينزل على حكم الله ورسوله، وحكمهما في هاتين الركعتين الترك.
أما تشبث طاوس بصلاتهما فلأن الرسول -صلى الله عليه وسلم- صلاهما، وقد تبين أن ما أداه رسول الله بعد العصر كان نافلة الظهر، وأخرته الضرورة عن أدائهما في وقتهما.
3- إنكاره على من يمحو لوحاً برجله:
عن مكحول، عن ابن عباس، أنه رأى رجلاً يمحو لوحاً برجله، فنهاه، وقال ابن عباس: “لا تمحُ القرآن برجلك”.
فلو كان المكتوب حكاية القرآن لما نهاه، أو قال: إن هذا حكاية القرآن، فلا تمحه([17]).
4- إنكاره على من لم يُحسن الدعاء:
عن عكرمة، قال: كنتُ مع ابن عباس في جنازة رجل من الأنصار، فلما دُفن، قام رجل فقال: اللهم رب القرآن، اغفر له، يقول ذلك ثلاث مرات، فقال ابن عباس: اتقِ الله يا عبد الله، مرتين، إن القرآن منه إن القرآن منه([18]).
وعن عكرمة، قال: كنتُ مع ابن عباس -رضي الله عنه- في جنازة، فقام رجل فقال: اللهم رب القرآن، اغفر له، فنهاه ابن عباس، فقال: يا هذا، إنه منه، إنه منه([19]).
5- إنكاره على من لم يحسن ذبح الإبل:
عن أشعث، عن من يذكر عن ابن عباس قال: لما رأى رجلاً ينحر بدنته باركة، قال: قياماً سنة محمد -صلى الله عليه وسلم-([20]).
6- إنكاره على من يتخذ الروح غرضاً:
عن عكرمة، قال: مرّ ابن عباس على أناس قد وضعوا حمامة يرمونها، فقال: نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن يُتخذ الروحُ غرضاً([21]).
7- إنكاره على قاصٍ جاهل:
عن الضحاك بن مزاحم قال: مرّ ابن عباس بقاصٍ، فركله برجله، فقال: تدري الناسخ من المنسوخ؟! قال: وما الناسخ من المنسوخ؟! قال: ما تدري الناسخ من المنسوخ؟! قال: لا، قال: هلكتَ وأهلكتَ([22]).
8- إنكاره على من يسُب علياً:
عن علي بن حماد عن المنقري، عمن حدثه عن ابن عباس، قال: مرّ ابن عباس بعدما حجب بصره، بمجلس من مجالس قريش، وهم يسبون علياً، فقال لقائده: ما سمعتَ هؤلاء يقولون؟ قال: سبوا علياً، قال: فردني إليهم، فرده، فقال: أيكم الساب الله؟ قالوا: سبحان الله! من سب الله فقد أشرك! قال: فأيكم الساب لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-؟ قالوا: سبحان الله، من سب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقد كفر، قال: فأيكم الساب لعلي؟ قالوا: أما هذا فقد كان، قال: فأنا أشهد بالله، وأشهد لسمعتُ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((من سب علياً فقد سبني، ومن سبني فقد سب الله)) ثم ولّى عنهم، فقال لقائده: ما سمعتهم يقولون؟ قال: ما قالوا شيئاً، قال: فكيف رأيتَ وجوههم حيث قلتُ ما قلتُ؟ قال: نظروا إليك بأعين محمرة، نظر التيوس إلى شفار الجازر، قال: زدني فداك أبوك، قال:
خزر الحواجب ناكسو أذقانهم *** نظر الذليل إلى العزيز القاهرِ
قال: زدني فداك أبوك، قال: ما عندي غيرهما، قال: لكن عندي:
أحياؤهم خزي على أمواتهم *** والميتون فضيحة للغابرِ([23]).
9- إنكاره على إحراق المرتدين بالنار:
قال عكرمة: حرق علي ناساً ارتدوا، فبلغ ذلك ابن عباس، فقال: لو كنتُ أنا لم أكن أحرقهم بالنار؛ إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((لا تعذبوا بعذاب الله))([24]) ولقتلتهم؛ لقوله -عليه الصلاة والسلام-: ((من بدل دينه فاقتلوه))([25])، فبلغ ذلك علياً، فقال: ويح ابن أم الفضل، إنه لغواص على الهنات([26]).
10- إنكاره على اللهو واللعب:
عن ابن طاوس، عن أبيه، قال: مرّ ابن عباس وقد ذهب بصره، بقوم يرفعون حجراً، فقال: ما شأنهم؟ فقيل له: يرفعون حجراً، ينظرون أيهم أقوى! فقال ابن عباس: عمال الله أقوى من هؤلاء!([27]).
11- إنكاره على بعض المنكرات:
عن شعبة مولى ابن عباس، قال: دخل المسور بن مخرمة على ابن عباس، وهو مريض، وعليه ثوب إستبرق، وبين يديه كانون عليه تصاوير، فقال المسور: ما هذا يا ابن عباس؟! قال ابن عباس: ما علمتُ به، وما أرى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- نهى عن هذا إلا للتكبر والتجبر، ولسنا بحمد الله كذلك.
فلما خرج المسور أمر ابن عباس بالثوب فنُزع عنه، وقال: اقطعوا رؤوس هذه التصاوير([28]).
وعند أحمد: عن شعبة، قال: دخل المسور بن مخرمة على ابن عباس يعوده في مرض مرضه، فرأى عليه ثوب إستبرق، وبين يديه كانون عليه تماثيل، فقال له: يا أبا عباس، ما هذا الثوب الذي عليك؟ قال: وما هو؟ قال: إستبرق، قال: والله ما علمتُ به، وما أظن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- نهى عنه إلا للتجبر، والتكبر، ولسنا بحمد الله كذلك، قال: فما هذا الكانون الذي عليه الصور؟ قال ابن عباس: ألا ترى كيف أحرقناها بالنار؟([29]).
12- إنكاره على مَن لم يُحسن الشرب من زمزم:
عن ابن أبي مليكة، عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: إنه رأى رجلاً يشرب من ماء زمزم، فقال: هل تدري كيف تشرب من ماء زمزم؟! قال: وكيف أشرب من ماء زمزم يا أبا عباس؟!
فقال: إذا أردتَ أن تشرب من ماء زمزم، فانزع دلواً منها، ثم استقبل القبلة، وقل: بسم الله، وتنفس ثلاثاً، حتى تضلع، وقل: اللهم إني أسألك علماً نافعاً، ورزقاً واسعاً، وشفاء من كل داء([30]).
13- إنكاره على النبيذ:
عن أبي جمرة قال: كنتُ أقعد مع ابن عباس، فكان يجلسني معه على سريره، فقال لي: أقم عندي حتى أجعل لك سهماً من مالي، قال: فأقمتُ معه شهرين، فقالت لي امرأة: سله لي عن نبيذ الجر، قال: وكانت عليّ يمين أن لا أسأله عن نبيذ الجر، فسألوه عن ذلك، فنهاهم عنه، فقلتُ: يا أبا العباس، إني أنتبذ في جرة لي خضراء، فأشرب نبيذاً حلواً، يتقرقر منه بطني، قال: لا تشربه، وإن كان أحلى من العسل، قال: فقلتُ: إن وفد عبد القيس يشربون نبيذاً شديداً؟ قال: اكسره بالماء إذا أحسست شدته([31]).
14- إنكاره على من يلعن غلامه:
عن أبي هند، عن عامر، أن عامراً صحب ابن عباس -رضي الله عنهما- في سفينة إلى واسط، فجعل يلعن غلامه، فنهاه عن ذلك فقال: إني أراك كثير اللعن لغلمانك، أو خدمك، فقال عامر: كل مملوك أو مملوكة لعنته قط فهو حر لوجه الله([32]).
15- إنكاره على إعمار أرض الجزية:
عن حبيب بن أبي ثابت، قال سمعتُ ابن عباس، وأتاه رجل، فقال: آخذ الأرض، فأتقبلها أرض جزية فأعمرها، وأؤدي خراجها؟ فنهاه، ثم جاءه آخر فنهاه، ثم جاءه آخر فنهاه، ثم قال: لا تعمد إلى ما ولى الله هذا الكافر فتخلعه من عنقه، وتجعله في عنقك، ثم تلا: {قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ} حتى {وَهُمْ صَاغِرُونَ} [التوبة (29)]([33]).
16- إنكاره على من يستلم كل أركان البيت:
قال محمد بن بكر: أخبرنا ابن جريج، أخبرني عمرو بن دينار، عن أبي الشعثاء أنه قال: ومن يتقي شيئاً من البيت؟ وكان معاوية يستلم الأركان، فقال له ابن عباس -رضي الله عنهما-: إنه لا يستلم هذان الركنان، فقال: ليس شيء من البيت مهجوراً، وكان ابن الزبير -رضي الله عنهما- يستلمهن كلهن([34]).
وعند أحمد: عن مجاهد، عن ابن عباس، أنه طاف مع معاوية بالبيت، فجعل معاوية يستلم الأركان كلها، فقال له ابن عباس: لم تستلم هذين الركنين ولم يكن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يستلمهما؟ فقال معاوية: ليس شيء من البيت مهجوراً، فقال ابن عباس: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} [الأحزاب (21)] فقال معاوية: صدقت([35]).
17- إنكاره على التصوير:
عن سعيد بن أبي الحسن، قال: كنتُ عند ابن عباس -رضي الله عنهما-، إذ أتاه رجل فقال: يا أبا عباس، إني إنسان إنما معيشتي من صنعة يدي، وإني أصنع هذه التصاوير، فقال ابن عباس: لا أحدثك إلا ما سمعتُ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: سمعته يقول: ((من صور صورة، فإن الله معذبه حتى ينفخ فيها الروح، وليس بنافخ فيها أبداً)) فربا الرجل ربوة شديدة، واصفر وجهه، فقال: ويحك، إن أبيت إلا أن تصنع، فعليك بهذا الشجر، كل شيء ليس فيه روح([36]).
18- إنكاره على رجل الظلم:
عن ابن طاوس، عن أبيه، قال: جاء بحير بن ريسان إلى ابن عباس، يستعين به على ابن الزبير -وكان عاملاً له- فقال له ابن عباس: أنت امرؤ ظلوم، لا يحل لأحد أن يشفع لك، ولا يدفع عنك([37]).
19- إنكاره على أبي هريرة:
عن عثمان، مولى ثقيف، عن أبي زياد، قال: شهدتُ ابن عباس، وأبا هريرة، وهم ينتظرون جدياً لهم في التنور، فقال ابن عباس: أخرجوه لنا، لا يفتنا في الصلاة، فأخرجوه، فأكلوا منه، ثم إن أبا هريرة توضأ، فقال له ابن عباس: أأكلنا رجساً؟
قال: فقال أبو هريرة: أنت خير مني وأعلم، ثم صلوا([38]).
20- إنكاره على رجل من بني تميم:
عن عبد الله بن شقيق العقيلي، قال: خطبنا ابن عباس بالبصرة، فلم يزل يخطب، حتى غربت الشمس، وبدت النجوم، فعلق رجل من بني تميم، يقول: الصلاة الصلاة، فقال له ابن عباس: لا أم لك، أنت تعلمني السنة؟!
فقد جمع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بين الصلاتين، يعني: المغرب والعشاء.
قال ابن شقيق: فلم يزل في نفسي من ذلك شيء حتى لقيتُ أبا هريرة، فسألته، فصدقه([39]).
21- إنكاره على أحد الناس:
عن طاوس، قال: كنا مع ابن عباس، فأبترك رجل من الأمراء، يقال له: الهزهاز، فتطاول، حتى ما رأيتُ في البيت أطول منه، فقال له ابن عباس: يا هزهاز، لا تكن فتنة للقوم الظالمين، فتقاصر، حتى ما رأيتُ في البيت أحداً أقصر منه([40]).
وفي مصنف ابن أبي شيبة: عن طاوس قال: ذكرتُ الأمراء عند ابن عباس، فانبرى فيهم رجل، فتطاول، حتى ما رئي في البيت أطول منه, فسمعتُ ابن عباس يقول: “يا هزهان, لا تجعل نفسك فتنة للظالمين, فتقاصر، حتى ما رأيتُ في القوم أقصر منه([41]).
22- إنكاره على مولاه:
عن شعبة، قال: وجاء رجل إلى ابن عباس، فقال: إن مولاك إذا سجد، وضع جبهته وذراعيه وصدره بالأرض، فقال له ابن عباس: ما يحملك على ما تصنع؟ قال: التواضع، قال: هكذا ربضة الكلب، رأيتُ النبي -صلى الله عليه وسلم- إذا سجد، رئي بياض إبطيه([42]).
وعن شعبة، قال: رأى ابن عباس رجلاً ساجداً، قد ابتسط ذراعيه، فقال ابن عباس: هكذا يربض الكلب، رأيتُ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا سجد، رأيتُ بياض إبطيه([43]).
23- إنكاره على من يتلاعب بالطلاق:
مالك؛ أنه بلغه أن رجلاً قال لعبد الله بن عباس: إني طلقتُ امرأتي مائة تطليقة، فماذا ترى علي؟ فقال له ابن عباس: طلقتْ منك لثلاث، وسبع وتسعون اتخذتَ آيات الله هزواً([44]).
وعن سعيد بن جبير قال: جاء ابن عباس رجل، فقال: طلقتُ امرأتي ألفاً، فقال ابن عباس: ثلاث تحرمها عليك، وبقيتها عليك وزراً، اتخذتَ آيات الله هزواً([45]).
24- إنكاره على من زهد في الخير:
عن ابن طاوس، عن أبيه، قال: رأى ابن عباس رجلاً انصرف حين صلى على الجنازة، فقال له ابن عباس: انصرف هذا بقيراط من الأجر([46]).
25- إنكاره على الجدل:
عن وهب بن منبه قال: كان ابن عباس جالساً في المسجد الحرام، ومعه وهب بن منبه، فنهض ابن عباس يتهادى على عطاء بن أبي رباح، وعكرمة، فلما دنا من باب المسجد، إذا هو بقوم يتجادلون، قد علت أصواتهم، فوقف ابن عباس عليهم، وقال لعكرمة: ادعُ لي ابن منبه، فدعاه، فقال له ابن عباس: حدِّثْ هؤلاء حديث الفتى، قال: نعم، قال: لما اشتد الجدال بين أيوب وأصحابه، قال: فتى معهم لأصحاب أيوب في الجدال قولاً شديداً، ثم أقبل على أيوب، فقال: وأنت يا أيوب قد كان في عظمة الله، وجلال الله، وذكر الموت ما يكل لسانك، ويكسر قلبك، ويقطع حجتك، ألم تعلم يا أيوب أن عباداً أسكتتهم خشية لله عن الكلام من غير عي، ولا بكم، وإنهم لهم الفصحاء الطلقاء الألباء العالمون بالله وبآياته، لكنهم إذا ذكروا عظمة الله انقطعت ألسنتهم، وانكسرت قلوبهم، وطاشت أحلامهم وعقولهم فرقاً من الله، وهيبة له، فإذا استفاقوا من تلك استبقوا إلى الله بالأعمال الزكية والنية الصادقة، يعدون أنفسهم مع الظالمين، وإنهم لأبرار برآء، ومع المقصرين المقطعين، وإنهم لأكياس أتقياء، ولكنهم لا يستكثرون لله الكثير، ولا يرضون له بالقليل، ولا يدلون له بالأعمال، فهم حيث ما ألفيتهم مهتمون مشفقون خائفون وجلون([47]).
26- إنكاره على من يسب امرأته:
عن مجاهد، قال: رأى ابن عباس رجلاً، وهو يسب امرأته، فقال: ما لك؟ قال: إني أمذيتُ، فقال ابن عباس: لا تمسها، وأهرق بذلك([48]).
أي: أهرق دماً، وكان ذلك في الحج.
27- إنكاره على إساءة الأدب:
عن شعبة، عن عبيد الله بن أبي يزيد، قال: رأى ابن عباس غلماناً ينزو بعضهم على بعض, قال: هكذا يخرج يأجوج ومأجوج([49]).
28- إنكاره على من يجالس أهل البدع:
عن مجاهد، قال: قلتُ لابن عباس: إني أردتُ أن آتيك برجل يتكلم في القدر، فقال: لو أتيتني به لأسبتُ له وجهه، ولأوجعتُ رأسه، لا تجالسهم، ولا تكلمهم([50]).
29- إنكاره على من يرغب عن السنة:
عن قتادة قال: جاء رجل إلى ابن عباس، فقال: إني صليتُ مع فلان، فكبر اثنتين وعشرين تكبيرة، وكأنه يريد بذلك عيبه، فقال ابن عباس: ويحك، تلك سنة أبي القاسم([51]).
30- إنكاره على من يسيء في الصلاة:
عن أبي العالية قال: سمع ابن عباس رجلاً حين جلس في الصلاة يقول: الحمد لله، قبل التشهد، فانتهره، يقول: ابتدئ بالتشهد([52]).
31- إنكاره على تحلية المصحف:
عن عكرمة، عن ابن عباس أنه رأى مصحفاً يُحلى، فقال: تغرون به السراق، زِينتُه في جوفه([53]).
مروياته وأقواله الاحتسابية
1- وسئل ابن عباس -رضي الله عنهما- عن أمر السلطان بالمعروف، ونهيه عن المنكر، فقال: إن كنتَ فاعلاً ولا بد، ففيما بينك وبينه([54]).
2- عن سعيد بن جبير، قال: سألتُ ابن عباس، قلتُ: أميري آمره بالمعروف، وأنهاه عن المنكر؟ قال: إن خشيتَ أن يقتلك، فلا([55]).
3- عن سعيد بن جبير قال: قلتُ لابن عباس: آمر أميري بالمعروف، وأنهى عن المنكر فقال: “إن خفتَ أن يقتلك، فلا تعنف السلطان، فإن كنتَ لا بد فاعلا، ففي ما بينك وبينه([56]).
4- عن سعيد بن جبير، قال: قلتُ لابن عباس: آمر السلطان بالمعروف، وأنهاه عن المنكر؟ قال: إن خفتَ أن يقتلك فلا، قال: ثم عدتُ، فقال لي مثل ذلك، ثم عدتُ، فقال لي مثل ذلك، وقال: إن كنتَ لا بد فاعلاً، ففيما بينك وبينه([57]).
5- وعن طاوس: أتى رجل ابن عباس، فقال: ألا أقوم إلى هذا السلطان فآمره وأنهاه؟ قال: لا تكن له فتنة، قال: أفرأيتَ إن أمرني بمعصية الله؟ قال: ذلك الذي تريد، فكن حينئذٍ رجلاً([58]).
6- عن عكرمة عن بن عباس رفعه إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((ليس منا من لم يوقر الكبير، ويرحم الصغير، ويأمر بالمعروف، وينه عن المنكر”([59]).
7- عن عكرمة، قال: دخلتُ على ابن عباس، وقد نشر مصحفه وهو ينظر فيه ويبكي، قلتُ: ما يبكيك يا أبا العباس؟ قال: آي في هذا المصحف، قلتُ: وما هي؟ قال: قوم أمروا ونهوا فنجوا، وقوم لم يأمروا ولم ينهوا، فهلكوا، فيمن هلك في أهل المعاصي، يقول الله -عز وجل-: {وَاسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ} [الأعراف (163)] الآية؛ وذلك أن أهل أيلة -وهي قرية على شاطئ البحر-، وكان الله أمر بني إسرائيل أن يتفرغوا ليوم الجمعة، فقالوا: بل نتفرغ ليوم السبت؛ لأن الله تعالى فرغ من الخلق يوم السبت، فأصبحت الأشياء مستوية قائمة، فشدد الله عليهم في السبت، فنهاهم عن الصيد يوم السبت، فإذا كان يوم السبت كانت تجيئهم الحيتان إلى مشارعهم شجاجاً سماناً، تتقلب من ظهورها إلى بطونها آمنة، لا تخاف شيئاً؛ وذلك قوله تعالى: {إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعًا} [الأعراف (163)] يعني: إلى مشارعهم، فإذا كان عشية يوم السبت ليلة الأحد، ذهبت عنهم الحيتان إلى مثلها من السبت، فأصاب القوم جهد شديد، وكانت متجرهم وكسبهم، فانطلقت أمة من إماء القوم، فاصطادت سمكة في يوم السبت، ثم جعلتها في جرتها، فأكلتها يوم الأحد فلم تضرها، وذلك أن داود -عليه السلام- كان تقدم إليهم في ذلك -وهو الذي لعن من اعتدى في يوم السبت-، فقالت الأمة لمواليها: اصطدت يوم السبت، وأكلت يوم الأحد، فلم يضرني، فصاد مواليها يوم السبت، وانتفعوا بها يوم الأحد، وباعوها، حتى كثرت أموالهم، ففطن الناس، واجتمعوا على أن يصيدوا يوم السبت، فقال قوم: لا ندعكم تصيدون يوم السبت، فجاء قوم فداهنوا، فقالوا: {لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا} [الأعراف (164)] الآية، قال الذين أمروا ونهوا: {مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ} [الأعراف (164)] يعني: ينتهون عن الصيد، فلما نهوهم ردوا عليهم، فقالوا: إنما نهانا الله عن أكلها يوم السبت، ولم ينهنا عن صيدها، قال: فواقعوا الصيد يوم السبت، قال: فخرج الذين أمروا ونهوا عن مدينتهم، فلما أمسوا بعث الله جبريل -عليه السلام-، فصاح بهم صيحة، فإذا هم قردة خاسئون، قال: فلما أصبحوا لم يخرج إليهم أحد من المدينة قال: فبعثوا رجلاً فاطلع عليهم فلم ير في المدينة أحداً، فنزل فيها فدخل الدور، فلم ير في الدور أحداً، فدخل البيوت فإذا هم قردة قيام في زوايا البيوت، فجاء ففتح الباب فنادى: يا عجباً قردة لها أذناب تتعاوى، قال: فدخلوا إليهم فكانت القردة تعرف أنسابها من الإنس، والإنس لا تعرف أنسابها من القردة؛ وذلك قوله تعالى: {فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ} [الأنعام (44)] يعني: فلما تركوا ما وعظوا به، وخوفوا بعذاب الله أخذناهم {بِعَذَابٍ بَئِيسٍ} [الأعراف (165)] أي: شديد {فَلَمَّا عَتَوْا عَنْ مَا نُهُوا عَنْهُ} [الأعراف (166)] يعني: لما تمادوا واجترءوا عما نهوا عنه {قُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ} [الأعراف (166)] أي صاغرين {فَجَعَلْنَاهَا نَكَالًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهَا وَمَا خَلْفَهَا} [البقرة (66)] من الأمم أي: أمة محمد صلى الله عليه وسلم، وما خلفها من أهل زمانهم {وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ} [البقرة (66)] من الشرك، يعني أمة محمد -صلى الله عليه وسلم-، قال: فأماتهم الله، قال ابن عباس: إذا كان يوم القيامة بعثهم الله في صورة الإنس، فيدخل النار الذين اعتدوا في السبت، ويحاسب الذين لم يأمروا ولم ينهوا بأعمالهم، وكان المسخ عقوبة في الدنيا، حين تركوا الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، قال إسحاق: وأخبرني عثمان بن الأسود، عن عكرمة قال: قال ابن عباس: ليت شعري ما فعل المداهنون، قال عكرمة: فقلت له {فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ} [الأعراف (165)] قال ابن عباس: هلك والله القوم، قال: فكساني ابن عباس ثوبين([60]).
8- وقال بن عباس يا معشر الموالي! إنكم قد وليتم أمرين بهما هلك الناس قبلكم هذا المكيال وهذا الميزان([61]).
9- عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((ما ترك قوم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إلا لم ترفع أعمالهم، ولم يسمع دعاؤهم))([62]).
10- عن عطاء الخراساني، عن ابن عباس، عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، قال: ((يأتي على الناس زمان يذوب فيه قلب المؤمن، كما يذوب الملح في الماء)) قيل: مم ذاك؟ قال: ((مما يرى من المنكر لا يستطيع أن يغيره))([63]).
11- عن ابن عباس، أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، قال: ((على كل ميسم من الإنسان صلاة)) فقال رجل من القوم: هذا شديد، ومن يطيق هذا؟! قال: ((أمر بالمعروف ونهي عن المنكر صلاة، وإن حملاً على الضعيف صلاة، وإن كل خطوة يخطوها أحدكم إلى الصلاة صلاة))([64]).
12- عن عكرمة، عن ابن عباس أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((على كل منسم من الإنسان صلاة)) فقال رجل من القوم: هذا شديد، ومن يطيق هذا؟ قال: ((أمر بالمعروف ونهي عن المنكر صلاة، وإن حملاً عن الضعيف صلاة، وإن كل خطوة يخطوها أحدكم إلى صلاة صلاة)) ([65]).
13- عن مجاهد، عن ابن عباس، قال: قال أصحاب النبي -صلى الله عليه وآله وسلم-: ما حالنا إذا تركنا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وهما أفضل الأعمال؟ قال: ((ينزل بكم ما نزل ببني إسرائيل)) قالوا: يا رسول الله، وما نزل ببني إسرائيل؟ قال: ((تفشو الفواحش في شراركم، وتكون المداهنة في خياركم، ويكون العلم في رذالكم، وتكون الإمرة في صبيانكم))([66]).
14- عن الضحاك، عن ابن عباس، قال: جاء رجل فقال: يا ابن عباس، إني أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر، قال: أو بلغتَ؟ قال: أرجو، قال: فإن لم تخشَ أن تفتضح بثلاثة أحرف في كتاب الله -عز وجل- فافعل، قال: وما هن؟ قال: قوله -عز وجل-: {أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ} [البقرة (44)] أحكمت هذه الآية؟ قال: لا، قال: فالحرف الثاني؟ قال: قوله -عز وجل-: {لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ * كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ} [الصف (2-3)] أحكمت هذه الآية؟ قال: لا، قال: فالحرف الثالث؟ قال: قول العبد الصالح شعيب -عليه السلام-: {وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ} [هود (88)] أحكمت هذه الآية؟ قال: لا، قال: فابدأ بنفسك([67]).
15- عن علي بن أبي طلحة, عن ابن عباس في قوله: {وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ} [النساء (59)] يعني: أهل الفقه والدين, وأهل طاعة الله الذين يعلمون الناس معاني دينهم, ويأمرونهم بالمعروف، وينهونهم عن المنكر, فأوجب الله سبحانه طاعتهم على عباده([68]).
16- عن عكرمة، عن ابن عباس، قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((لا يقف أحدكم على رجل يظلم ظلماً؛ فإن اللعنة تنزل من السماء على من يحضره إذا لم يرفعه عنه، ولا يقف أحدكم على رجل يقتل ظلماً؛ فإن اللعنة تنزل من الله على من يحضره إذا لم يرفع عنه))([69]).
فرحم الله ابن عباس ذلك البحر المحتسب، الذي كان ذا همة عالية في الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر طول حياته، حتى لما كفّ بصره، كان إذا سمع منكراً، أو ظن وقوع منكر، قال لمولاه: ماذا قالوا؟ وماذا فعلوا؟ ارجع إليهم، فيرجع فيأمرهم وينهاهم.
فهذا جزءٌ من حسبته، كُتبتْ على عجل، وهو يحتاج إلى أن تُفرد سيرته الاحتسابية بالتفصيل، للوقوف على دروسها وعبرها!
([2]) سير أعلام النبلاء ط الرسالة (3/337) وتاريخ الإسلام ت بشار (2/ 659) ومعجم حفاظ القرآن عبر التاريخ (1/379).
([3]) انظر: ترجمته في الإصابة في تمييز الصحابة (4/ 121) وسير أعلام النبلاء ط الرسالة (3/ 331) والبداية والنهاية ط إحياء التراث (8/ 325) والأعلام للزركلي (4/95).
([16]) المستدرك على الصحيحين للحاكم (1/ 192- 373) ومسند الشافعي (ترتيب السندي) (1/55-166) ومصنف عبد الرزاق الصنعاني (2/433-3975) والسنن المأثورة للشافعي (ص: 336-393) وأخبار مكة للفاكهي (1/ 264-521) وشرح معاني الآثار (1/ 305-1836) ومعرفة السنن والآثار (1/ 129-113).
([50]) القدر للفريابي (ص: 207-269) والشريعة للآجري (2/ 874-455) والآداب الشرعية والمنح المرعية (1/ 231).
([59]) سنن الترمذي ت شاكر (4/ 322-1921) مسند أحمد ط الرسالة (4/ 170-2329) وصحيح ابن حبان (2/ 211-464) وضعفه الألباني في ضعيف الترغيب والترهيب (2/ 47-1367).
([63]) الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لابن أبي الدنيا (ص: 69-26) والعقوبات لابن أبي الدنيا (ص: 47-46).