احتساب عبد الله بن مسعود رضي الله عنه
(000 – 32 هـ = 000 – 653 م)
اسمه:
هو عبد الله بن مسعود بن غافل بن حبيب الهذلي، أبو عبد الرحمن.
مكانته وفضله:
هو صحابي جليل، من أكابرهم فضلاً وعقلاً، وقرباً من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهو من أهل مكة، ومن السابقين إلى الإسلام، وأول من جهر بقراءة القرآن بمكة، وكان خادم رسول الله الأمين، وصاحب سره، ورفيقه في حله وترحاله وغزواته، يدخل عليه كل وقت، ويمشي معه، نظر إليه عمر يوماً، وقال: وعاء ملئ علماً، وولي بعد وفاة النبي -صلى الله عليه وسلم- بيت مال الكوفة، ثم قدم المدينة في خلافة عثمان، فتوفي فيها عن نحو ستين عاماً، وكان قصيراً جداً، يكاد الجلوس يوارونه، وكان يحب الإكثار من التطيب، فإذا خرج من بيته عرف جيران الطريق أنه مر، من طيب رائحته، له من الأحاديث (848) حديثاً([1]).
وعن عبد الله بن شداد بن الهاد: أنَّ عبد الله كان صاحب الوساد، والسواد، والسواك، والنعلين([2]).
وعن القاسم بن عبد الرحمن عن أبيه قال: قال عبد الله بن مسعود: “لقد رأيتني سادس ستة ما على ظهر الأرض من مسلم غيرنا([3]).
وقال الذهبي عنه: “ابن مسعود الإمام الرباني -رضي الله عنه-، أبو عبد الرحمن، عبد الله بن أم عبد الهذلي، صاحب رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم-، وخادمه، وأحد السابقين الأولين، ومن كبار البدريين، ومن نبلاء الفقهاء والمقرئين، كان ممن يتحرى في الأداء، ويشدد في الرواية، ويزجر تلامذته عن التهاون في ضبط الألفاظ، أسلم قبل عمر، وحفظ من في رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- سبعين سورة، وتسمع عليه النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- ليلة وهو يدعو، فقال: ((سل تعطه))([4])، وقال: ((من أحب أن يقرأ القرآن غضاً كما أُنزل، فليقرأه على قراءة ابن أم عبد))([5]).
وعن عبد الرحمن بن يزيد قال: أتينا حذيفة، فقلنا له: حدثنا عن أقرب الناس من رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- هدياً ودلاً وسمتاً، فنأخذ عنه، ونسمع منه، قال: هو ابن مسعود، ولقد علم المحفوظون من أصحاب محمد -صلى الله عليه وآله وسلم- أن ابن أم عبد من أقربهم إلى الله زلفى.
وعن حارثة بن مضرب قال: قُرئ علينا كتاب عمر: إني قد بعثتُ إليكم عمار بن ياسر أميراً، وعبد الله بن مسعود معلماً ووزيراً، وهما من النجباء، من أصحاب محمد -صلى الله عليه وآله وسلم- من أهل بدر، فاقتدوا بهما، واسمعوا، وقد آثرتكم بعبد الله بن مسعود على نفسي، وقد نظر عمر مرة إلى ابن مسعود، وقد قام فقال: كنيف -الكنيف تصغير كنف الوعاء- ملئ علماً، وكان ابن مسعود يقل من الرواية للحديث، ويتورع في الألفاظ([6]).
وعن أبي عطية الوادعي قال: جاء رجل إلى ابن مسعود فقال: إنها كانت معي امرأتي، فحصر لبنها في ثديها، فجعلتُ أمصه، ثم أمجه، فأتيتُ أبا موسى فسألته، فقال: حرمت عليك، قال: فقام وقمنا معه، حتى انتهى إلى أبي موسى، فقال: ما أفتيت هذا، فأخبره بالذي أفتاه، فقال ابن مسعود، وأخذ بيد الرجل: “أرضيعاً ترى هذا؟! إنما الرضاع ما أنبت اللحم والدم” فقال أبو موسى: لا تسألوني عن شيء ما كان هذا الحبر بين أظهركم([7]).
وعن عطاء قال: بينا النبي -صلى الله عليه وسلم- يخطب؛ إذ قال: “اجلسوا” فسمعه ابن مسعود، فجلس بباب المسجد، في جوف المسجد، فقال له النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((تعال يا عبد الله))([8]).
وعن أم موسى قالت: سمعتُ علياً يقول: أمر النبي -صلى الله عليه وسلم- ابن مسعود فصعد على شجرة، أمره أن يأتيه منها بشيء، فنظر أصحابه إلى ساق عبد الله بن مسعود حين صعد الشجرة، فضحكوا من حموشة ساقيه، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((ما تضحكون؟ لرجل عبد الله أثقل في الميزان يوم القيامة من أُحد))([9]).
وعن النزال بن سبرة الهلالي قال: قالوا -يعني لعلي-: تحدثنا عن ابن مسعود؟ قال: ذاك امرؤ قرأ القرآن، تعلم حلاله وحرامه، وعمل بما فيه، ونزل عنده، وختم…، في حديث طويل([10]).
سيرته الاحتسابية
لقد كان عبد الله بن مسعود من كبار الصحابة المحتسبين، فله مواقف احتسابية لا تُحصى، نذكر منها:
1- إنكاره على الوليد تأخيره الصلاة:
عن القاسم عن أبيه، أن الوليد بن عقبة أخَّر الصلاة مرة، فقام عبد الله بن مسعود، فثوَّب بالصلاة، فصلى بالناس، فأرسل إليه الوليد: ما حملك على ما صنعت؟ أجاءك من أمير المؤمنين أمر فيما فعلت أم ابتدعت؟! قال: لم يأتني أمر من أمير المؤمنين ولم أبتدع، ولكن أبى الله -عز وجل- علينا ورسوله أن ننتظرك بصلاتنا وأنت في حاجتك!([11]).
2- إنكاره على خباب لبسه خاتماً من ذهب:
عن علقمة قال: كنا جلوساً مع ابن مسعود، فجاء خباب، فقال: يا أبا عبد الرحمن، أيستطيع هؤلاء الشباب أن يقرؤوا كما تقرأ؟ قال: أما إنك لو شئت أمرت بعضهم يقرأ عليك؟ قال: أجل، قال: اقرأ يا علقمة، فقال زيد بن حدير -أخو زياد بن حدير-: أتأمر علقمة أن يقرأ وليس بأقرئنا؟ قال: أما إنك إن شئت أخبرتك بما قال النبي -صلى الله عليه وسلم- في قومك وقومه؟ فقرأت خمسين آية من سورة مريم، فقال عبد الله: كيف ترى؟ قال: قد أحسن، قال عبد الله: ما أقرأ شيئاً إلا وهو يقرؤه، ثم التفت إلى خباب، وعليه خاتم من ذهب، فقال: ألم يأنِ لهذا الخاتم أن يُلقى؟! قال: أما إنك لن تراه عليَّ بعد اليوم، فألقاه([12]).
3- إنكاره على عثمان إتمامه الصلاة بمنى:
قال عبد الرحمن بن يزيد: صلى بنا عثمان بن عفان -رضي الله عنه- بمنى أربع ركعات، فقيل ذلك لعبد الله بن مسعود -رضي الله عنه-، فاسترجع، ثم قال: صليتُ مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بمنى ركعتين، وصليتُ مع أبي بكر الصديق -رضي الله عنه- بمنى ركعتين، وصليتُ مع عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- بمنى ركعتين، فليت حظي من أربع ركعات ركعتان متقبلتان([13]).
وفي رواية: قال: “صليت مع النبي -صلى الله عليه وسلم- ركعتين، ومع أبي بكر ركعتين، ومع عمر ركعتين” زاد عن حفص: “ومع عثمان صدراً من إمارته، ثم أتمها” زاد من ها هنا عن أبي معاوية: “ثم تفرقت بكم الطرق، فلوددتُ أنَّ لي من أربع ركعات ركعتين متقبلتين، قال الأعمش: فحدثني معاوية بن قرة عن أشياخه: أن عبد الله صلى أربعاً، قال: فقيل له: عبتَ على عثمان ثم صليتَ أربعاً! قال: “الخلاف شر”([14]).
وعن قتادة: أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأبا بكر وعمر وعثمان صدراً من خلافته، كانوا يصلون بمكة وبمنى ركعتين، ثم إن عثمان صلاها أربعاً، فبلغ ذلك ابن مسعود، فاسترجع، ثم قام فصلى أربعاً، فقيل له: استرجعتَ ثم صليتَ أربعاً؟ قال: “الخلاف شر”([15]).
4- إنكاره على أبي موسى خلعه نعليه في الصلاة:
عن أبي الأحوص عن ابن مسعود أن أبا موسى أمهم، فخلع نعليه، فقال له عبد الله: “لمَ خلعت نعليك؟ أبالوادي المقدس أنت؟!”([16]).
وفي رواية: أن ابن مسعود أتى أبا موسى في داره، فحضرت الصلاة، فقال أبو موسى لعبد الله: تقدم، فقال عبد الله: أنت أحق، فتقدم أبو موسى، فخلع نعليه، فقال له عبد الله: “أبالوادي المقدس أنت؟!”([17]).
5- إنكاره على إنشاد الضالة في المسجد:
عن ابن سيرين أو غيره قال: سمع ابن مسعود رجلاً ينشد ضالة في المسجد، فأمسكه، وانتهره، وقال: “قد نُهينا عن هذا”([18]).
6- إنكاره على من يسرع بالقرآن:
عن أبي وائل قال: جاء رجل من بني بجيلة، يقال له: نهيك بن سنان، إلى ابن مسعود، فقال: يا أبا عبد الرحمن، كيف تقرأ هذا الحرف أياءً تجده أم ألفاً {من ماء غير ياسن} أو {مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ} [محمد (15)] فقال له عبد الله: “وكل القرآن أحصيت غير هذا؟!” قال: فقال له: إني لأقرأ المفصل في ركعة، قال: “هذاً كهذ الشعر، إن قوماً يقرؤون القرآن، لا يتجاوز تراقيهم، ولكن القرآن إذا وقع في القلب فرسخ نفع، إن أفضل الصلاة الركوع والسجود” قال: وقال عبد الله: “إني لأعرف النظائر التي كان يقرأ بهن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-“([19]).
7- إنكاره على قاصٍ:
عن قيس بن أبي حازم قال: ذُكر لابن مسعود قاص يجلس بالليل، ويقول للناس: قولوا: كذا، قولوا: كذا، فقال: “إذا رأيتموه فأخبروني” فأخبروه، قال: فجاء عبد الله متقنعاً، فقال: “من عرفني فقد عرفني، ومن لم يعرفني فأنا عبد الله بن مسعود، تعلمون أنكم لأهدى من محمد وأصحابه، وإنكم لمتعلقون بذنب ضلالة”([20]).
وعن جعفر قال: أخبرنا عطاء بن السائب قال: لا أعلمه إلا عن أبي البختري قال: بلغ عبد الله بن مسعود أن قوماً يقعدون من المغرب إلى العشاء، يسبحون يقولون: قولوا كذا، قولوا كذا، قال عبد الله: “إن قعدوا فآذنوني بهم، فلما جلسوا آذنوه، فانطلق إذ آذنوه، فدخل، فجلس معهم، وعليه برنس، فأخذوا في تسبيحهم، فحسر عبد الله عن رأسه البرنس، وقال: أنا عبد الله بن مسعود، فسكت القوم، فقال: لقد جئتم ببدعة ظلماء، أو لقد فضلتم أصحاب محمد -صلى الله عليه وسلم- علماً” قال: فقال رجل من بني تميم: ما جئنا ببدعة ظلماء، وما فضلنا أصحاب محمد -صلى الله عليه وسلم- علماً، فقال عمرو بن عتبة بن فرقد: أستغفرُ الله يا ابن مسعود، وأتوبُ إليه قال: فأمرهم أن يتفرقوا، ورأى ابن مسعود حلقتين في مسجد الكوفة، فقال: “أيتكما كانت قبل صاحبتها، فقالت إحداهما: نحن، قال للأخرى: تحولوا إليهم، فجعلها واحدة”([21]).
8- إنكاره على الصلاة قبل العيد في المصلى:
عن ابن سيرين أن ابن مسعود وحذيفة كانا ينهيان الناس -أو قال-: “يجلسان من رأياه يصلي قبل خروج الإمام يوم العيد”([22]).
9- إنكاره على من يسأله من الصدقة، وهو ليس من أهلها:
عن ميناء: أنهم جاءوا ابن مسعود في زمن عثمان، فقالوا: أعطنا أعطياتنا، فقال: “ما عندي لكم عطاء، إنما عطاؤكم من فيئكم، وجزيتكم، والصدقة لأهلها” قال: فلما ترددوا إليه، جاء بالمفاتيح إلى عثمان، فرمى بها، وقال: “إني لست بخازن”([23]).
10- إنكاره على من ينكر على رجل ضرب خيمة في المسجد للاعتكاف:
عن شداد بن الأزمع قال: “اعتكف رجل في المسجد في خيمة له فحصبه الناس” قال: “فأرسلني الرجل إلى عبد الله بن مسعود، فجاء عبد الله، فطرد الناس، وحسَّن ذلك”([24]).
11- إنكاره على من تريد الخروج من بيتها في العدة:
عن علقمة: أن رجلاً طلق امرأته ثلاثاً، فأبت أن تجلس في بيتها، فأتى ابن مسعود، فقال: هي تريد أن تخرج إلى أهلها، فقال: “احبسها، ولا تدعها” قال: إنها تأبى علي، قال: “فقيدها” فقال: إن لها إخوة غليظة رقابهم، قال: “فاستأد([25]) عليهم الأمير”([26]).
12- إنكاره على الجمع بين الأختين من الإماء:
عن قتادة: أن ابن مسعود كان يكره الأمة وأمها، قال قتادة: وراجع رجل ابن مسعود في جمع بين أختين، فقال: قد أحل الله لي ما ملكت يميني، فأغضب ابن مسعود، فقال له: “جَمَلُك مما ملكت يمينك!”([27]).
13- إنكاره على من أتى جارية امرأته:
عن معبد وعبيد ابني حمران بن ذهل، قالا: مر ابن مسعود برجل فقال: إني زنيتُ، فقال: “إذاً نرجمك إن كنتَ أُحصنتَ” فقال: إنما أتى جارية امرأته، فقال عبد الله: “إن كنتَ استكرهتها فأعتقها، وأعطِ امرأتك جارية مكانها” فقال: والله لقد استكرهتها وضربتها، قال: فلم يرجمه، وأمر به فضُرب دون الحد([28]).
14- إنكاره على شارب خمر:
عن أبي ماجد الحنفي: أن ابن مسعود أتاه رجل بابن أخيه، وهو سكران، فقال: إني وجدتُ هذا سكران يا أبا عبد الرحمن، فقال: ترتروه ومزمزوه، واستنكهوه، فترتروه ومزمزوه واستنكهوه، فوجدوا منه ريح شراب، فأمر به عبد الله إلى السجن، ثم أخرجه من الغد، ثم أمر بسوط، فدقت ثمرته حتى آضت له مخفقة -يعني صارت- قال: ثم قال للجلاد: اضرب، وارجع يدك، وأعطِ كل عضو حقه، قال: فضربه عبد الله ضرباً غير مبرح، وأوجعه، قال: قلتُ: يا أبا ماجد ما المبرح؟ قال: ضرب الأمر، قال: فما قوله: ارجع يدك؟ قال: لا يتمتى، قال: -يعني يتمطى ولا يرى إبطه- قال: فأقامه في قباء وسراويل، قال: ثم قال: بئس لعمر الله والي اليتيم هذا، ما أدبت فأحسنت الأدب، ولا سترت الخربة، قال: يا أبا عبد الرحمن إنه لابن أخي، وإني لأجد له من اللوعة -يعني الشفقة- ما أجد لولدي، ولكن لم آله، فقال عبد الله: إن الله عفو يحب العفو، وإنه لا ينبغي لوال أن يؤتى بحد إلا أقامه، ثم أنشأ عبد الله يحدث عن النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: أول رجل قطع من المسلمين رجل من الأنصار -أو في الأنصار- أتي به رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فكأنما أسف في وجه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- رماداً -يعني ذر عليه رماد- فقالوا: يا رسول الله كأن هذا شق عليك؟ فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((وما يمنعني وأنتم أعوان الشيطان على أخيكم، إن الله عفو يحب العفو، وإنه لا ينبغي لوال أن يؤتى بحد إلا أقامه)) ثم قرأ: {وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا} [النور(22)]([29]).
15- إنكاره على رجل (الربا):
عن إبراهيم قال: “أُتي عبد الله بن مسعود برجل سلف في قلاص لأجل، فنهاه”([30]).
وعن طارق بن شهاب قال: أسلم زيد بن خليدة إلى عتريس بن عرقوب في قلاص، كل قلوص بخمسين، فلما حل الأجل جاء يتقاضاه، فأتى ابن مسعود يستنظره له، فنهاه عبد الله عن ذلك، وأمره أن يأخذ رأس ماله”([31]).
16- إنكاره على وزَّان:
عن ماهان عن ابن مسعود قال: مر برجل يزن قد أرجح، فكفأ عبد الله الميزان، وقال: “نعم اللسان، ثم زد بعد ما شئت”([32]).
17- إنكاره على صورة من الربا:
عن ابن سيرين قال: “أمر ابن مسعود رجلاً أن يسلف بني أخيه ذهباً، ثم اقتضى منهم ورقاً، فأمره ابن مسعود برده، ويأخذ منهم ذهباً”([33]).
18- إنكاره على قرض جرَّ نفعاً:
عن ابن سيرين قال: استقرض رجل من رجل خمسمائة دينار، على أن يفقره ظهر فرسه، فقال ابن مسعود: “ما أصبت من ظهر فرسه فهو ربا”([34]).
وفي رواية: قال: جاء رجل إلى ابن مسعود فقال: إن رجلاً رهنني فرساً، فركبتها، قال: “ما أصبت من ظهرها فهو ربا”([35]).
19- إنكاره على رجل يحلف بقوله: “وسورة البقرة”:
عن أبي كنف: أن ابن مسعود مرَّ برجل وهو يقول: وسورة البقرة، يحلف بها، فقال: أتراه مُكفِّراً؟ أما إن عليه بكل آية منها يميناً([36]).
20- إنكاره على رجل يحلف في البيع:
عن الأعمش قال: مرَّ ابن مسعود برجل يبيع سلعته، فضربه بالسوط، فلما أجاز سأل عنه الرجل، فقيل له: هو عبد الله بن مسعود، فقال له: لم ضربتني؟ قال: “لأنك تحلف، والحلف يلقح البيع، ويمحق البركة([37]).
21- إنكاره على من يُحرِّم على نفسه الحلال:
عن مسروق قال: كنا عند ابن مسعود، فأتي بضرع، فتنحى رجل، فقال عبد الله: “ادنُ” فقال: إني حرمت الضرع، قال: فتلا: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ} [المائدة (87)] “كُل، وكفِّر”([38]).
22- إنكاره على شارب خمر ومُكذب بالقرآن:
عن علقمة قال: كان عبد الله بن مسعود بالشام، فقالوا: اقرأ علينا، فقرأ سورة يوسف، فقال رجل من القوم: ما هكذا أُنزلت، فقال عبد الله: ويحك، والله لقد قرأتها على رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فقال لي: “أحسنت” فبينا هو يراجعه، وجد منه ريح خمر، فقال عبد الله: أتشرب الرجس، وتكذب بالقرآن؟! لا أقوم حتى تجلد الحد، فجُلد الحد([39]).
23- إنكاره على قوم ارتدوا:
عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن أبيه، قال: أخذ ابن مسعود قوماً ارتدوا عن الإسلام، من أهل العراق، فكتب فيهم إلى عمر، فكتب إليه: “أن اعرض عليهم دين الحق، وشهادة أن لا إله إلا الله، فإن قبلوها فخل عنهم، وإن لم يقبلوها فاقتلهم، فقبلها بعضهم فتركه، ولم يقبلها بعضهم فقتله”([40]).
24- إنكاره على تحريف القرآن:
عن قيس بن أبي حازم قال: جاء رجل إلى ابن مسعود، فقال: إني مررتُ بمسجد من مساجد بني حنيفة، فسمعتهم يقرؤون شيئاً لم ينزله الله: الطاحنات طحناً، العاجنات عجناً، الخابزات خبزاً، اللاقمات لقماً، قال: فقدم ابن مسعود ابن النواحة أمامهم فقتله، واستكثر البقية، فقال: “لا أجزرهم اليوم الشيطان، سَيِّرُوهم إلى الشام، حتى يرزقهم الله توبة، أو يفنيهم الطاعون”([41]).
25- إنكاره على رجل وجد مع امرأة في لحاف:
عن القاسم بن عبد الرحمن عن أبيه قال: أُتي ابن مسعود برجل وجد مع امرأة في لحاف، فَضَرَبَ كل واحد منهما أربعين سوطاً، وأقامهما للناس، فذهب أهل المرأة وأهل الرجل، فشكوا ذلك إلى عمر بن الخطاب، فقال عمر لابن مسعود: ما يقول هؤلاء؟ قال: قد فعلتُ ذلك، قال: أو رأيت ذلك؟ قال: نعم، قال: نعما ما رأيت، فقالوا: أتيناه نستأديه([42])، فإذا هو يسأله!([43]).
26- إنكاره على من أنكر عليه تأخير صلاة الغداة:
عن عبد الرحمن بن يزيد قال: صلينا مع ابن مسعود صلاة الغداة، فجعلنا نلتفتُ حين انصرفنا، فقال: ما لكم؟! فقلنا: نرى أن الشمس تطلع، فقال: هذا والذي لا إله غيره ميقات هذه الصلاة {أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ} [الإسراء(78)] فهذا دلوك الشمس، وهذا غسق الليل([44]).
27- إنكاره على رجل يسجد ورأسه معقوص:
عن زيد بن وهب قال: مرَّ عبد الله بن مسعود على رجل ساجد، ورأسه معقوص، فحله، فلما انصرف قال له عبد الله: “لا تعقص، فإن شعرك يسجد، وإن لكل شعرة أجراً” قال: إنما عقصته لكي لا يتترب، قال: “أن يتترب خير لك”([45]).
28- إنكاره على أمير مكة:
عن عطاء: أن نافع بن عبد الحارث -وهو أمير مكة- كان إذا سلَّم التفت، فيسلم عن يمينه، ثم يسلم عن شماله، فبلغت ابن مسعود، فقال: أنَّى أخذها ابن عبد الحارث؟! قال ابن جريج: وبلغني أن ابن مسعود قال: أنى أخذها؟! فإني رأيتُ بياض وجه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من كلا الشقين إذا سلَّم”([46]).
29- إنكاره على رجل صافٍ بين قدميه في الصلاة:
عن أبي عبيدة قال: مرَّ ابن مسعود برجل صافٍ بين قدميه، فقال: “أما هذا فقد أخطأ السنة، لو راوح بهما كان أحب إليَّ([47]).
30- إنكاره على زيد بن وهب:
عن زيد بن وهب قال: دخلتُ أنا وابن مسعود المسجد، والإمام راكع، فركعنا، ثم مضينا، حتى استوينا في الصف، فلما فرغ الإمام قمتُ أصلي، فقال: “قد أدركته”([48]).
31- إنكاره على رجل مسبل إزاره، ورجل مسيء في صلاته:
عن قتادة أو غيره عن ابن مسعود أنه رأى رجلين يصليان، أحدهما مسبل إزاره، والآخر لا يتم ركوعه ولا سجوده، فضحك، قالوا: مما تضحك يا أبا عبد الرحمن؟ قال: “عجبتُ لهذين الرجلين، أما المسبل إزاره فلا ينظر الله إليه، وأما الآخر فلا يقبل الله صلاته”([49]).
32- إنكاره على أعرابي يُحرِّف القرآن:
عن قتادة: أن ابن مسعود مرَّ بأهل ماء، وقد أُقيمت الصلاة، فدخل معهم، فأمهم إنسان منهم، فقرأ، وألحق في قراءته: “نحج بيت ربنا، ونقضي الدين” وزاد غير قتادة: “وهن كالقطوات يهوين” فقال ابن مسعود: {مَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي الْمِلَّةِ الْآخِرَةِ إِنْ هَذَا إِلَّا اخْتِلَاقٌ} [ص(7)] قال: “فنكص الأعرابي، وتقدم ابن مسعود، فصلى بهم”([50]).
وفي رواية: قال: فاستأخر الأعرابي، حتى تقدم ابن مسعود، علم أنه أفقه منه، فقال ابن مسعود: “ما رأيتُ أعرابياً أفقه منه”([51]).
33- إنكاره على ارتفاع الإمام عن المأمومين:
عن مجاهد أو غيره -شك أبو بكر- أن ابن مسعود، أو قال: أبا مسعود -أنا أشك- وسليمان، وحذيفة صلى بهم أحدهم، فذهب يصلي على دكان، فجبذه صاحباه، وقالا: “انزل عنه”([52]).
وعن هزيل بن شرحبيل قال: جاءنا ابن مسعود إلى مسجدنا، فأُقيمت الصلاة، فقيل له: تقدم، فقال: “ليؤمكم إمامكم” قيل له: إن الإمام ليس ها هنا، قال: “فليتقدم رجل منكم” فتقدم، فأراد أن يقوم على شبه دكان، فنهاه عبد الله([53]).
34- إنكاره على أخيه السجود على مسواك:
عن علقمة والأسود أن ابن مسعود دخل على عتبة أخيه، وهو يصلي على مسواك، يرفعه إلى وجهه، فأخذه فرمى به، ثم قال: “أومِ إيماء، ولتكن ركعتك أرفع من سجدتك”([54]).
وعن الشعبي قال: دخل ابن مسعود، على أخيه عتبة، وهو مريض، وهو يسجد على سواك، فرمى به، وقال: “أومئ إيماء”([55]).
35- إنكاره على النوم في المسجد:
عن عمرو الشيباني قال: رأيتُ ابن مسعود نعس في المسجد ليلاً، فلا يدع سواداً في المسجد إلا أخرجه، إلا رجلاً يصلي([56]).
36- إنكاره على من يمر بين يديه في الصلاة:
عن عبد الرحمن بن الأسود عن أبيه، قال: كان ابن مسعود إذا مرَّ أحد بين يديه، وهو يصلي التزمه حتى يرده، ويقول: إنه ليقطع نصف صلاة المرء مرور المرء بين يديه([57]).
37- إنكاره على من يزيد في التشهد “باسم الله”:
عن المسيب بن رافع قال: سمع ابن مسعود رجلاً يقول في التشهد: بسم الله، فقال: “إنما يُقال هذا على الطعام!”([58]).
38- إنكاره على سعد بن أبي وقاص:
عن إبراهيم قال: قال عبد الله بن مسعود لسعد بن أبي وقاص: توتر بواحدة؟ قال: أو ليس إنما الوتر واحدة؟ فقال عبد الله: “بلى، ولكن ثلاث أفضل” قال: فإني لا أزيد عليها، قال: فغضب عبد الله، فقال سعد: “أتغضب على أن أوتر بركعة، وأنت تورث ثلاث جدات، أفلا تورث حواء امرأة آدم؟!”([59]).
39- إنكاره على قوم يتكلمون في المسجد بكلام الدنيا:
عن عطاء قال: خرج ابن مسعود على قوم يتحدثون، فنهاهم عن الحديث، وقال: “إنما جئتم للصلاة، إما أن تصلوا، وإما أن تسكتوا”([60]).
وعن مجاهد قال: مرَّ ابن مسعود برجلين يتكلمان بعد طلوع الفجر، فقال: “يا هذان، إما أن تصليا، وإما أن تسكتا”([61]).
40- إنكاره على قومٍ:
عن القاسم بن عبد الرحمن عن أبيه قال: دخل ابن مسعود المسجد قبل صلاة الفجر، فرأى قوماً قد استندوا ظهورهم إلى القبلة، واستقبلوا الناس، فقال: “لا تحولوا بين الملائكة وبين صلاتها، فإنها صلاة الملائكة”([62]).
وعن القاسم بن عبد الرحمن: أن ابن مسعود، دخل المسجد فرأى أناساً قد تساندوا إلى القبلة، قال: فقال لهم عبد الله: “هكذا عن وجوه الملائكة”([63]).
41- إنكاره على نساء:
عن أبي عمرو الشيباني قال: رأيتُ ابن مسعود يحصب النساء، يخرجهن من المسجد يوم الجمعة([64]).
وعن أبي عمرو الشيباني أنه رأى ابن مسعود يخرج النساء من المسجد، ويقول: “اخرجن إلى بيوتكن خير لكن”([65]).
42- إنكاره على ابنه:
عن عامر قال: رأى ابن مسعود على ابنه فصة من الحمى، فقطعها، وقال: “لا رقية إلا من عين أو حمة”([66]).
43- إنكاره اعتقاد خاطئ:
عن سالم بن أبي الجعد عن أبيه، أن ابن مسعود دعا رجلاً إلى طعامه، فقال: إني قد بلت، قال: “إنك لم تبل في يدك!”([67]).
44- إنكاره على رجل لابس خاتم من ذهب:
عن أبي الكنود قال: أصيب عظيم من عظمائهم يوم نهروان، فأصيب عليه خاتم، فلبسته، فرآه علي ابن مسعود، فتناوله فوضعه بين ضرسين من أضراسه فكرهه، ثم رماه إلي، ثم قال: إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: “نهانا عن خاتم الذهب”([68]).
45- إنكاره على بعض الصور:
عن ابن سيرين: أن ابن مسعود استعار دابة، فأُتي بها عليها صفة أرجوان، فنزعها، ثم ركب([69]).
وعن ابن سيرين: أن ابن مسعود: استعار دابة، فأتي بها عليها صفة نمور، فنزعها، ثم ركب([70]).
46- إنكاره على قاصٍ آخر:
عن ابن معقل قال: كان رجل لا يزال يقص، فقال له ابن مسعود: “انشر سلعتك على من يريدها”([71]).
47- إنكاره على من يمشي خلفه دون حاجة:
عن حبيب بن أبي ثابت قال: رأى ابن مسعود ناس، فجعلوا يمشون خلفه، فقال: “ألكم حاجة؟ قالوا: لا، قال: ارجعوا، فإنها ذلة للتابع، فتنة للمتبوع”([72]).
48- إنكاره على امرأة أن تخرج متطيبة:
عن أبي عبيدة عن عبد الله بن مسعود: أنه وجد من امرأته ريح مجمر، وهي بمكة، فأقسم عليها ألا تخرج تلك الليلة([73]).
49- إنكاره على ابنه لبسه قميص حرير:
عن المهاجر بن شماس عن عمه، قال: رأى ابن مسعود ابناً له عليه قميص من حرير، فشقه، وقال: “إنما هذا للنساء”([74]).
50- إنكاره على قوم المداومة على صلاة الضحى في المسجد:
عن مسروق قال: كنا نقعد في المسجد بعد قيام عبد الله بن مسعود، نثبت الناس على القراءة، فإذا أردنا أن نرجع صلينا ركعتين، فبلغ ذلك عبد الله، فقال: “تحملون الناس ما لا يحملهم الله، يرونكم تصلون فيرون ذلك واجباً عليهم، إن كنتم لا بد فاعلين ففي البيوت”([75]).
وعن مسروق، قال: كنا نقرأ في المسجد، فيثبت الناس في القراءة بعد قيام ابن مسعود، ثم نقوم فنصلي للضحى، فبلغ ذلك ابن مسعود، فقال: “عباد الله، لم تحملوا عباد الله ما لم يحملهم الله، إن كنتم لا بد فاعلين ففي بيوتكم”([76]).
51- إنكاره على الأمير:
عن الشعبي عن عمه قيس بن عبد قال: اختلفت إلى عبد الله بن مسعود سنة، فما رأيته مصلياً صلاة الضحى، ولا صائماً يوماً من غير رمضان، قال: فبينا نحن عنده ذات ليلة أتي فقيل له: هذا رسول الوليد، فقال عبد الله: “أطفئوا المصباح” فدخل، فقال له: إن الأمير يقول لك: اترك هؤلاء الكلمات التي تقول، قال: “وما هن؟” قال: هذه الكلمات؟ قال: فلم يزل يرددهن، قال: قولك: كل محدثة بدعة، قال: “إني لن أتركهن” قال: فإنه يقول لك: فاخرج، قال: “فإني خارج” قال: فخرج إلى المدينة([77]).
وعن عيسى بن عاصم أن الوليد بن عقبة أرسل إلى ابن مسعود أن اسكت عن هؤلاء الكلمات: “إن أصدق الحديث كتاب الله، وأحسن الهدي هدي محمد، وشر الأمور محدثاتها” فقال ابن مسعود: “أما دون أن يفرقوا بين هذه وهذه فلا” فقام عتريس بن عرقوب فاشتمل على السيف، ثم أتى عبد الله، فقام عند رأسه، فقال: هلك من لم يأمر بالمعروف، وينه عن المنكر، فقال عبد الله: “لا، ولكن هلك من لم يعرف بقلبه معروفاً، ولم ينكر بقلبه منكراً” فقال عتريس: لو قلتَ غير هذا لمشيتُ إلى هذا الرجل حتى أضربه بالسيف، حتى لا يعملوا لله بالمعصية في أجواف البيوت، فقال له عبد الله: “اذهب فألقِ بسيفك، وتعال، فاقعد في ناحية هذه الحلقة”([78]).
52- إنكاره على بعض الأمور:
عن عبد الأعلى قال: دخلتُ المسجد مع ابن مسعود، فركع، فمر عليه رجل وهو راكع، فسلم عليه، فقال: “صدق الله ورسوله” فلما انصرف، قال: كان يقال: “من أشراط الساعة أن يُسلِّم الرجل على الرجل للمعرفة، وتُتخذ المساجد طرقاً، وأن تغلو النساء الخيل، وأن ترخص فلا تغلو إلى يوم القيامة، وأن يتجرد الرجل والمرأة جميعاً”([79]).
53- إنكاره على من يغتر برؤيا في المنام:
عن حارثة بن مضرب أن رجلاً رأى رؤيا: من صلى الليلة في المسجد دخل الجنة، فخرج عبد الله بن مسعود وهو يقول: “اخرجوا، لا تغتروا، فإنما هي نفخة شيطان”([80]).
54- إنكاره على رجل آخر مسبل إزاره:
وعن أبي وائل أن ابن مسعود -رضي الله عنه- رأى رجلاً قد أسبل، فقال: “ارفع إزارك” فقال: وأنت يا ابن مسعود ارفع إزارك، فقال له عبد الله: “إني لستُ مثلك إن بساقي حموشة -دقة- وأنا أؤم الناس” فبلغ ذلك عمر، فجعل يضرب الرجل، ويقول: “أترد على ابن مسعود؟!”([81]).
55- إنكاره على من يُزكي نفسه:
عن مسروق قال: “قال رجل عند عبد الله: ما أحب أن أكون من أصحاب اليمين، أكون من المقربين أحب إليَّ، قال: فقال عبد الله: لكن هناك رجل ودَّ لو أنه إذا مات لم يبعث -يعني نفسه-([82]).
56- إنكاره على قارئ:
عن أبي المغيرة قال: قرأ رجل عند ابن مسعود، فقال: استعذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم، فقال عبد الله: “جردوا القرآن”([83]).
57- إنكاره على من نذر ألا يتكلم:
عن حارثة بن مضرب قال: كنتُ جالساً عند عبد الله بن مسعود، فجاء رجلان، فسلَّم أحدهما، ولم يُسلِّم الآخر، فقلنا: أو قال: ما بال صاحبك لم يُسلِّم؟! قال: إنه نذر صوماً أن لا يكلم اليوم إنسياً، قال عبد الله: “بئس ما قلتَ: إنما كانت تلك امرأة، قالت ذلك: ليكون لها عذر، وكانوا ينكرون أن يكون ولد من غير زوج ولا زنا، أو إلا زنا، فتكلم، وأمر بالمعروف، وانه عن المنكر خير لك”([84]).
58- إنكاره على من يضحك في جنازة:
عن عبد الرحمن بن حميد الرؤاسي، عن رجل من عبس، أن ابن مسعود رأى رجلاً يضحك في جنازة، فقال: تضحك وأنت في جنازة! والله لا أكلمك أبداً([85]).
وعن أبي بحر العبسي أن ابن مسعود رأى رجلاً يضحك في جنازة، فقال: تضحك في جنازة! لا أكلمك بكلمة أبداً([86]).
59- إنكاره على من يدعي مجيء الساعة:
عن يسير بن جابر، قال: هاجت ريح حمراء بالكوفة، فجاء رجل ليس له هجيرى إلا: يا عبد الله بن مسعود جاءت الساعة، قال: وكان متكئاً، فجلس، فقال: إن الساعة لا تقوم حتى لا يقسم ميراث، ولا يفرح بغنيمة، قال: عدوا يجمعون لأهل الإسلام، ويجمع لهم أهل الإسلام…، فذكر الحديث([87]).
60- إنكاره على قوم ارتدوا:
عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة، أن عبد الله بن مسعود أخذ بالكوفة رجالاً ينعشون([88]) حديث مسيلمة الكذاب، يدعون إليه، فكتب فيهم إلى عثمان بن عفان، فكتب عثمان: أن أعرض عليهم دين الحق، وشهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، فمن قبلها وبرئ من مسيلمة، فلا تقتله، ومن لزم دين مسيلمة فاقتله، فقبلها رجال منهم، فتركوا، ولزم دين مسيلمة رجال، فقتلوا([89]).
وعن الحارثة بن مضرب قال: ذهبت بفرس لي أريد أنزي عليها في بني حنيفة، فأُقيمت الصلاة، فدخلتُ أصلي، فإذا إمامهم يقرأ بسجع مسيلمة الكذاب، فخرجتُ، فأتيتُ ابن مسعود، فأخبرته، فبعث معي ناساً، فأتيناهم للغد، فوجدناه يقرأ بتلك القراءة، فرجعوا إلى ابن مسعود، فاستتاب الرجال والنساء، وقال: إن لم تفعلوا قتلتكم، فتابوا إلا الإمام، فقدمه فضرب عنقه([90]).
61- إنكاره على ابن النواحة:
عن أبي وائل، عن عبد الله بن مسعود، أن مسيلمة بعث رجلين أحدهما: ابن أثال بن حجر، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((أتشهدان أن محمداً رسول الله؟)) قالا: نشهد أن مسيلمة رسول الله، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((آمنت بالله ورسله، لو كنت قاتلاً وفداً قتلتكما)) فبينما ابن مسعود بالكوفة؛ إذ رفع إليه الرجل الذي مع ابن أثال -وهو قريب له- فأمر بقتله، فقال للقوم: وهل تدرون لم قتلتُ هذا؟ قالوا: لا ندري، فقال: إن مسيلمة بعث هذا مع ابن أثال بن حجر، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((أتشهدان أن محمداً رسول الله؟)) قالا: نشهد أن مسيلمة رسول الله، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((آمنت بالله ورسله، لو كنت قاتلاً وفداً قتلتكما)) قال: فلذلك قتلته، قال أبو وائل: وكان الرجل يومئذٍ كافراً([91]).
وفي رواية: عن ابن معيز، قال: خرجت في الفجر أسقي قريبا، فمررت لمسجد من مساجد بني حنيفة وهم يتحدثون عن مسيلمة، ويزعمون أنه نبي، فأتيت ابن مسعود فذكرت ذلك له، فأرسل معي الشرط فأخذوهم، قال: فقالوا: نستغفر الله ونتوب إليه، فخلى سبيلهم إلا ابن النواحة فإنه ضرب عنقه، فقال الناس: أخذهم في ذنب واحد فخلى سبيلهم، وقتل هذا قال: أما إنا معنا حد بكم، سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وجاء هذا وآخر، فقال لهما: “أتشهدان أني رسول الله” فقالا: نشهد أن مسيلمة رسول الله، فقال: “آمنت بالله ورسله” قال: “لو أني قاتل وفدا لقتلتكما”([92]).
وفي الإصابة في ترجمة (عبد الله بن النّواحة):
” كان قد أسلم، ثم ارتدّ فاستتابه عبد اللَّه بن مسعود، فلم يتب، فقتله على كفره وردّته([93]).
62- إنكاره على النوم بعد ركعتي الفجر:
عن عبد الله بن مسعود قال: ما هذا التمرغ بعد ركعتي الفجر كتمرغ الحمار؟! إذا سلم فقد فصل([94]).
63- إنكاره على طريقة مبتدعة في الذكر:
عن عمرو بن سلمة قال: كنا قعوداً عند باب ابن مسعود بين المغرب والعشاء، فأتى أبو موسى، فقال: أخرج إليكم أبو عبد بالرحمن؟ قال: فخرج ابن مسعود، فقال أبو موسى: ما جاء بك هذه الساعة؟ قال: لا والله إلا أني رأيتُ أمراً ذعرني، وإنه لخير، ولقد ذعرني وإنه لخير، قوم جلوس في المسجد، ورجل يقول لهم: سبحوا كذا وكذا، احمدوا كذا وكذا، قال: فانطلق عبد الله، وانطلقنا معه، حتى أتاهم، فقال: “ما أسرع ما ضللتم، وأصحاب محمد -صلى الله عليه وسلم- أحياء، وأزواجه شواب، وثيابه وآنيته لم تغير، أحصوا سيئاتكم، فأنا أضمن على الله أن يحصي حسناتكم([95]).
وقال ابن وضاح: وبلغني أن ابن مسعود مر على رجل وهو يقول لأصحابه: سبحوا كذا، وكبروا كذا، وهللوا كذا، قال ابن مسعود: “على الله تعدون، أو على الله تسمعون، قد كفيتم الإحصاء والعدة([96]).
وعن عطاء بن السائب قال: سمع ابن مسعود بقوم يخرجون إلى البرية معهم قاص، يقول: سبحوا، ثم قال: “أنا عبد الله بن مسعود، ولقد فضلتم أصحاب محمد -صلى الله عليه وسلم- علما، أو لقد جئتم ببدعة ظلماء، وإن تكونوا قد أخذتم بطريقتهم، فقد سبقوا سبقاً بعيداً، وإن تكونوا خالفتموهم فقد ضللتم ضلالاً بعيداً، على ما تعددون أمر الله؟”([97]).
64- إنكاره على الوليد صلاته الصبح أربعاً:
عن ابن شوذب، قال: صلى الوليد بن عقبة بأهل الكوفة صلاة الصبح أربع ركعات، ثم التفت إليهم، فقال: أزيدكم، فقال عبد الله بن مسعود: ما زلنا معك في زيادة منذ اليوم([98]).
وفي تعليق محمد فؤاد عبد الباقي على صحيح مسلم: “فقال أهل الصف الأول: ما زلنا في زيادة منذ وليتنا؟ لا زادك الله من الخير، وحصب الناس الوليد بحصباء المسجد، فشاع ذلك في الكوفة، وجرى من الأحوال ما اضطر سيدنا عثمان إلى استحضاره”([99]).
مروياته وأقواله وآراؤه الاحتسابية
أولاً: مروياته الاحتسابية:
1- عن عبد الرحمن بن عبد الله عن أبيه، قال: كنا مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في سفر، فانطلق لحاجته، فرأينا حمرة، معها فرخان، فأخذنا فرخيها، فجاءت الحمرة، فجعلت تفرش، فجاء النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: ((من فجع هذه بولدها؟ ردوا ولدها إليها)) ورأى قرية نمل قد حرقناها، فقال: ((من حرق هذه؟)) قلنا: نحن، قال: ((إنه لا ينبغي أن يعذب بالنار إلا رب النار))([100]).
2- وعن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إن من كان قبلكم كان إذا عمل العامل فيهم بالخطيئة نهاه الناهي تعذيراً، فإذا كان الغد جالسه وواكله وشاربه، كأنه لم يره على خطيئة بالأمس، فلما رأى الله -عز وجل- ذلك منهم ضرب بقلوب بعضهم على بعض، ثم لعنهم على لسان نبيهم داود، وعيسى ابن مريم؛ ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون، والذي نفس محمد بيده، لتأمرن بالمعروف، ولتنهون عن المنكر، ولتأخذن على يدي السفيه، فلتأطرنه على الحق أطراً، أو ليضربن الله بقلوب بعضكم على بعض، ثم ليلعننكم كما لعنهم))([101]).
3- عن عبد الله بن مسعود أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((ما من نبي بعثه الله في أمة قبلي إلا كان له من أمته حواريون، وأصحاب يأخذون بسنته ويقتدون بأمره، ثم إنها تخلف من بعدهم خلوف يقولون ما لا يفعلون، ويفعلون ما لا يؤمرون، فمن جاهدهم بيده فهو مؤمن، ومن جاهدهم بلسانه فهو مؤمن، ومن جاهدهم بقلبه فهو مؤمن، وليس وراء ذلك من الإيمان حبة خردل))([102]).
4- عن ابن مسعود قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-:((كيف بكم إذا كثرت أمراؤكم، وطغت نساؤكم)) قالوا: إن ذلك لكائن يا رسول الله؟ قال:((نعم، وأشد من ذلك)) قالوا: ما هو يا رسول الله؟ قال:((لا تأمرونهن بمعروف، ولا تنهونهن عن منكر)) قالوا: وإن ذلك لكائن يا رسول الله؟ قال: ((وأكبر من ذلك)) قالوا: وما هو يا رسول الله؟ قال: ((يكون المعروف فيكم منكراً، والمنكر معروفاً))([103]).
5- وعن ابن مسعود قال: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((بئس القوم قوم لا يأمرون بمعروف، ولا ينهون عن منكر))([104]).
6- وعن أبي عبيدة عن ابن مسعود مرفوعاً: ((لما وقعت بنو إسرائيل في المعاصي نهتهم علماؤهم، فلم ينتهوا، فجالسوهم في مجالسهم، وواكلوهم وشاربوهم، فضرب الله قلوب بعضهم ببعض، ولعنهم على لسان داود وعيسى ابن مريم {ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ} [المائدة (78)] كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- متكئاً، فجلس، فقال: لا والذي نفسي بيده حتى تأطروهم على الحق أطراً))([105]).
7- وقال ابن مسعود: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((يأتي على الناس زمان لا يسلم لذي دين دينه، إلا رجل يفر بدينه من قرية إلى قرية، ومن شاهق إلى شاهق، ومن جحر إلى جحر))([106]).
8- وفي النصاب: أن عمر كان يعس مع ابن مسعود -رضي الله تعالى عنهما-، فاطلع من خلل باب، فإذا شيخ بين يديه شراب، ومغنية تغنيه، فتسور عليه، فقال: ما أقبح شيخاً مثلك، فقال الرجل: إن عصيت واحدة، فقد عصيت في ثلاث، تجسست، وقد نهاك الله تعالى، قال: {وَلَا تَجَسَّسُوا} [الحجرات (12)] وتسورت، وقال الله تعالى: {وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِهَا وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَى وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا} [البقرة (189)] ودخلت بغير إذن، وقال: {لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا} [النور (27)] فقال عمر: صدقت، فهل أنت غافر لي؟! فقال: غفر الله لك، فخرج عمر، وهو يبكي، ويقول: ويل لعمر إن لم يغفر الله تعالى له([107]).
9- وعن سماك بن حرب، قال: سمعتُ عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود يحدث عن أبيه قال: سمعتُ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((إنكم منصورون ومصيبون ومفتوح لكم، فمن أدرك ذلك منكم فليتق الله، وليأمر بالمعروف، ولينه عن المنكر، ومن كذب علي متعمداً، فليتبوأ مقعده من النار))([108]).
10- عن أبي عبيدة عن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إن أول ما دخل النقص على بني إسرائيل كان الرجل يلقى الرجل، فيقول: يا هذا، اتق الله ودع ما تصنع، فإنه لا يحل لك، ثم يلقاه من الغد، فلا يمنعه ذلك أن يكون أكيله وشريبه وقعيده، فلما فعلوا ذلك ضرب الله قلوب بعضهم ببعض)) ثم قال: {لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ} [المائدة (78)] إلى قوله: {فَاسِقُون} [المائدة (81)] ثم قال: ((كلا والله لتأمرن بالمعروف، ولتنهون عن المنكر، ولتأخذن على يدي الظالم، ولتأطرنه على الحق أطراً، ولتقصرنه على الحق قصراً))([109]).
11- عن أبي عبيدة عن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إن رجلاً من بني إسرائيل كان إذا رأى أخاه على الذنب نهاه عنه تعذيراً، فإذا كان من الغد لم يمنعه ما رأى منه أن يكون أكيله، وخليطه، وشريبه، فلما رأى الله ذلك منهم ضرب بقلوب بعضهم على بعض، ولعنهم على لسان نبيهم داود وعيسى ابن مريم {ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ} [المائدة (78)] قال: ثم قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((والذي نفسي بيده، لتأمرن بالمعروف، ولتنهون عن المنكر، ولتأخذن على يدي المسيء الظالم، ولتأطرنه على الحق أطراً، أو ليضربن الله قلوب بعضكم على بعض، وليلعننكم كما لعنهم))([110]).
12- عن أبي عبيدة عن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((هل تدرون كيف دخل بني إسرائيل النقص؟)) قالوا: الله -عز وجل- ورسوله أعلم، قال: ((إن الرجل منهم كان يعيب على أخيه الأمر ينكره، فما يمنعه ما يرى منه أن يكون أكيله وشريبه، فضرب الله -عز وجل- قلوب بعضهم ببعض، وأنزل فيهم: {لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيل} [المائدة: 78] أربع آيات متواليات)) قال: وقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((فورب محمد لتأمرن بالمعروف، ولتنهون عن المنكر، ولتأخذن على يدي الظالم، وتأطرنه على الحق أطراً، أو ليضربن الله قلوب بعضكم ببعض))([111]).
13- وعن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم-: ((إن الرجل من بني إسرائيل كان يرى الرجل على المعصية، فينهاه، ثم لا يمنعه ذلك أن يكون أكيله وخليطه، فلما رأى الله ذلك ضرب بقلوب بعضهم على بعض، ولعنهم على لسان نبيهم داود وعيسى ابن مريم، ثم قال رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- وكان متكئاً فجلس: ((والذي نفسي بيده، لتأمرن بالمعروف، ولتنهن عن المنكر، ولتأخذن على يد السفيه، أو يلعنكم كما لعنهم))([112]).
14- وعن أبي عبيدة قال: قال عبد الله بن مسعود: قال رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم-: ((إن بني إسرائيل لما عملوا بالمعاصي، نهاهم قراؤهم، وعلماؤهم عما كانوا يعملون، فعصوهم، فخالطوهم في معاشهم، فضرب الله قلوب بعضهم على بعض، ثم لعنهم على لسان داود، وعيسى ابن مريم، ثم جلس رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- متكئاً، ثم قال: ((كلا والذي نفسي بيده حتى تأطروهم على الحق أطراً))([113]).
15- عن عبد الرحمن بن عتبة عن ابن مسعود قال: ذكر عند رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الصدقة، فقال: ((إن من الصدقة أن تفك الرقبة، وتعتق النسمة)) فقال رجل: يا رسول الله، أليستا واحدة؟ قال: ((لا، عتقها أن تعتقها، وفكاكها أن تعين في ثمنها)) قال: أرأيت إن لم أستطع ذلك؟ قال: ((تطعم جائعاً، وتسقي ظمآناً)) قال: أرأيت إن لم أجد؟ قال: ((تأمر بالمعروف، وتنهى عن المنكر)) قال: أرأيت إن لم أستطع؟ قال: ((تكفُ إذًا شرَّك))([114]).
ثانياً: أقواله الاحتسابية:
1- عن طارق بن شهاب قال: جاء عتريس بن عرقوب الشيباني إلى عبد الله، فقال: هلك من لم يأمر بالمعروف ولم ينه عن المنكر، قال: “بل هلك من لم يعرف قلبه المعروف وينكر قلبه المنكر”([115]).
2- عن عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- أنه قال: بحسب امرئ منكم أنه إذا رأى منكراً لا يستطيع له تغييراً أن يعلم الله من قلبه أنه له كاره([116]).
وعن الربيع بن عميلة سمع ابن مسعود، قال: “إذا رأيت المنكر فلم تستطع له غيراً، فحسبك أن يعلم الله تعالى أنك تنكره بقلبك”([117]).
3- عن الربيع بن عميلة، قال: قال عبد الله: «إنها ستكون هنات وهنات، فبحسب امرئ إذا رأى منكراً لا يستطيع له تغييراً يعلم الله من قلبه أنه له كاره([118]).
4- عن شقيق، قال: قال عبد الله: ” كيف أنتم إذا لبستكم فتنة يهرم فيها الكبير، ويربو فيها الصغير، ويتخذها الناس سنة، فإذا غيرت قالوا: غيرت السنة؟” قالوا: ومتى ذلك يا أبا عبد الرحمن؟ قال: “إذا كثرت قراؤكم، وقلت فقهاؤكم، وكثرت أمراؤكم، وقلت أمناؤكم، والتمست الدنيا بعمل الآخرة”([119]).
5- عن قتادة قال: قال ابن مسعود: ” كيف بكم إذ ألبستكم فتنة يربو فيها الصغير ويهرم فيها الكبير، وتتخذ سنة، فإن غيرت يوماً قلت: هذا المنكر، قالوا: ومتى ذلك يا أبا عبد الرحمن؟ قال: ذاك إذا قلت أمناؤكم، وكثر أمراؤكم، وقلت فقهاؤكم، وكثر قراؤكم، وتفقه لغير الدين، والتمست الدنيا بعمل الآخرة”([120]).
6- وقال ابن مسعود -رضي الله عنه-:”جاهدوا الكفار بأيديكم، فإن لم تستطيعوا إلا أن تكفهروا في وجوههم فافعلوا”([121]).
7- وعن عبد الله بن مسعود قال: “جاهدوا المنافقين بأيديكم، فإن لم تستطيعوا فبألسنتكم، فإن لم تستطيعوا إلا أن تكفهروا في وجوههم فاكفهروا”([122]).
8- وعن ابن مسعود: “إن العبد ليغيب عن المنكر، ويكون عليه مثل وزر صاحبه” قيل: وكيف ذلك؟ قال: “يبلغه، فيرضى به”([123]).
9- عن أبي الأسود عن عبد الله، قال: “يذهب الصالحون أسلافاً، ويبقى أهل الريب، من لا يعرفه معروفاً، ولا ينكر منكراً”([124]).
10- عن عبد الرحمن بن يزيد عن ابن مسعود قال: “يذهب الصالحون، ويبقى أهل الريب” قالوا: يا أبا عبد الرحمن ومن أهل الريب؟ قال: “قوم لا يأمرون بالمعروف، ولا ينهون عن المنكر”([125]).
11- عن إبراهيم، عن ابن مسعود، قال: دخل شاب على عمر، فجعل الشاب يثني عليه، قال: فرآه عمر يجر إزاره، قال: فقال له: “يا ابن أخي، ارفع إزارك، فإنه أتقى لربك، وأنقى لثوبك” قال: فكان عبد الله يقول: يا عجباً لعمر، إن رأى حق الله عليه فلم يمنعه ما هو فيه أن يتكلم به([126]).
12- عن ظبيان بن صبيح، قال: قال ابن مسعود: “لا تقام الحدود في المساجد”([127]).
13- عن القاسم بن عبد الرحمن قال: قال ابن مسعود: “ادرؤوا الحدود والقتل عن عباد الله ما استطعتم”([128]).
14- عن الحسن قال: قال عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه-: “يأتي على الناس زمان، المؤمن فيه أذل من الأمة، أكيسهم الذي يروغ بدينه روغان الثعالب”([129]).
15- عن الربيع بن عميلة، عن ابن مسعود، قال: “إن بني إسرائيل لما طال عليهم الأمد قست قلوبهم، فاخترعوا كتاباً من قبل أنفسهم فاستهوته قلوبهم، فاستحلته ألسنتهم، فقالوا: تعالوا حتى ندعو الناس إلى كتابنا هذا، فمن تابعنا تركناه، ومن خالفنا قتلناه، فقالوا: انظروا فلانا، فإن تابعكم فلن يتخلف عنكم أحد، وإن خالفكم فاقتلوه، فبعثوا إليه فدخل منزله، فأخذ كتابا من كتب الله فجعله في قرن، ثم تقلده تحت ثيابه، فأتاهم فقرؤوا عليه كتابهم، فقالوا: تؤمن بما في هذا الكتاب؟ فقال: وما لي لا أؤمن بهذا الكتاب، وأشار إلى صدره، فرجع إلى منزله، فلم يلبث إلا يسيرا حتى مات، فجاء إخوان من إخوانه فنبشوه، فوجدوا ذلك الكتاب في ذلك القرن، فقالوا: كان إيمانه في هذا الكتاب قال ابن مسعود: فتفرقت النصارى على سبعين فرقة، فأهداهم فرقة أصحاب ذي القرن، فقال ابن مسعود: يوشك من عاش منكم أن يرى منكراً لا يستطيع فيه غير أن يعلم الله من قلبه أنه له كاره”([130]).
16- عن أبي محمد النهدي، قال: قال عبد الله بن مسعود: “الناس ثلاثة، فما سواهم فلا خير فيه: رجل رأى فئة تقاتل في سبيل الله، فجاهد بنفسه وماله، ورجل جاهد بلسانه، وأمر بالمعروف، ونهى عن المنكر، ورجل عرف الحق بقلبه”([131]).
17- عن ابن مسعود في قوله -عز وجل-: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُم} [المائدة (105)] قال: مروا بالمعروف، وانهوا عن المنكر، ما لم يكن من دون ذلك السوط والسيف، فإذا كان ذلك كذلك، فعليكم أنفسكم([132]).
18- عن زهير بن عباد قال: قال ابن مسعود: “يأتي على الناس زمان تكون السنة فيه بدعة، والبدعة سنة، والمعروف منكراً، والمنكر معروفاً؛ وذلك إذا اتبعوا واقتدوا بالملوك والسلاطين في دنياهم”([133]).
19- عن عكرمة أن رجلاً أتى ابن مسعود، فقال له: إني منطلق فزودني؟ فقال له: “أقبل الحق من البغيض البعيد، وأنكر المنكر على الحبيب القريب”([134]).
20- عن عامر قال: جلس شتير بن شكل، ومسروق بن الأجدع، فقال أحدهما لصاحبه: حدث بما سمعت عن عبد الله وأصدقك، أو أحدث وتصدقني، قال: سمعت عبد الله بن مسعود يقول: “إن أجمع آية في القرآن للخير والشر في سورة النحل: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} [النحل (90)] قال: صدقت([135]).
21- عن هزيل بن شرحبيل عن ابن مسعود أنه قال: لا تقوم الساعة إلا على أشرار الناس، لا يأمرون بالمعروف، ولا ينهون عن المنكر، يتهارجون كما تتهارج البهائم، حتى تمر المرأة بالطريق، فيقوم الرجل إليها، فيقضي منها حاجته، فيضحك إليها، وتضحك إليه، كرجراجة الماء الذي لا يطعم يعني من مرارته([136]).
22- عن طارق بن شهاب قال: قال عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه-: “إنكم في زمان القائل فيه بالحق خير من الصامت، والقائم فيه خير من القاعد، وإن بعدكم زماناً الصامت فيه خير من الناطق، والقاعد فيه خير من القائم” قال: فقال رجل: يا أبا عبد الرحمن، كيف يكون أمر من أخذ به اليوم كان هدى، ومن أخذ به بعد اليوم كان ضلالة؟ قال: “قد فعلتموه اعتبروا ذلك برجلين مرا بقوم يعملون بالمعاصي فأنكرا كلاهما، وصمت أحدكما فسلم، وتكلم الآخر، فقال: إنكم تفعلون وتفعلون، فأخذوه وذهبوا به إلى ذي سلطانهم، فلم يزل -أو لم يزالوا- به حتى أخذ بأخذه، وعمل بعمله”([137]).
ثالثاً: آراؤه الاحتسابية:
1- جاء عن ابن مسعود -رضي الله تعالى عنه-: أنه رأى رجلاً مسرعاً، فقال له: ما لك؟ قال: جاري يشرب الخمر في بيته، وأنا ذاهب إلى صاحب الشرط لأشتكيه، قال: هل نصحته؟ قال: لا، قال: اذهب إليه أولاً فانصحه([138]).
2- عن زيد بن وهب قال: قيل لابن مسعود: هلك الوليد بن عقبة، تقطر لحيته خمراً، قال: “قد نهينا عن التجسس، فإن يظهر لنا نقم عليه”([139]).
وفي رواية: قيل لابن مسعود: هذا الوليد بن عقبة تقطر لحيته خمرا قال: إنا نهينا عن التجسس، فإن يظهر لنا شيء نأخذ به([140]).
3- عن أبي العالية، قال: “كانوا عند عبد الله بن مسعود فوقع بين رجلين ما يقع بين الناس، فوثب كل واحد منهما إلى صاحبه، فقال بعضهم: “ألا أقوم فآمرهما بالمعروف، وأنهاهما عن المنكر” فقال بعضهم: “عليك نفسك، إن الله تعالى قال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ} [المائدة (105)] فسمعها ابن مسعود، فقال: “لم يجئ تأويل هذه الآية بعد، إن القرآن أنزل حين أنزل وكان منه آي مضى تأويله قبل أن ينزل، وكان منه آي وقع تأويله بعد اليوم، ومنه آي يقع تأويله عند الساعة، وما ذكروا من أمر الساعة، ومنه آي يقع تأويله بعد يوم الحساب والجنة والنار، فما دامت قلوبكم واحدة، وأهواؤكم واحدة، ولم تلبسوا شيعاً، ولم يذق بعضكم بأس بعض، فمروا وانهوا، فإذا اختلفت القلوب والأهواء، وألبستم شيعاً، وذاق بعضكم بأس بعض، فامرؤ ونفسه، فعند ذلك جاء تأويلها”([141]).
3- عن أبي إسحاق، عن رجل، قال: دخل ابن مسعود عرساً فيه مزامير([142])، ولهو، فقعد ولم ينه عنه”([143]).
وفي رواية: عن عامر بن سعد قال: دخلتُ على ابن مسعود وقرظة بن كعب وعندهما جوار تغنين، فقلتُ: أتفعلون هذا وأنتم أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؟! قال: فقال: “إنه رخص لنا في اللهو عند العرس”([144]).
([1]) انظر ترجمته في: الإصابة في تمييز الصحابة (4/198) وسير أعلام النبلاء ط الرسالة (1/461) وحلية الأولياء وطبقات الأصفياء (1/124) والأعلام للزركلي (4/137-138) وغيرها.
([4]) صحيح ابن حبان (5/303-1970) وقال الألباني في التعليقات الحسان على صحيح ابن حبان (3/400-1967): “حسن صحيح”.
([41]) المعجم الكبير للطبراني (9/194-8956) ومصنف عبد الرزاق الصنعاني (10/169-18708) ومصنف ابن أبي شيبة (6/439-32743).
([53]) السنن الكبرى للبيهقي (3/180-5326) والمعجم الكبير للطبراني (9/311-9560) ومصنف عبد الرزاق الصنعاني (2/414-3906).
[82]حلية الأولياء وطبقات الأصفياء (1/132).
([86]) مسند أحمد (7/325-4298) والآداب الشرعية والمنح المرعية (1/231) والأسامي والكنى (ص: 59-136) والجرح والتعديل لابن أبي حاتم (2/426) و الزهد لوكيع (ص: 461-210).
([89]) السنن الكبرى للبيهقي (8/350-16852) وموطأ عبد الله بن وهب (ص: 143) والجامع لابن وهب (1/286-470).
([95]) المعجم الكبير للطبراني (9/127-8636) وحلية الأولياء وطبقات الأصفياء (4/380)
ومصنف عبد الرزاق الصنعاني (3/222-5410) وسنن الدارمي (1/286-210).
(([98] الاستيعاب في معرفة الأصحاب (4/1554) وأسد الغابة ط العلمية (5/420) وتهذيب الكمال في أسماء الرجال (31/57) والكامل في التاريخ (2/478).
([101]) المعجم الكبير للطبراني (10/146-10268) وترتيب الأمالي الخميسية للشجري (2/318) والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لابن أبي الدنيا (ص: 45).
([105]) مسند أحمد (6/250-3713) والآداب الشرعية والمنح المرعية (1/172) وقال محققو المسند: “إسناده ضعيف لانقطاعه”.
([107]) نصاب الاحتساب (ص: 339) وبريقة محمودية في شرح طريقة محمدية وشريعة نبوية في سيرة أحمدية (2/289).
([116]) تنبيه الغافلين بأحاديث سيد الأنبياء والمرسلين للسمرقندي (ص: 101) والتفسير من سنن سعيد بن منصور – محققا (المقدمة/189) والبدع لابن وضاح (2/185) وشعب الإيمان (10/72) وجزء علي بن محمد الحميري (ص: 111-49) والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لابن أبي الدنيا (ص: 111).
([118]) الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لابن أبي الدنيا (ص: 136-112) ومصنف ابن أبي شيبة (7/504-37582).
([129]) الفتن لنعيم بن حماد (1/188-501) والزهد لأبي داود (ص: 173-176) و ترتيب الأمالي الخميسية للشجري (2/217-2184).
([142]) قلتُ: لعل المقصود بالمزامير هنا (مطلق الغناء) بالدف وغيره، لا المزمار الآلة المعهودة، فإنها أشد تحريماً، ولا أظن أن يسكت عن إنكارها ابن مسعود، وقد جاء هذا الإطلاق في صحيح البخاري (2/ 17-952) عن عائشة -رضي الله عنها-، قالت: دخل أبو بكر وعندي جاريتان من جواري الأنصار تغنيان، بما تقاولت الأنصار يوم بعاث، قالت: وليستا بمغنيتين، فقال أبو بكر: أمزامير الشيطان في بيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؛ وذلك في يوم عيد، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((يا أبا بكر، إن لكل قوم عيداً وهذا عيدنا)).