احتساب علقمة النخعي رحمه الله
(000 – 62 هـ = 000 – 681 م)
اسمه:
هو علقمة بن قيس بن عبد الله بن مالك النخعي الهمدانيّ، أبو شبل -ولم يولد له-، تابعي، من كبارهم([1]).
فضله ومناقبه:
كان علقمة فقيه العراق، يشبه ابن مسعود في هديه وسمته وفضله، ولد في حياة النبي صلى الله عليه وسلم، وروى الحديث عن الصحابة، ورواه عنه كثيرون، وشهد صفين، وغزا خراسان، وأقام بخوارزم سنتين، وبمرو مدة، وسكن الكوفة، فتوفي فيها.
“وعن منصور قال: قلت لإبراهيم: شهد علقمة صفين؟ قال: نعم، وقاتل حتى خضب سيفه دمًا، وقُتل أخوه أُبيُّ بن قيس”([2]).
قال عنه الذهبي: “الفقيه المشهور، خال إبراهيم النخعي، وشيخه، وعم الأسود بن يزيد، أدرك الجاهلية….، وكان فقيهًا إمامًا مقرئًا، طيب الصوت بالقرآن، ثبتًا حجة، وكان أعرج، دخل دمشق واجتمع بأبي الدرداء بالجامع، وكان الأسود أكبر منه؛ فإن أبا نعيم قال: قال الأسود: إني لأذكر ليلة بُني بأم علقمة”([3]).
وعن إبراهيم، عن علقمة، قال: صليت خلف عمر سنتين.
وعن إبراهيم: إن الأسود وعلقمة كانا يسافران مع أبي بكر وعمر([4]).
“روى عن عمر بن الخطاب، وعثمان بن عفان، وعلي، وعبد الله بن مسعود، وحذيفة، وسلمان، وأبي مسعود، وأبي الدرداء”([5]).
وعن الشعبي قال: كان الفقهاء بعد أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بالكوفة في أصحاب عبد الله بن مسعود، هؤلاء علقمة بن قيس النخعي، وعبيدة بن قيس المرادي، ثم السلماني، وشريح بن الحارث الكندي، ومسروق الأجدع الهمداني، ثم الوادعي”([6]).
وعن إبراهيم قال: “كان أصحاب عبد الله الذين يقرؤون، ويفتون ستة: علقمة، والأسود، وعبيدة، وأبو ميسرة، والحارث بن قيس، ومسروق بن الأجدع”([7]).
وقال: “علي بن المديني لم يكن من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أحد له أصحاب حفظوا عنه، وقاموا بقوله في الفقه، إلا ثلاثة: زيد، وعبد الله بن مسعود، وابن عباس، وأعلم الناس بعبد الله علقمة والأسود وعبيدة والحارث”([8]).
وعن ابن سيرين قال: “كان علماء هذه القرية خمسة، فأحيانًا، يقدمون عبيدة، وأحيانًا يقدمون الحارث، ولم يكونوا يختلفون إن الثالث علقمة، والرابع مسروق، والخامس شريح”([9]).
وعن ابن عون قال: سمعت ابن سيرين يقول: “كان أصحاب عبد الله بن مسعود خمسة، كلهم فيه عيب، عبيدة السلماني أعور، ومسروق بن الأجدع أحدب، وعلقمة بن قيس أعرج، وشريح كوسج([10])، والحارث أعور”([11]).
وعن إبراهيم، عن علقمة، أن رجلًا سأل حذيفة رضي الله عنه عن فريضة، فقال: “ما لي بها علم” قال علقمة: أجيبه؟ قال: وتعلمها؟ قال: نعم، قال: قال: فأجبه، قال: فأجابه علقمة فقال له حذيفة: من أين علمتها؟ قال علقمة: من قبل صاحبنا، يعني: عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، فقال حذيفة: أو يعلمكم هذا؟ قال: نعم”([12]).
وعن أبي السفر، عن مرة بن شرحبيل، قال: “كان علقمة بن قيس رباني هذه الأمة”([13]).
وعن أبي معمر، قال: دخلنا على عمر بن شرحبيل فقال: “انطلقوا بنا إلى أشبه الناس هديًا وسمتًا بعبد الله بن مسعود، فدخلنا على علقمة”([14]).
وعن قابوس بن أبي ظبيان، قال: قلت لأبي: لأي شيء كنت تأتي علقمة، وتدع أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم؟ قال: رأيت أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يسألون علقمة ويستفتونه”([15]).
وعن ابن عون، قال: قلت للشعبي: علقمة أفضل أم الأسود؟ قال: “علقمة”([16]).
وعن عبد الرحمن بن يزيد، قال: قال عبد الله بن مسعود: “ما أقرأ شيئًا، ولا أعلم شيئًا إلا علقمة يقرؤه أو يعلمه” قيل: يا أبا عبد الرحمن والله ما علقمة بأقرئنا، قال: “بلى، إنه والله لأقرؤكم”([17]).
وعن علقمة بن قيس، قال: “كنت رجلًا قد أعطاني الله حسن الصوت بالقرآن، وكان عبد الله بن مسعود يرسل إليّ، فأقرأ عليه القرآن، قال: فكنت إذا فرغت من قراءتي، قال: “زدنا من هذا”([18]).
وعن إبراهيم: أن علقمة قرأ على عبد الله وكان حسن الصوت، فقال له رجل: رتل فداك أبي وأمي فإنه زين القرآن”([19]).
وعن منصور، عن إبراهيم، قال: “كان علقمة يختم القرآن كل خميس”([20]).
تواضعه:
عن المسيب بن رافع، قال: “كانوا يدخلون على علقمة، وهو يقرع غنمه، ويحلب ويعلف”([21]).
وعن المسيب بن رافع، قال: قيل لعلقمة: لو جلست فأقرأت القرآن، وحدثتهم، قال: “أكره أن يوطأ عقبي، وأن يقال: هذا علقمة” وكان يكون في مبيته يعلف غنمه، ويفت لهم، قال فكان معه شيء يقرع بينهن إذا تنطاحن”([22]).
وعن إبراهيم، قال: “كان علقمة يتزوج([23]) إلى أهل بيت دون أهل بيته يريد بذلك التواضع”([24]).
وعن عبد الرحمن بن يزيد قال: قلنا لعلقمة: لو صليت في المسجد، وتجلس ونجلس معك فنسأل، فقال: أكره أن يقال هذا علقمة، قالوا: لو دخلت على الأمراء، فعرفوا لك شرفك، قال: إني أخاف أن يتنقصوا مني أكثر مما أتنقص منهم”([25]).
وعن الحسين بن عبيد الله النخعي، قال: “لم يترك علقمة إلا داره، وبرذونًا ومصحفًا، وأوصى به لمولى له كان يقوم عليه في مرضه”([26]).
وعن الشعبي، قال: “أهل بيت خلقوا للجنة: علقمة، والأسود، وعبد الرحمن”([27]).
وقال عمرو بن ميمون: كنت خبازًا لعلقمة عشر سنين في الحضر”([28]).
وعن عمر بن سعيد قال: كان الربيع بن خثيم يأتي علقمة، فيقول: ما أزور أحدًا غيرك، وما أزور أحدًا ما أزورك”([29]).
وعن عبد الرحمن بن مهدي عن سفيان عن أبي قيس قال: رأيت إبراهيم يأخذ الركاب لعلقمة([30]).
سيرته الاحتسابية
كان لعلقمة النخعي رحمه الله سيرة احتسابية حافلة بالمواقف العظيمة، نذكر جانبًا منها:
1- إنكاره على خارجي:
عن إبراهيم، عن علقمة، قال: تكلم عنده رجل من الخوارج بكلام كرهه، فقال علقمة {وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا} [الأحزاب: 58] فقال له الخارجي: أو منهم أنت؟ قال: “أرجو”([31]).
2- إنكاره على المشقة على النفس في العبادة:
وعن عبد الله بن بشر، أن علقمة، والأسود بن يزيد، حجَّا وكان الأسود صاحب عبادة، وصام يومًا، فكان الناس بالهجير، وقد تربد وجهه فأتاه علقمة فضرب على فخذه، فقال: “ألا تتقي الله يا أبا عمرو في هذا الجسد، علام تعذب هذا الجسد؟” فقال الأسود: يا أبا شبل، الجد الجد”([32]).
وعن علي بن مدرك، قال: قال علقمة للأسود: “لم تعذب هذا الجسد” وهو يصوم؟ قال: الراحة أريد له”([33]).
3- إنكاره على إتيان ابن زياد:
عن أبي وائل قال: “لما جمعت لابن زياد البصرة والكوفة، قال: اصحبني إذا انطلقت، قال: فأتيت علقمة، فسألته.
فقال: اعلم أنك لا تصيب منهم شيئًا إلا أصابوا منك أفضل منه”([34]).
وعن حماد، عن إبراهيم، عن علقمة بن قيس، أنه قال: “على أبواب السلطان مثل مبارك الإبل من الفتن، من تعرض لها تعرضت له لن تصيبوا من دنياهم شيئًا إلا أصابوا من دينكم أفضل منه”([35]).
4- إنكاره على من أراد أن يرد له المبيع مع دراهم:
عن أبي معشر عن النخعي أن علقمة باع بعيرًا، أو دابة من رجل، فكرهها، فأراد أن يردها ومعها دراهم.
فقال علقمة: هذه دابتنا، فما حقنا في دراهمك؟ فقبل دابته، ورد الدراهم”([36]).
5- إنكاره على الزيادة في التشهد:
عن طلحة بن مصرف قال: زاد ربيع بن خيثم في التشهد: “بركاته ومغفرته” فقال علقمة: نقف حيث علمنا: “السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته”([37]).
وعن إبراهيم قال: جاء ربيع بن خثيم، إلى علقمة يستشيره أن يزيد فيها: ومغفرته، قال علقمة: “إنما ننتهي إلى ما علمناه”([38]).
6- إنكاره على الغلو في عليّ:
عن الشعبي، قال: قال علقمة: “لقد صنعت هذه الأمة في علي رضي الله عنه، كما صنعت النصارى في عيسى عليه السلام”([39]).
وعن الشعبي، عن علقمة، قال: “غلت الشيعة في علي رضي الله عنه كما غلت النصارى في عيسى ابن مريم عليه السلام” قال: “وكان الشعبي يقول لقد بغضوا إلينا حديث علي رضي الله عنه”([40]).
وعن الشعبي، قال: لقيت علقمة، فقال: أتدري ما مثل علي في هذه الأمة؟ قال: قلت: وما مثله؟ قال: “مثل عيسى ابن مريم عليه السلام أحبه قوم حتى هلكوا في حبه، وأبغضه قوم حتى هلكوا في بغضه”([41]).
وعن إبراهيم، قال: ضرب علقمة هذا المنبر فقال: خطبنا عليٌّ رضي الله عنه على هذا المنبر فحمد الله، وأثنى عليه، ثم ذكر ما شاء الله أن يذكر، ثم قال: “ألا إنه بلغني أن قومًا يفضلوني على أبي بكر وعمر، ولو كنت تقدمت في ذلك لعاقبت فيه، ولكن أكره العقوبة قبل التقدم، من قال شيئًا من ذلك فهو مفتر، عليه ما على المفتري خير الناس كان بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم أبو بكر، ثم عمر، ثم أحدثنا بعدهم أحداثًا يقضي الله عز وجل فيها ما أحب”([42]).
7- إنكاره على مؤذن قبل الوقت:
عن إبراهيم، قال: شيعنا علقمة، إلى مكة، فخرجنا بليل، فسمع مؤذنًا يؤذن، فقال: “أما هذا فقد خالف سنة أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، لو كان نائمًا خيرًا له، فإذا طلع الفجر أذن”([43]).
8- إنكاره على امرأة:
وعن الأعمش، عن إبراهيم، أن علقمة، مر بامرأة وهي ترضع صبيًّا لها، بعد الحولين، فقال: “لا ترضعيه بعد ذلك”([44]).
9- إقامته للحدود وهي نوع من الحسبة:
عن الأعمش، عن إبراهيم، عن علقمة، والأسود: “أنهما كانا يقيمان الحدود على جواري الحي إذا زنين في المجالس”([45]).
10- مشاركته في الجهاد، وهو نوع من الحسبة:
عن إبراهيم، عن علقمة، قال: “حاصرنا مدينة نهاوند، فأعطيت معضدًا ثوبًا لي فاعتجر به، فأصاب حجر في رأسه، فجعل يمسحه، وينظر إلي، ويقول: إنها لصغيرة وإن الله ليبارك في الصغيرة”([46]).
وعن إبراهيم، عن علقمة، قال: رمي معضد بسهم في رأسه، فنزع السهم من رأسه، ثم وضع يده على موضعه، ثم قال: “إنها لصغيرة، وإن الله ليبارك في الصغيرة”([47]).
أقواله الاحتسابية
كان لعلقمة النخعي رحمه الله الكثير من الأقوال المأثورة، نذكر جانبًا منها:
1- وعن الهيثم، عن علقمة بن قيس أنه كان يشدد في القراءة خلف الإمام، ويقول: بفيه الحجر([48]).
2- وعن حماد، عن إبراهيم، أنه كان مع علقمة في محمل، فقرأ القرآن، فلما بلغ السجدة أراد أن يثب، فقال: “ابن أخي، الإيماء يجزئك”([49]).
3- وعن حماد، عن إبراهيم، عن علقمة أنه علم رجلًا التشهد، فجعل الرجل يقول: بسم الله وبالله، وجعل علقمة يقول: التحيات لله، وجعل يقول في آخرها: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وجعل علقمة يقول: أشهد أن لا إله إلا الله”([50]).
4- وعن حماد، عن إبراهيم أنه سأل علقمة عن رجل فجر بامرأة ثم تزوجها، فقرأ هذه الآية: {وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ} [الشورى: 25]([51])
5- وعن إبراهيم، عن علقمة، في الرجل يتكلم والإمام يخطب يوم الجمعة، فقال: “يضع يده على فيه، ولا يرميه بالحصى”([52]).
6- وعن أبي وائل، عن علقمة، قال: قيل له: ألا تقص علينا؟ قال: “إني أكره أن آمركم بما لا أفعل”([53]).
7- وعن إبراهيم، عن علقمة، قال: “إذا ظهر أهل الحق على أهل الباطل فليس هي بفتنة”([54]).
([1]) انظر ترجمته في: تاريخ الإسلام (2/ 683) وحلية الأولياء وطبقات الأصفياء (2/ 98) والطبقات الكبرى (6/ 146) وتاريخ دمشق لابن عساكر (41/ 154) والأعلام للزركلي (4/ 248) وغيرها.
([10]) الكوسج: الناقص الأسنان (القاموس) ويقال: الذي لا شعر على عارضية، ويقال: النقي الخلدين من الشعر.