احتساب عمار بن ياسر رضي الله عنه
(57 ق هـ – 37 هـ = 567 – 657 م)
اسمه:
هو عمار بن ياسر بن عامر الكناني، المذحجي، العنسيّ القحطاني، أبو اليقظان([1]).
مناقبه وفضله:
هو صحابي جليل، من الولاة، الشجعان، ذوي الرأي، وهو أحد السابقين إلى الإسلام، والجهر به، هاجر إلى المدينة، وشهد بدرًا وأحدًا والخندق، وبيعة الرضوان.
وكان النبي صلى الله عليه وسلم يلقبه “الطيب المطيَّب”([2]).
وفي الحديث: “ما خُيّر عمار بين أمرين إلا أختار أرشدهما”([3]).
وهو أول من بنى مسجدًا في الإسلام، بناه في المدينة، وسماه (قباء) وولاه عمر الكوفة، فأقام زمنًا، وعزله عنها، وشهد الجمل وصفين مع علي، وقتل في الثانية، وعمره ثلاث وتسعون سنة، له (62) حديثًا([4]).
وعن ابن عمر رضي الله عنهما، قال: “ما أعرف أحدًا خرج يبتغي وجه الله والدار الآخرة إلا عمارًا”([5]).
وعن عبد الله بن سلمة، قال: لقي علي رجلين قد خرجا من الحمام متدهنين، فقال علي: من أنتما؟ قالا: من المهاجرين، قال: “كذبتما، إنما المهاجر عمار بن ياسر”([6]).
وفي البخاري وغيره:عن عكرمة، قال لي ابن عباس ولابنه علي: انطلقا إلى أبي سعيد فاسمعا من حديثه، فانطلقنا فإذا هو في حائط يصلحه، فأخذ رداءه فاحتبى، ثم أنشأ يحدثنا حتى أتى ذكر بناء المسجد، فقال: كنا نحمل لبنة لبنة، وعمار لبنتين لبنتين، فرآه النبي صلى الله عليه وسلم، فينفض التراب عنه، ويقول: “ويح عمار، تقتله الفئة الباغية، يدعوهم إلى الجنة، ويدعونه إلى النار” قال: يقول عمار: أعوذ بالله من الفتن([7]).
وقال في الإصابة: “وتواترت الأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنّ عمارًا تقتله الفئة الباغية، وأجمعوا على أنه قتل مع عليّ بصفّين، سنة سبع وثمانين في ربيع، وله ثلاث وتسعون سنة، واتفقوا على أنه نزل فيه: {إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ} [النحل 106]”([8]).
وكان عمار بن ياسر طويل الصمت، طويل الحزن والكآبة، وكان عامة كلامه عائذًا بالله من فتنته([9]).
وعن هانئ بن هانئ قال: استأذن عمار على عليٍّ رضوان الله عليه، فقال: مرحبًا بالطيب المطيب، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: “عمار مليء إيمانًا إلى مشاشه” أي مثانته([10]).
سيرته الاحتسابية
كان لعمار رضي الله عنه سيرة عظيمة في الحسبة والاحتساب، مليئة بالمواقف العظيمة، نذكر جانبًا منها:
1- إنكاره على صيام يوم الشك:
فعن صلة بن زفر، قال: كنا عند عمار بن ياسر، فأتي بشاة مصلية فقال: كلوا، فتنحى بعض القوم، وقال: إني صائم، فقال عمار بن ياسر: من صام اليوم الذي يشك فيه، فقد عصى أبا القاسم صلى الله عليه وسلم([11]).
2- إنكاره على عدم نصرة الإمام الحق:
عن أبي وائل، قال: دخل أبو موسى وأبو مسعود على عمار، حيث بعثه عليّ إلى أهل الكوفة يستنفرهم، فقالا: ما رأيناك أتيت أمرًا أكره عندنا من إسراعك في هذا الأمر منذ أسلمت؟ فقال عمار: “ما رأيت منكما منذ أسلمتما أمرًا أكره عندي من إبطائكما عن هذا الأمر” وكساهما حلة حلة، ثم راحوا إلى المسجد([12]).
وقولهما: “إسراعك في هذا الأمر” أي إسراعك في استنفار الناس لقتال بعضهم بعضًا، وقوله: “إبطائكما عن هذا الأمر” وهو نصرة الإمام الحق.
3- إنكاره على من طعن في عائشة:
عن حميد بن عريب أو عريب بن حميد قال: قام رجل فتناول عائشة، فقال عمار: “اسكت مقبوحًا منبوحًا، أو قال: مذمومًا مدحورًا”([13]).
وفي رواية: “اسكت مقبوحًا منبوحًا، أتقع في حبيبة رسول الله صلى الله عليه وسلم، إنها لزوجته في الجنة”([14]).
وفي رواية: “إنها لزوجة نبينا صلى الله عليه وسلم في الدنيا والآخرة، ولكن الله ابتلانا بها ليعلم إياه نطيع أو إياها”([15]).
4- إنكاره على منْع الناس عثمان الماء:
عن عبد الرحمن بن أسامة الليثي، عن أبيه قال: “لما حصر عثمان رضي الله عنه، أرسل إلى عمار بن ياسر، فطلب أن يدخل عليه رَوَايَا ماء، فطلب له ذلك عمار من طلحة، فأبى عليه فقال عمار: سبحان الله، اشترى عثمان هذه البئر، يعني رومة، بكذا وكذا ألفًا، فتصدق بها على الناس، وهؤلاء يمنعونه أن يشرب منها”([16]).
5- إنكاره على رجل:
عن أبي البختري، قال: كان بين عمار بن ياسر، وبين رجل كلام في المسجد، فقال عمار: أسأل الله إن كنت كاذبًا أن لا يميتك حتى يُكثر مالك، وولدك، وتُوطَأ عقبيك، وإن كنتُ فعلتُ الذي قلتَ، لَأَنَا أشرُّ من الذي لا يغتسل يوم الجمعة([17]).
6- إنكاره على من كفَّر أهل الشام:
عن رياح بن الحارث، قال: إنا بوادي الظبي، وإن ركبتي لتكاد تمس ركبة عمار بن ياسر، فأتى رجل فقال: كفر والله أهل الشام، فقال عمار: “لا تقل ذلك قبلتنا واحدة، ونبينا واحد، ولكنهم قوم مفتونون فحق علينا قتالهم حتى يرجعوا إلى الحق”([18]).
7- إنكاره على واشٍ:
عن الحارث بن سويد، قال: وشى رجل بعمار إلى عمر بن الخطاب، فقال عمار لما بلغه: “اللهم إن كان كاذبًا، فاجعله موطأ العقبين، وابسط له من الدنيا”([19]).
8- إنكاره على من ذمّه:
عن طارق بن شهاب الأحمسي قال: غزت بنو عطارد مائة من أهل البصرة، وأمدوا عمارًا من الكوفة، فخرج عمار قبل الوقعة فقال: نحن شركاؤهم في الغنيمة، فقام رجل من بني عطارد فقال: أيها العبد المجدوع، وكانت أذنه قد أصيبت في سبيل الله أتريد أن نقسم لك غنيمتنا، فقال عمار: عيرتموني بأحب أذني، أو بخير أذني، وكتب في ذلك إلى عمر فكتب عمر أن “الغنيمة لمن شهد الوقعة”([20]).
9- إنكاره على أعرابي:
عن ربيع بن عميلة، عن عمار، قال: كان عنده أعرابي، فذكروا الوجع، فقال عمار “هل اشتكيت قط؟” فقال: لا، فقال عمار: “ما أنت منا، أو لست منا، ما من عبد يبتلى إلا حط عنه خطاياه، كما تحط الشجرة ورقها، وإن الكافر يبتلى، فمثله كمثل البعير عقل، فلم يدر لما عقل، فأطلق فلم يدر لما أطلق”([21]).
10- إنكاره على رجل طلق امرأته ثلاثًا، ثم غشاها بعد ذلك:
عن قتادة: أن رجلًا طلق امرأته ثلاثًا، ثم جعل يغشاها بعد ذلك، فسئل عن ذلك عمار، فقال عمار: “لئن قدرت على هذا لأرجمنه”([22]).
11- إنكاره على ابن مسعود:
عن عبد الله بن أبي الهذيل، قال: لما بنى عبد الله بن مسعود داره، قال لعمار: هلم انظر إلى ما بنيت، فانطلق عمار، فنظر إليه فقال: “بنيت شديدًا، وأملت بعيدًا -أو تأمل بعيدًا- وتموت قريبًا”([23]).
أقواله ومروياته الاحتسابية
كان لعمار رضي الله عنه كثير من الأقوال والمرويات الاحتسابية، منها:
1- ما روي عن صلة بن زفر، عن عمار بن ياسر، أنه قال: “الإسلام ثمانية أسهم: الإسلام سهم، والصلاة سهم، والزكاة سهم، والصيام سهم، والجهاد سهم، والحج سهم، والأمر بالمعروف سهم، والنهي عن المنكر سهم”([24]).
2- وعن يحيى بن يعمر، عن عمار بن ياسر، قال: قدمت على أهلي ليلًا، وقد تشققت يداي، فخلقوني بزعفران، فغدوت على النبي صلى الله عليه وسلم، فسلمت عليه، فلم يرد عليَّ، ولم يرحب بي، وقال: “اذهب فاغسل هذا عنك” فذهبت فغسلته، ثم جئت، وقد بقي علي منه ردع، فسلمت فلم يرد عليَّ، ولم يرحب بي، وقال: “اذهب فاغسل هذا عنك” فذهبت فغسلته، ثم جئت فسلمت عليه فرد عليَّ، ورحب بي، وقال: “إن الملائكة لا تحضر جنازة الكافر بخير، ولا المتضمخ بالزعفران، ولا الجنب”([25]).
3- وعن أبيه نجي الحضرمي، قال: سمعت عمار بن ياسر، يقول: بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى حي من قيس، أعلمهم شرائع الإسلام، قال: فإذا قوم كأنهم الإبل الوحشية، طامحة أبصارهم، ليس لهم هم إلا شاة، أو بعير، فانصرفت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: “يا عمار ما عملت؟” فقصصت عليه قصة القوم، وأخبرته بما بهم من السهوة، قال: “يا عمار ألا أخبرك بأعجب منهم، قوم علموا ما جهل أولئك، ثم سهوا كسهوهم”([26]).
4- وعن عبد الله بن سلمة، قال: قال عمار قال: لما هجانا المشركون، شكونا ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: “قولوا لهم كما يقولون لكم” قال: فلقد رأيتنا نعلمه إماء أهل المدينة([27]).
([1]) انظر ترجمته في: الإصابة في تمييز الصحابة (4/ 473)، وحلية الأولياء وطبقات الأصفياء (1/ 139)، والأعلام للزركلي (5/ 36)، وغيرها.
([2]) مسند أحمد (2/ 289-999)، وقال محققو المسند: “رجاله ثقات رجال الشيخين غير هانئ بن هانئ، فمن رجال السنن”.
([3]) سنن الترمذي في أبواب المناقب، باب مناقب عمار بن ياسر وكنيته أبو اليقظان رضي الله عنه (5/ 668-3799)، وصححه الألباني.
([10]) صحيح ابن حبان (15/ 552-7076)، وقال محققوه: “إسناده حسن كالذي قبله، رجاله ثقات رجال الصحيح غير هانئ بن هانئ”.