احتساب عمر بن عبد العزيز رحمه الله
(61 – 101 هـ = 781 – 720 م)
اسمه ونشأته:
هو عمر بن عبد العزيز بن مروان بن الحكم الأموي القرشي، أبو حفص، الخليفة الصالح، والملك العادل، وربما قيل له: خامس الخلفاء الراشدين، تشبيهاً له بهم، وهو من ملوك الدولة المروانية الأموية بالشام، ولد ونشأ بالمدينة، وولي إمارتها للوليد، ثم استوزره سليمان بن عبد الملك بالشام، وولي الخلافة بعهد من سليمان سنة (99هـ) فبُويع في مسجد دمشق، ولم تطل مدته، قيل: دس له السم وهو بدير سمعان من أرض المعرة، فتُوفي به، ومدة خلافته سنتان ونصف.
صفته:
كان يدعى (أشج بني أمية) رمحته دابة وهو غلام فشجته.
وقيل في صفته: كان نحيف الجسم، غائر العينين، بجبته أثر الشجة، وخطه الشيب، أبيض، رقيق الوجه مليحاً.
وقد وصفه أبو نعيم بقوله: “المحتصن الحريز، ذو الشجى والأزيز، المولى عمر بن عبد العزيز، كان واحد أمته في الفضل، ونجيب عشيرته في العدل، جمع زهداً وعفافاً، وورعاً وكفافاً، شغله آجل العيش عن عاجله، وألهاه إقامة العدل عن عاذله، كان للرعية أمناً وأماناً، وعلى من خالفه حجة وبرهاناً، كان مفوهاً عليماً، ومفهماً حكيماً([1]).
ولابن الجوزي (سيرة عمر بن عبد العزيز) كتاب مطبوع، ولعبد الله بن عبد الحكم (سيرة عمر بن عبد العزيز) مطبوع، ولعبد الرؤوف المناوي (سيرة عمر بن عبد العزيز) وألفت في سيرته مؤلفات كثيرة قديمة وحديثة([2]).
إمامته في العلم:
قال الإمام أحمد بن حنبل: لا أدري قول أحد من التابعين حجة إلا قول عمر بن عبد العزيز([3]).
وعن ابن شوذب قال: قال الحسن: إن كان مهدي، فعمر بن عبد العزيز، وإلا فلا مهدي إلا عيسى ابن مريم -عليه السلام-([4]).
وعن عبد الله بن حنبل قال: حدثني أبي قال: قال عمي: عمر بن عبد العزيز جاء إلى أمر مظلم فأناره، وإلى سنن قد أميتت فأحياها، لم يخف في الله لومة لائم، ولا خاف في الله أحدا، فأحيا سنناً قد أميتت، وشرع شرائع قد درست -رحمه الله-، قال عمي: ويقال: إن في كل كذا وكذا يقوم قائم بأمر الله([5]).
إمامته في العدل:
أخباره في عدله، وحسن سياسته كثيرة، إلى حد أنها لا تصدق، وقد يقال عنها: إنها ضرب من الخيال، وعالم الأحلام.
قال سفيان الثوري: أئمة العدل خمسة: أبو بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، وعمر بن عبد العزيز -رضي الله تعالى عنهم- من قال غير هذا فقد اعتدى([6]).
وعن مالك بن دينار قال: لما استعمل عمر بن عبد العزيز على الناس، قالت رعاء الشاء في رؤوس الجبال: من هذا العبد الصالح الذي قام على الناس؟ قيل لهم: وما علمكم بذاك؟ قالوا: إنه إذا قام على الناس خليفة عدل كفت الذئاب عن شائنا.
وعن حماد بن زيد قال: حدثني موسى بن أعين راعٍ كان لمحمد بن أبي عيينة، قال: كنا نرعى الشاء بكرمان في خلافة عمر بن عبد العزيز، فكانت الشاء والذئاب والوحش ترعى في موضع واحد، فبينا نحن ذات ليلة إذ عرض الذئب لشاة، فقلنا: ما أرى الرجل الصالح إلا قد هلك، قال حماد: فحدثني هو أو غيره أنهم نظروا فوجدوه هلك في تلك الليلة([7]).
عن إبراهيم بن هشام قال: حدثني أبي، عن جدي، قال: بينا عمر بن عبد العزيز يسير يوماً في سوق حمص، فقام إليه رجل عليه بردان قطريان، فقال: يا أمير المؤمنين، أمرت من كان مظلوماً أن يأتيك؟ قال: نعم، قال: فقد أتاك مظلوم بعيد الدار، فقال له عمر: وأين أهلك؟ قال: بعدن أبين، قال عمر: والله إن أهلك من أهل عمر لبعيد، فنزل عن دابته في موضعه، فقال: ما ظلامتك؟ قال: ضيعة لي، وثب عليها واثب، فانتزعها مني، فكتب إلى عروة بن محمد يأمره أن يسمع من بينته، فإن ثبت له حق دفعه إليه، وختم كتابه، فلما أراد الرجل القيام، قال له عمر: على رسلك، إنك قد أتيتنا من بلد بعيد، فكم نفد لك زاد، أو نفقت لك راحلة، وأخلق لك ثوب؟ فحسب ذلك، فبلغ أحد عشر ديناراً، فدفعها عمر إليه([8]).
وأخرج عن السائب بن محمد قال: كتب الجراح بن عبد الله إلى عمر بن عبد العزيز: إن أهل خراسان قوم ساءت رعيتهم، وإنه لا يصلحهم إلا السيف والسوط، فإن رأى أمير المؤمنين أن يأذن لي في ذلك، فكتب إليه عمر: أما بعد:
فقد بلغني كتابك تذكر أن أهل خراسان قد ساءت رعيتهم، وأنه لا يصلحهم إلا السيف والسوط، فقد كذبت، بل يصلحهم العدل والحق، فابسط ذلك فيهم، والسلام([9]).
إمامته في الزهد والورع:
وعن مالك بن دينار قال: الناس يقولون: مالك بن دينار زاهد، إنما الزاهد عمر بن عبد العزيز، الذي أتته الدنيا فتركها([10]).
وعن ربيعة بن عطاء قال: أتي عمر بن عبد العزيز بعنبرة من اليمن، قال: فوضع يده على أنفه بثوبه، قال: فقال له مزاحم: إنما هو ريحها يا أمير المؤمنين، قال: ويحك يا مزاحم هل ينتفع من الطيب إلا بريحه، قال: فما زالت يده على أنفه، حتى رفعت!([11]).
وعن الحكيم يعني ابن عمر قال: شهدتُ عمر بن عبد العزيز، وأرسل غلامه يشوي بكبكبة من لحم، فعجل بها فقال: أسرعتَ بها؟ قال: شويتها في نار المطبخ، وكان للمسلمين مطبخ يغديهم ويعشيهم، فقال لغلامه: كلها يا بني فإنك رزقتها ولم أرزقها([12]).
وعن محمد بن الحسن بن قتيبة، ثنا إبراهيم، حدثني أبي، عن جدي قال: كان عمر بن عبد العزيز لا يحمل على البريد إلا في حاجة المسلمين، وكتب إلى عامل له يشتري له عسلاً ولا يسخر فيه شيئاً، وأن عامله حمله على مركبة من البريد، فلما أتى قال: على ما حمله؟ قالوا: على البريد، فأمر بذلك العسل فبيع، وجعل ثمنه في بيت مال المسلمين، وقال: أفسدت علينا عسلك([13]).
وعن قربان بن دبيق، قال: مرت بي ابنة لعمر بن عبد العزيز، يقال لها: أمينة، فدعاها عمر: يا أمين، يا أمين، فلم تجبه، فأمر إنساناً، فجاء بها، فقال: ما منعك أن تجيبيني؟ قالت: إني عارية، فقال: يا مزاحم، انظر تلك الفراش التي فتقناها، فاقطع لها منها قميصاً، فقطع منها قميصاً، فذهب إنسان إلى أم البنين عمتها، فقال: بنت أخيك عارية، وأنت عندك ما عندك، فأرسلت إليها بتخت من الثياب، وقالت: لا تطلبي من عمر شيئاً([14]).
وعن عون بن المعتمر قال: دخل عمر بن عبد العزيز على امرأته، فقال: يا فاطمة عندك درهم أشتري به عنباً؟ قالت: لا، قال: فعندك نمية -يعني الفلوس- أشتري بها عنباً؟ قالت: لا، فأقبلت عليه، فقالت: أنت أمير المؤمنين لا تقدر على درهم، ولا نمية تشتري بها عنباً؟ قال: هذا أهون علينا من معالجة الأغلال غداً في نار جهنم([15]).
وعن أبي يونس بن أبي شبيب، قال: شهدتُ عمر بن عبد العزيز وهو يطوف بالبيت، وإن حجزة إزاره لغائبة في عكنه، ثم رأيته بعدما استخلف، ولو شئت أن أعد أضلاعه من غير أن أمسها لفعلت([16]).
وعن محمد بن كعب القرظي، قال: عهدتُ عمر بن عبد العزيز، وهو عامل علينا بالمدينة، زمن الوليد بن عبد الملك، وهو شاب غليظ البضعة، عظيم الجسم، فدخلتُ عليه في خلافته، وقد تغيرت حاله، فجعلتُ أنظر إليه نظراً ما أكاد أصرف بصري عنه، فقال: يا ابن كعب إنك لتنظر إليّ نظراً منكراً، ما كنتَ تنظره إليّ من قبل، فما أعجبك؟ قلتُ: ما حال من لونك، ونفى من شعرك؟ قال: فكيف لو رأيتني بعد ثالثة في قبري، وقد سقطت حدقتاي على وجنتي، وسال منخراي، وفمي صديداً ودوداً كنتَ لي أشد نكرة!([17]).
وعن أبي صالح الشامي قال: قال عمر بن عبد العزيز [البحر الخفيف]:
أنا ميت وعز من لا يموت *** قد تيقنت أنني سأموت
ليس ملك يزيله الموت ملكاً *** إنما الملك ملك من لا يموت([18])
كراماته:
روى يعقوب بن سفيان في تاريخه وأبو عروبة من طريق رباح بالتحتانية بن عبيدة، قال: رأيتُ رجلاً يماشي عمر بن عبد العزيز، معتمداً على يديه، فلما انصرف، قلتُ له: من الرجل؟ قال: رأيته؟ قلتُ: نعم، قال: أحسبك رجلاً صالحاً، ذاك أخي الخضر، بشرني أني سأولى، وأعدل.
قال ابن حجر: لا بأس برجاله، ولم يقع لي إلى الآن خبر ولا أثر بسند جيد غيره([19]).
وأخرج البيهقي قال: عن أبي معن الأنصاري أسنده، قال: بينا عمر بن عبد العزيز يمشي إلى مكة بفلاة من الأرض؛ إذ رأى حية ميتة، فقال: علي بمحفار، فقالوا: نكفيك -أصلحك الله- قال: لا، ثم أخذه، فحفر له، ثم لفه في خرقة ودفنه، فإذا هاتف يهتف -لا يرونه-: رحمة الله عليك يا سرق، فأشهد لسمعتُ رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((تموت يا سرق في فلاة من الأرض، يدفنك خير أمتي)) فقال له عمر بن عبد العزيز من أنت -يرحمك الله-؟ قال: أنا رجل من الجن، وهذا سرق، ولم يكن ممن بايع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من الجن أحد غيري وغيره، وأشهد لسمعتُ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((تموت يا سرق بفلاة من الأرض، ويدفنك خير أمتي)).
وعن العباس بن أبي راشد عن أبيه قال: نزل بنا عمر بن عبد العزيز، فلما رحل قال لي مولاي: اركب معه فشيعه، قال: فركبتُ فمررنا بوادٍ، فإذا نحن بحية ميتة، مطروحة على الطريق، فنزل عمر فنحاها وواراها، ثم ركب، فبينا نحن نسير إذا هاتف يهتف، وهو يقول: يا خرقاء يا خرقاء، قال: فالتفتنا يميناً وشمالاً، فلم نرَ أحداً، فقال له عمر: أسألك بالله أيها الهاتف، إن كنتَ ممن يظهر إلا ظهرت، وإن كنت ممن لا يظهر أخبرنا ما الخرقاء؟
قال: الحية التي دفنتم بمكان كذا وكذا، فإني سمعتُ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول لها يوماً: ((يا خرقاء تموتين بفلاة من الأرض، يدفنك خير مؤمن من أهل الأرض يومئذٍ)) فقال له عمر: ومن أنت يرحمك الله؟ قال: أنا من التسعة أو السبعة -شك الترقفي- الذين بايعوا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في هذا المكان أو قال: في هذا الوادي -شك الترقفي أيضاً- فقال له عمر: الله أنت سمعتَ هذا من رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؟ قال: الله إني سمعتُ هذا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فدمعت عينا عمر، وانصرفنا.
قال البيهقي: قلتُ: إسناد هذا الحديث إذا انضم إلى الأول قويا فيما اجتمعا فيه -والله أعلم([20]).
وقد ذكره عن البيهقي ابن كثير في البداية والنهاية، ثم قال: “وفيه: أن عمر بن عبد العزيز حلفه، فلما حلف بكى عمر بن عبد العزيز، وقد رجحه البيهقي، وحسنه، فالله أعلم”([21]).
سيرته الاحتسابية
لعمر بن عبد العزيز سيرة حافلة بالاحتساب، فقد كان -رضي الله عنه- من الآمرين بالمعروف، الناهين عن المنكر، الصادعين بالحق، لا يخاف في الله لومة لائم، وإليكم طرفاً من سيرته الاحتسابية:
1- إنكاره على من لا يُعرف أبوه أن يؤم الناس:
عن مالك، عن يحيى بن سعيد، أن رجلاً كان يؤم ناساً بالعقيق، فأرسل إليه عمر بن عبد العزيز فنهاه، قال مالك: وإنما نهاه لأنه كان لا يعرف أبوه([22]).
قال أبو عمر بن عبد البر: “هذه عندهم كناية كالتصريح؛ لأنه كان ولد زنا، فكره عمر بن عبد العزيز -رحمه الله- أن ينصب مثله إماماً؛ لأنه خلق من نطفة خبيثة، وقد روي: “أنه شر الثلاثة” كما يعاب من حملت به إن كانت حائضاً، أو من سكران، وإن كان هو في ذلك كله لا ذنب له، وقد يحتمل أن يكون نهاه عن التعرض للإمامة؛ لأنه فيها كمال وجمال حال بنفس صاحبها، ويحسد عليها، فمن كان لغير رشدة، وطلب ذلك فقد عرض نفسه للقول فيه، وجعله غرضاً للألسنة، وأثار على نفسه من كان سكت عنه، لو لم يضر في حاله تلك، واختلف الفقهاء في إمامة ولد الزنا، فقال مالك: أكره أن يكون إماماً راتباً، قال: وشهادته جائزة في كل شيء إلا في الزنا، فإنها لا تجوز، وهو قول الليث بن سعد، وقال سفيان الثوري والأوزاعي لا بأس بأن يؤم ولد الزنا، وقال أبو حنيفة وأصحابه: غيره أحب إلينا، وقال الشافعي: أكره أن ينصب إماماً؛ لأن الإمامة موضع فضل، وتجزئ من صلى خلفه صلاتهم وتجزئه، وقال عيسى بن دينار: لا أقول بقول مالك في إمامة ولد الزنا، وليس عليه من ذنب أبويه شيء، وقال محمد بن عبد الله بن عبد الحكم: لا أكره إمامة ولد الزنا إذا كان في نفسه أهلا للإمامة، قال أبو عمر: ليس في شيء من الآثار الواردة في شرط الإمامة في الصلاة ما يدل على مراعاة نسب، وإنما فيه الدلالة على الفقه والقراءة والصلاح في الدين”([23]).
2- إنكاره على من يبصق عن يمينه:
عن ابن نعيم، أنه سمع عمر بن عبد العزيز يقول: لابنه عبد الملك، وقد بصق، عن يمينه، وهو في مسير فنهاه، عن ذلك وقال: إنك تؤذي صاحبك، ابصق عن شمالك([24]).
3- إنكاره على التمطيط في الأذان:
عن سفيان، عن عمر بن سعيد بن أبي حسين المكي، أن مؤذناً أذن فطرب في أذانه، فقال له عمر بن عبد العزيز: أذن أذاناً سمحاً، وإلا فاعتزلنا([25]).
وعن قبيصة بن عقبة قال: حدثنا سفيان عن عمر بن سعيد بن أبي حسين، قال: كان مؤذن لعمر بن عبد العزيز إذا أذن رعد، فسمع جارية له تقول: قد أذن الراعبي، فبعث إليه: أذن أذاناً سمحاً، ولا تغنه، وإلا فاجلس في بيتك([26]).
4- إنكاره على شاعر:
عن الحسن بن جهور بن زياد، عن شيخ من قريش، قال: دخل رؤبة بن العجاج على سليمان بن عبد الملك، وقد جلس للصحابة، وهيأ الجوائز، فقال:
خرجتَ بين قمر وشمسِ *** بين ابن مروان وعبد شمسِ
يا خير نفس خرجت من نفسِ
فقال له عمر بن عبد العزيز، وهو جالس إلى جنب سليمان: “كذبتَ، ذاك رسول الله -صلى الله عليه وسلم-([27]).
5- إنكاره على حكم الوليد:
عن سليمان يعني ابن موسى، أنه بلغه أن قوماً من الأعراب خاصموا إلى عمر بن عبد العزيز قوماً من بني مروان في أرض كانت الأعراب أحيوها، فأخذها الوليد بن عبد الملك، فأعطاها بعض أهله، فقال عمر بن عبد العزيز: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((البلاد بلاد الله، والعباد عباد الله، من أحيا أرضاً ميتاً فهي له)) فردها على الأعراب([28]).
6- إنكاره على رباح بن عبيدة:
عن رباح بن عبيدة قال: كنتُ قاعداً عند عمر بن عبد العزيز، فذكر الحجاج فشتمته، ووقعت فيه، فقال عمر: مهلاً يا رباح، إنه بلغني أن الرجل ليظلم بالمظلمة، فلا يزال المظلوم يشتم الظالم، وينتقصه، حتى يستوفي حقه، فيكون للظالم عليه الفضل([29]).
7- إنكاره على حرمان نساء بني مروان من الميراث:
عن ابن وهب قال: حدثني مالك، أن عمر بن عبد العزيز، كان عند سليمان، فقال له عمر يوماً: ما حق هذه المرأة لا تدفعها..، (ح) وعن طلحة بن عبد الملك الأيلي قال: دخل عمر بن عبد العزيز على سليمان بن عبد الملك وعنده أيوب ابنه -وهو يومئذٍ ولي عهده قد عقد له من بعده- فجاء إنسان يطلب ميراثاً من بعض نساء الخلفاء، فقال سليمان: ما أخال النساء يرثن في العقار شيئاً، فقال عمر بن عبد العزيز: سبحان الله! وأين كتاب الله؟! فقال: يا غلام اذهب فأتني بسجل عبد الملك بن مروان الذي كتب في ذلك، فقال له عمر: لكأنك أرسلت إلى المصحف؟!
قال أيوب: والله ليوشكن الرجل يتكلم بمثل هذا عند أمير المؤمنين، ثم لا يشعر حتى تفارقه رأسه، فقال له عمر: إذا أفضى الأمر إليك وإلى مثلك، فما يدخل على هؤلاء أشد مما خشيت أن يصيبهم من هذا، فقال سليمان: مه، ألأبي حفص تقول هذا؟ قال عمر: والله لئن كان جهل علينا يا أمير المؤمنين ما حلمنا عنه([30]).
وعن مالك: أن عمر بن عبد العزيز كان عند سليمان بن عبد الملك، وهو بمنزله، وكان سليمان يقول: ما هو إلا أن يغيب عني هذا الرجل، فما أجد أحداً يفقه عني، فقال له عمر بن عبد العزيز: ما حق هذه المرأة ألا تدفعه إليها؟ قال: وأي امرأة؟ قال: فاطمة بنت عبد الملك، فقال سليمان: أو ما علمت وصية أمير المؤمنين عبد الملك، قم يا فلان، فأتني بكتاب أمير المؤمنين -وكان كتب أنه ليس للبنات شيء-، فقال له عمر: إلى المصحف أرسلته! فقال ابن لسليمان عنده: ما يزال من رجال يعيبون كتب الخلفاء وأميرهم، حتى تضرب وجوههم، فقال عمر: إذا كان هذا الأمر إليك وإلى ضربائك كان ما يدخل على العامة من ضرر ذلك أشد مما يدخل على ذلك الرجل من ضرب وجهه، فغضب عند ذلك سليمان فسب ابنه ذلك، قال: أتستقبل أبا حفص بهذا! فقال عمر: إن كان عجل علينا فقد استوفينا([31]).
8- إنكاره على نوم المرأة مستلقية:
عن قبيصة بن عقبة، قال: حدثنا سفيان قال: بلغني أن عمر بن عبد العزيز رأى امرأة له، أو ابنة له نائمة مستلقية، فنهاها([32]).
وعن عبد الله بن مسلم بن هرمز قال: حدثتني حميدة حاضنة عمر بن عبد العزيز، أن عمر بن عبد العزيز كان ينهى بناته أن ينمن مستلقيات، وقال: لا يزال الشيطان مطلاً على إحداكن إذا كانت مستلقية يطمع فيها([33]).
9- إنكاره على من يسب معاوية:
عن أحمد بن محمد بن الوليد الأزرقي، قال: أخبرنا عدة من أصحابنا سليمان بن عمر بن عبد الله ومحمد بن سليمان ومحمد بن دينار عن محمد بن مسلم الطائفي عن إبراهيم بن ميسرة، قال: ما رأيتُ عمر بن عبد العزيز ضرب أحداً في خلافته غير رجل واحد، تناول من معاوية فضربه ثلاثة أسواط([34]).
10- إنكاره على من كتب في الأرض “باسم الله”:
عن علي بن محمد عن عمرو بن جبلة عن محمد بن الزبير الحنظلي، قال: رأى عمر بن عبد العزيز رجلاً يكتب على الأرض بسم الله الرحمن الرحيم، فنهاه، وقال: لا تعد([35]).
11- إنكاره على استكتاب كاتب الحجاج:
دخل يزيد بن أبي مسلم القيسي على سليمان بن عبد الملك، بعد وفاة الحجاج، وكان يزيد دميماً قصيراً، فقال له سليمان: ما جاء بك؟ من استكتبك؟ ومن قلدك قبحك الله؟ فقال له يزيد: يا أمير المؤمنين، نظرت إلي، وقد أدبر أمري، فصغر في عينك ما عظم ما عظم في عين غيرك، فقال له سليمان: أترى صاحبك يهوي بعد في النار أم قد استقر؟ قال: يا أمير المؤمنين إنه يحشر غداً بين أبيك وأخيك، فضعهما حيث شئت، قال: ثم كشفه سليمان، فلم يجد عليه خيانة ديناراً ولا درهماً، فهم باستكتابه.
فقال له عمر بن عبد العزيز: أنشدك الله يا أمير المؤمنين ألا تحيي ذكر الحجاج باستكتابك كاتبه، فقال: يا أبا حفص إني كشفته فلم أجد عليه خيانة، فقال عمر: أنا أوجدك من هو أعف عن الدينار والدرهم منه، فقال له سليمان: ومن هذا؟ قال: إبليس ما مس ديناراً، ولا درهماً بيده، وقد أهلك هذا الخلق، فتركه سليمان([36]).
12- إنكاره على جرير مدحه له:
قال عبد الحليم بن محمد: قدم جرير بن الخطفي على عمر بن عبد العزيز، فدخل عليه، قال: فذهب ليقول، فنهاه عمر.
فقال: يا أمير المؤمنين، إني إنما أذكر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: أما رسول الله صلى الله عليه وسلم- فاذكر؟ فقال:
إن الذي ابتعث النبي محمداً *** جعل الخلافة للأمير العادلِ
رد الظالم حقها بيقينها *** عن جورها وأقام ميل المائلِ
إني لأرجو منك خيراً عاجلاً *** والنفس موزعة بحب العاجلِ
فقال له عمر: ما أجد لك في كتاب الله حقاً! فقال: بلى يا أمير المؤمنين، أنني ابن سبيل: قال: فأمر له من خاصة ماله: خمسين ديناراً([37]).
13- إنكاره على زوجته:
عن الفرات بن السائب، أن عمر بن عبد العزيز قال لامرأته فاطمة بنت عبد الملك -وكان عندها جوهر أمر لها أبوها به لم ير مثله-: اختاري، إما أن تردي حليك إلى بيت المال، وإما تأذني لي في فراقك، فإني أكره أن أكون أنا وأنت وهو في بيت واحد، قالت: لا بل أختارك يا أمير المؤمنين عليه، وعلى أضعافه لو كان لي، قال: فأمر به، فحمل حتى وضع في بيت مال المسلمين، فلما هلك عمر، واستخلف يزيد، قال لفاطمة: إن شئتِ يردونه عليك، قالت: فإني لا أشاؤه، طبت عنه نفساً في حياة عمر، وأرجع فيه بعد موته؟ لا والله أبداً، فلما رأى ذلك قسمه بين أهله وولده([38]).
14- إنكاره على من يقول عن يزيد “أمير المؤمنين”:
قيل: إن رجلاً قال في مجلس عمر بن عبد العزيز عن يزيد هذا أمير المؤمنين؛ فقال له عمر بن عبد العزيز: تقول: أمير المؤمنين! وأمر به فضرب عشرين سوطاً، تعزيراً له([39]).
15- إنكاره على التعدي في الدعاء:
عن محمد بن الوليد قال: مر عمر بن عبد العزيز برجل، وفي يده حصاة يلعب بها، وهو يقول: اللهم زوجني من الحور العين، فمال إليه عمر، فقال: بئس الخاطب أنت، ألا ألقيت الحصاة، وأخلصت إلى الله الدعاء؟([40]).
16- إنكاره على ابنه السرف:
عن ابن عائشة عن أبيه قال: بلغ عمر بن عبد العزيز أن ابناً له اشترى فصاً بألف درهم، فتختم به، فكتب إليه عمر:
عزيمة مني إليك، لما بعت الفص الذي اشتريت بألف درهم، وتصدقت بثمنه، واشتريت فصاً بدرهم واحد، ونقشت عليه: رحم الله امرأ عرف قدره، والسلام([41]).
17- إنكاره على المكس:
عن كريز بن سليمان، أن عمر بن عبد العزيز، كتب إلى عامله عبد الله بن عون على فلسطين: أن اركب إلى البيت الذي يقال له: المكس، فاهدمه، ثم احمله إلى البحر، فانسفه في اليم نسفاً([42]).
18- إنكاره على النياحة على ابنه:
عن الحسن بن عبد العزيز قال: كتب إلينا ضمرة عن رجاء بن أبي سلمة، قال: لما مات عبد الملك بن عمر بن عبد العزيز، كتب إلى الأمصار ينهى أن يناح عليه، وكتب: إن الله أحب قبضه، وأعوذ بالله أن أخالف محبته([43]).
19- إنكاره على من زور خاتم الخليفة:
عن الأوزاعي قال: نقش رجل على خاتم عمر بن عبد العزيز، فحبسه خمس عشرة ليلة، ثم خلى سبيله([44]).
وعن الكندي الكوفي أنه وفد على عمر بن عبد العزيز، وحدث عنه قال: أقمنا عند عمر بن عبد العزيز بخناصرة أربعين يوماً، قال: فأتي برجلٍ قد نقش على خاتم الخلافة، فقال: ويح ما حملك على هذا؟ قال: الطمع والشيطان، فقال لجلسائه من قريش وأهل الشام: ما ترون في هذا؟ قالوا: الرأي فيه مستقيم، تقطع يده، قال: لكني أرى غير ذلك، هذا رجل هم بسرقة ولم يسرق، قال: فاستحلف أن لا يعود، وأمر بعض من عنده فعزره سوطين، أو ثلاثة، وخلى سبيله([45]).
20- إنكاره على من دعا له بطول العمر:
عن طلحة بن يحيى قال: كنتُ جالساً عند عمر بن عبد العزيز، فدخل عليه عبد الأعلى بن هلال، فقال: أبقاك الله يا أمير المؤمنين ما دام البقاء خيراً لك، قال: قد فرغ من ذاك يا أبا النضر، ولكن قل: أحياك الله حياة طيبة، وتوفاك من الأبرار([46]).
وعن قبيصة بن عقبة قال: حدثنا سفيان عن رجل عن عمر بن عبد العزيز، قال: قال له رجل: أبقاك الله، فقال: هذا قد فرغ منه، ادعُ بالصلاح([47]).
21- إنكاره على من يلحن في كلامه:
عن عثمان بن عبد الحميد بن لاحق، قال: سمعتُ أبي يقول: قرأ رجل عند عمر بن عبد العزيز سورة، وعنده رهط، فقال بعض القوم: لحن، فقال له عمر: أما كان فيما سمعتَ ما يشغلك عن اللحن؟!([48]).
22- إنكاره على كاتب أساء في الاستدلال:
عن أحمد بن عبد الله بن يونس، قال: سمعتُ بعض شيوخنا يذكر أن عمر بن عبد العزيز أتي بكاتب يخط بين يديه، وكان مسلماً، وكان أبوه كافراً نصرانياً، أو غيره، فقال عمر للذي جاء به: لو كنتَ جئتَ به من أبناء المهاجرين، قال: فقال الكاتب: ما ضر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كفر أبيه، قال: فقال عمر: وقد جعلته مثلاً؟ لا تخط بين يدي بقلم أبداً([49]).
23- إنكاره على مخالفة بعض الآداب:
عن عبد العزيز بن أبي حازم عن أسامة قال: كان عمر بن عبد العزيز إذا صلى الجمعة، بعث الحرس، وأمرهم أن يقوموا على أبواب المسجد، ولا يمر عليهم رجل مصفف شعره، لا يفرقه، إلا جزوه([50]).
24- إنكاره على غلامه:
عن أبي عثمان الثقفي، قال: كان لعمر بن عبد العزيز غلام، يعمل على بغل له، يأتيه بدرهم كل يوم، فجاءه يوماً بدرهم ونصف، فقال: ما بدا لك؟! فقال: نفقت السوق، قال: لا، ولكنك أتعبت البغل، أرحه ثلاثة أيام([51]).
25- إنكاره على السجود على كور العمامة:
عن وكيع عن ابن علاثة أن عمر بن عبد العزيز قال لرجل: لعلك فيمن يسجد على كور العمامة([52]).
26- إنكاره على عدم سد الفرج:
عن يونس بن أبي شبيب قال: شهدت عمر بن عبد العزيز في بعض الأعياد، وقال: جاء أشراف الناس، حتى حفوا بالمنبر، وبينهم وبين الناس فرجة، فلما جاء عمر صعد المنبر وسلم عليهم، فلما رأى الفرجة أومأ إلى الناس أن تقدموا، فتقدموا حتى اختلطوا بهم([53]).
27- إنكاره على عادة سب علي:
عن جعونة قال: كان لا يقوم أحد من بني أمية إلا سب علياً، فلم يسبه عمر بن عبد العزيز، فقال كثير عزة:
وليت فلم تشتم علياً ولم تخف *** برياً ولم تتبع سجية مجرمِ
وقلت فصدقت الذي قلت بالذي *** فعلت فأضحي راضياً كل مسلم([54]).
وقال ابن الأثير: إلى أن ولي عمر بن عبد العزيز الخلافة، فترك ذلك، وكتب إلى العمال في الآفاق بتركه…، وقرأ عوضه: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى} [النحل (90)] الآية، فحل هذا الفعل عند الناس محلاً حسناً، وأكثروا مدحه بسببه([55]).
28- إنكاره على بعض عماله:
عن يحيى بن كثير، أن عامل عمان كتب إلى عمر بن عبد العزيز -رضي الله عنه-: إنا أتينا بساحرة، فألقيناها في الماء، فطفت.
فكتب إليه عمر بن عبد العزيز: لسنا من الماء في شيء، إن قامت البينة، وإلا فخل سبيلها[56].
29- إنكاره على الأخذ بالتهمة:
قال ابن جريج: ورأى سليمان بن عبد الملك في خلافته غلاماً له، أو بعض أهله يزني بامرأة له من إمائهم، أو غيرها من أهليهم، فهم بإقامة الحد عليه، فنهاه عمر بن عبد العزيز أن يأخذ بشهادته حتى يشهد أربعة([57]).
30- إنكاره على التلاعب بالشهادة:
عن عبد الرحمن بن حسن عن أبيه، قال: حضرتُ عمر بن عبد العزيز، وهو يختصم إليه ناس من قريش، فطفق بعضهم يرفد بعضاً، فقال لهم عمر: إياي والترافد، لو كان هذا أمراً تقدمت إليكم فيه لأنكرتموني، قال: ثم جاءه شهود يشهدون، فطفق المشهود عليه يحمج إلى الشاهد النظر، فقال عمر: يا ابن سراقة، يوشك الناس أن لا يشهد بينهم بحق، إني لأراه يحمج إلى الشاهد النظر، فأيما رجل آذى شاهد عدل، فاضربه ثلاثين سوطاً، وقفه للناس([58]).
مروياته الاحتسابية
1- عن مالك، عن إسماعيل بن أبي حكيم، أنه أخبره أنه سمع عمر بن عبد العزيز كان يقال: إن الله -تبارك وتعالى- لا يعذب العامة بذنب الخاصة، ولكن إذا عمل المنكر جهاراً، استحقوا العقوبة كلهم([59]).
2- وعن إبراهيم بن إسماعيل بن أبي حبيبة قال: قال عمر بن عبد العزيز -رحمة الله عليه-: لو أن المرء لا يعظ أخاه، حتى يحكم أمر نفسه، ويكمل الذي خلق له من عبادة ربه، إذا لتواكل الناس الخير، وإذا يرفع الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، وقل الواعظون والساعون لله -عز وجل- بالنصيحة في الأرض([60]).
3- قال عمر بن عبد العزيز: ما أغبط رجلاً لم يصبه في هذا الأمر -أي الأمر والنهي- أذى([61]).
4- عن الليث بن سعد، عن يحيى بن سعيد، عن سليمان بن سعد، عن ابن شهاب، أن رجلاً أتى عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-، فقال: كيف تأمرني ألا أبالي في الله لومة لائم، أم أقبل على خويصة نفسي، فقال له عمر -رضي الله عنه-: إن وليتَ شيئاً من أمر الناس، فلا تبالي في الله لومة لائم، فإن لم تل شيئاً، فأقبل على نفسك، ومر بالمعروف، وانه عن المنكر.
قال ابن شهاب: فذكرته لعمر بن عبد العزيز، فقام بها على المنبر، فقلت له: ما حملك على هذا؟ قال: إني لم أسمك([62]).
المدرسة الاحتسابية العمرية:
هذا جزء يسير من احتساب الخليفة العادل، عمر بن عبد العزيز -رضي الله عنه وأرضاه-، فقد كان إماماً في الحسبة والاحتساب، قال بالحق، وحمله على نفسه، وأهله، وعلى غيره.
والمتأمل في هذه المدرسة العمرية الاحتسابية، يجدها تمتاز بميزة بارزة، إلا وهي مراعاة المصالح والمفاسد، أثناء الحسبة، والتدرج بالناس من الأخف إلى الأثقل؛ لئلا ينفروا، وكان ذلك منه لعظم فقهه، وعلمه بأحوال الناس، وما يصلحهم.
فعن جويرية بن أسماء، قال: قال عبد الملك بن عمر بن عبد العزيز لأبيه عمر: ما يمنعك أن تنفذ لرأيك في هذا الأمر، فو الله ما كنت أبالي أن تغلي بي وبك القدور في إنفاذ هذا الأمر، فقال عمر: إني أروض الناس رياضة الصعب، فإن أبقاني الله مضيتُ لرأيي، وإن عجلت علي منية، فقد علم الله نيتي، إني أخاف إن بادهتُ الناس بالتي تقول، أن يلجئوني إلى السيف، ولا خير في خير لا يجيء إلا بالسيف([63]).
وهكذا نجده حتى مع أقاربه، فأنه لما أراد حملهم على إرجاع ما بأيديهم من بيت المال، فوجد أن هذا الأمر سيؤدي إلى مفاسد كبيرة، تركه:
فقد جاء عن مالك، أن عمر بن عبد العزيز ذكر ما مضى من العدل والجور، وعنده هشام بن عبد الملك، فقال هشام: إنا والله لا نعيب آباءنا، ولا نضع شرفنا في قومنا، فقال عمر: وأي عيب أعيب مما عابه القرآن؟([64]).
وعن جويرية بن أسماء قال: قال عمر بن عبد العزيز لحاجبه: لا يدخلن عليّ اليوم إلا مرواني، فلما اجتمعوا عنده حمد الله، وأثنى عليه، ثم قال: يا بني مروان، إنكم قد أعطيتم حظاً وشرفاً وأموالاً، إني لأحسب شطر أموال هذه الأمة أو ثلثه في أيديكم؟ فسكتوا، فقال عمر: ألا تجيبوني؟ فقال رجل من القوم: والله لا يكون ذلك، حتى يُحال بين رؤوسنا وأجسادنا، والله لا نكفر آباءنا، ولا نفقر أبناءنا، فقال عمر: والله لولا أن تستعينوا علي بمن أطلب هذا الحق له لأصعرت خدودكم، قوموا عني([65]).
فرحمك الله يا عمر! لقد كنتَ خليفةً عادلاً، وإماماً زاهداً، ومحتسباً عظيماً، فقد اشتاقت نفسك للجنة، واشتاقت لك الجنة، لقد قلتَ: كانت لي نفس تواقة، فكنتُ لا أبالي منها شيئاً، إلا تاقت إلى ما هو أعظم، فلما بلغت نفسي الغاية تاقت إلى الآخرة([66]).
([2]) انظر ترجمته: في حلية الأولياء وطبقات الأصفياء (5/ 254) والبداية والنهاية ط إحياء التراث (9/ 217) وسير أعلام النبلاء، ط الرسالة (5/ 114) والأعلام للزركلي (5/50) وغيرها.
([36]) تاريخ دمشق لابن عساكر (65/ 392) وفيات الأعيان (6/ 310) والوافي بالوفيات (28/41) وأخبار وحكايات للغساني (ص: 27-31).
([59]) شعب الإيمان (10/ 80- 7197) الزهد والرقائق لابن المبارك والزهد لنعيم بن حماد (1/ 476-1351) والسنن الواردة في الفتن للداني (3/ 693-328) و حلية الأولياء وطبقات الأصفياء (5/ 298) والأمر بالمعروف لعبد الغني المقدسي (ص: 23-24) والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لابن أبي الدنيا (ص: 102-66) والعقوبات لابن أبي الدنيا (ص: 51-55) وموطأ مالك رواية أبي مصعب الزهري (2/ 171-2093).