احتساب مجاهد بن جبر رحمه الله
(21 – 104 هـ = 642 – 722 م)
اسمه:
هو مجاهد بن جبر، أبو الحجاج، المكيّ، مولى بني مخزوم، تابعي، مفسر من أهل مكة([1]).
مناقبه وفضله:
قال عنه الذهبي: “المكي، المقرئ، المفسر، أحد الأعلام”([2]).
وسمع الفضل بن ميمون مجاهدًا يقول: عرضت القرآن على ابن عباس ثلاثين مرة.
وعن مجاهد قال: “عرضت القرآن على ابن عباس ثلاث عرضات، أقف عند كل آية، أسأله فيم نزلت وكيف كانت”([3]).
وقال حبيب بن صالح: “سمعت مجاهدًا يقول: استفرغ علمي القرآن”([4]).
سمع سعد بن أبي وقاص، وعائشة، وأم هانئ، وأبا هريرة، وأسيد بن ظهير، وابن عباس، ولزمه مدة طويلة، وعبد الله بن عمرو، ورافع بن خديج، وابن عمر، وخلقًا سواهم.
وعنه: عكرمة، وطاوس، وجماعة من أقرانه، وقتادة، ومنصور، والأعمش، وعمرو بن دينار، وأيوب السختياني، وابن عون، وعمر بن ذر، وعبد الله بن أبي نجيح، ومعروف بن مشكان، وخلق([5]).
وقال الثوري: “خذوا التفسير، عن أربعة: مجاهد، وسعيد بن جبير، وعكرمة، والضحاك.
وقال خصيف: كان مجاهد أعلمهم بالتفسير.
وقال قتادة: أعلم من بقي بالتفسير مجاهد”([6]).
وقال ابن معين وجماعة: مجاهد ثقة.
وقال سلمة بن كهيل: ما رأيت أحدًا يريد بهذا العلم وجه الله إلا هؤلاء الثلاثة: عطاء، ومجاهد، وطاوس”([7]).
وعن شعبة، عن رجل سمع مجاهدًا يقول: صحبت ابن عمر، وأنا أريد أن أخدمه، فكان يخدمني”([8]).
سيرته الاحتسابية
كان لمجاهد بن جبر رحمه الله الكثير من المواقف الاحتسابية، نذكر شيئًا منها:
1- إنكاره على رجل كبّر بصوت منخفض في العشر:
عن مسكين أبي هريرة قال: سمعت مجاهدًا، وكبَّر رجل أيام العشر، فقال مجاهد: “أفلا رفع صوته، فلقد أدركتهم، وإن الرجل ليكبر في المسجد، فيرتج بها أهل المسجد، ثم يخرج الصوت إلى أهل الوادي، حتى يبلغ الأبطح، فيرتج بها أهل الأبطح، وإنما أصلها من رجل واحد”([9]).
2- إنكاره على المبتدعة:
عن مجاهد، قال: قلت لابن عباس: إني أردت أن آتيك برجل يتكلم في القدر، فقال: “لو أتيتني به لَأَسَبْتُ له وجهه، ولأوجعت رأسه، لا تجالسهم، ولا تكلمهم”([10]).
وعن عبد الله بن عثمان بن خثيم، عن مجاهد، قال: قلت لابن عباس: إني أريد أن آتيك برجل منهم، يتكلم في القدر. قال: “لو أتيتني به لأشنن له وجهه، ولأوجعت رأسه، لا تجالسهم، ولا تكلمهم”([11]).
وعن سليمان التيمي عن مجاهد، قال: “أتيت ابن عباس برجل، فقلت: يا ابن عباس هذا يكلمك في القدر، قال: “أدنه مني” فقلت: هو ذا تريد أن تقتله؟ قال: إي والذي نفسي بيده، لو أدنيته مني لوضعت يدي في عنقه، فلم يفارقني حتى أدقها”([12]).
وعن مجاهد قال: قلت لابن عباس: إن ناسًا يُكذِّبون بالقدر، قال: إنهم يُكذِّبون بكتاب الله، لآخذن بشعر أحدهم فلأنصونه([13])، ثم قال: إن الله عز وجل كان على عرشه قبل أن يخلق شيئًا، فكان أول ما خلق القلم، فجرى بما هو كائن إلى يوم القيامة، فإنما يجري الناس على أمر قد فرغ منه”([14]).
وعن مجاهد، قال: ذُكر القدرية عند ابن عباس فقال: “لو رأيت أحدًا منهم عضضت أنفه”([15]).
وعن مجاهد، قال: أتيت ابن عباس برجل من هذه المفوضة، فقلت: يا ابن عباس هذا رجل يكلمك في القدر، قال: أدنه مني، فقلت: هو ذا هو، فقال: أدنه، فقلت: هو ذا هو تريد أن تقتله؟ قال: “إي والذي نفسي بيده، لو أدنيته مني لوضعت يدي في عنقه، فلم يفارقني حتى أدقها”([16]).
3- إنكاره على أحد الجن:
قال حصين، عن مجاهد: بينا أنا أصلي، إذ قام مثل الغلام ذات ليلة، فشددت عليه لآخذه، فوثب، فوقع خلف الحائط، حتى سمعت وقعته، ثم قال: إنهم يهابونكم، كما تهابونهم من أجل ملك سليمان([17]).
وعن الأعمش، عن مجاهد، قال: كنت أَلقَى من رؤية الغول والشياطين بلاء وأرى خيالًا، فسألت ابن عباس، فقال: “أجزه على ما رأيت، ولا تفرق منه، فإنه يفرق منك كما تفرق منه، ولا تكن أجبن السوادين” قال مجاهد: “فرأيته فأسندت عليه بعصا، حتى سمعت وقعته”([18]).
4- إنكاره على أهل الأهواء:
عن الوليد بن زياد، عن مجاهد، قال: “يبتدئون فيكونون مرجئة، ثم يكونون قدرية، ثم يصيرون مجوسًا”([19]).
وعن طلحة عن مجاهد، قال: “لا تجالسوا أهل الأهواء، فإن لهم عرة([20]) كعرة الجرب”([21]).
وعن الأعمش، عن مجاهد قال: “ما أدري أي النعمتين على أعظم؟ أن هداني للإسلام، أو عافاني من هذه الأهواء”([22]).
5- إنكاره على من يلتفت في الصلاة:
عن عبد العزيز بن رفيع، عن مجاهد قال: “ما يأمن هذا الذي يلتفت في الصلاة أن يقلب الله وجهه، الله مقبل عليه، وهو ملتفت عنه”([23]).
6- إنكاره على رجل:
عن ابن أبي نجيح، قال: قال رجل عند مجاهد: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “الواحد شيطان، والاثنان شيطانان”.
فقال مجاهد: “قد بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم دحية وحده، وبعث عبد الله وخبَّابًا سرية، ولكن قال عمر: كونوا في أسفاركم ثلاثة، فإن مات واحد وَليه اثنان، الواحد شيطان، والاثنان شيطانان”([24]).
7- إنكاره على من لم يحسن الدعاء:
عن عثمان بن الأسود، عن مجاهد، قال: لا تقل تصدَّق علي، إنما يتصدق من يبتغي الثواب([25]).
8- خروجه في الغزو وهو نوع من الحسبة:
عن مجاهد، قال: كنت في الغزو، فلما رجعت قال لي ابن عمر رضي الله عنه: يا مجاهد، كَفَر الناس بعدك، هذا ابن الزبير وأهل الشام يقتل بعضهم بعضًا”([26]).
وعن قيس بن سعد، عن مجاهد قال: سألت ابن عمر عن الغزو مع أئمة الجور، وقد أحدثوا فقال: اغزوا”([27]).
أقواله المأثورة
كان لمجاهد بن جبر رحمه الله الكثير من الأقوال المأثورة، منها:
1- عن مجاهد، قال: “لا يُقتل في الحرب الصبي ولا امرأة ولا الشيخ الفاني، ولا يُحرق الطعام ولا النخل ولا تخرب البيوت، ولا يقطع الشجر المثمر”([28]).
2- وعن ليث، عن مجاهد، قال: “الميسر القمار كله، حتى الجوز الذي يلعب به الصبيان”([29]).
3- وعن الأعمش، قال: كنا عند مجاهد فقال: القلب هذا وبسط كفه، فإذا أذنب الرجل ذنبًا، قال: هكذا فعقد واحدًا، ثم إذا أذنب عقد اثنين، ثم ثلاثًا، ثم أربعًا، ثم رد الإبهام على الأصابع في الذنب الخامس، فطُبع على قلبه، قال مجاهد: فأيكم يرى أنه لم يطبع على قلبه؟([30]).
4- وعن عبد الله بن الأجلح الكندي عن أبيه عن مجاهد قال: “طلبنا هذا العلم، وما لنا فيه نية، ثم رزق الله بعد النية”([31]).
5- وعن مجاهد، قال: “إذا ظهرت معاصي بني آدم قحط المطر، فلم تنبت الأرض، فإذا لم تنبت الأرض جاعت البهائم، فإذا جاعت البهائم لعنت بني آدم، قال: فاللاعنون: البهائم”([32]).
6- وعن خلاد بن عبد الرحمن، عن مجاهد، قال: “يكون في آخر الزمن قوم يصبغون بالسواد لا ينظر الله إليهم، أو قال: لا خلاق لهم”([33]).
7- وعن ليث، عن مجاهد، قال: “لا تحضر الملائكة شيئًا من لهوكم، إلا رميًا، أو رهانًا”([34]).
8- وعن العوام، عن مجاهد قال: إذا اختلف الناس في شيء، فانظروا ما صنع عمر، فخذوا به([35]).
9- وعن مجاهد قال: “ليس أحد بعد النبي صلى الله عليه وسلم إلا يؤخذ من قوله ويترك، إلا النبي صلى الله عليه وسلم”([36]).
10- وعن يزيد، عن مجاهد، قال: “الإيمان يزيد وينقص، قول وعمل”([37]).
11- وعن الأعمش، عن مجاهد، قال: “المكر والخديعة والخيانة في النار، وليس من أخلاق المؤمن المكر ولا الخيانة”([38]).
12- وقال مجاهد: “لا يتعلم العلم مستحي ولا مستكبر”([39]).
13- وعن ليث، عن مجاهد قال: “إن الكلام ليكتب، حتى إن الرجل ليسكت ابنه: أبتاع لك كذا وكذا، وأفعل كذا وكذا، فيكتب كذيبة”([40]).
14- وعن مجاهد قال: “لو أن الذي يعمل ذلك العمل -يعني عمل قوم لوط- اغتسل بكل قطرة في السماء، وكل قطرة في الأرض لم يزل نجسًا”([41]).
15- وعن منصور، عن مجاهد قال: “من كثر خدمه كثرت شياطينه”([42]).
16- وعن ليث عن مجاهد قال: “لا تقل: زرعت، ولكن قل: حرثت، إن الله هو الزارع”([43]).
17- وعن ليث، عن مجاهد قال: “لا تضع المسلمة خمارها عند مشركة، ولا تقبلها؛ لأن الله تعالى يقول: {أَوْ نِسَائِهن} [النور: 31] فليس من نسائهن”([44]).
18- وعن الأعمش، عن مجاهد، قال: “كانوا يكرهون أن يمحى اسم الله بالريق”([45]).
مروياته المتعلقة بالحسبة
1- عن مجاهد قال: حدثني مولى لنا، أنه سمع جدي، يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: “إن الله لا يعذب العامة بعمل الخاصة، حتى يروا المنكر بين ظهرانيهم، وهم قادرون على أن ينكروه فلا ينكروه، فإذا فعلوا ذلك، عذَّب الله الخاصة والعامة”([46]).
2- وعن منصور، عن مجاهد، قال: هاجت ريح، أو هبت ريح فسبوها، فقال ابن عباس: لا تسبوها، فإنها تجيء بالرحمة وتجيء بالعذاب، ولكن قولوا: اللهم اجعلها رحمة، ولا تجعلها عذابًا”([47]).
3- وعن إبراهيم، عن مجاهد، قال: دخل قاص فجلس قريبًا من ابن عمر، فقال له: “قم” فأبى أن يقوم، فأرسل إلى صاحب الشرط، فأرسل إليه شرطيًا فقام([48]).
وعن مجاهد قال: كنا جلوسًا في المسجد فجاء قاص، فجلس قريبًا من ابن عمر، فجعل يقص، فأرسل إليه ابن عمر: لا تؤذنا، أو قم عنا، فأبى، فأرسل إلى صاحب الشرط، فبعث شرطيًّا فأقامه([49]).
4- وعن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قال: “أتيت عبد الرحمن بن أبي ليلى، ومعي تبر، فقال: أتريد أن تحلي به مصحفًا؟ قلت: لا، قال: لتحلي به سيفًا؟ قال: قلت: أحلي به ابنتي؟ قال: هل عسيت أن تجعلها أجراسًا، فإنها تكره”([50]).
5- وعن مجاهد، قال: كنت مع ابن عمر فثوَّب رجل في الظهر أو العصر، قال: “اخرج بنا فإن هذه بدعة”([51]).
6- وعن ليث، عن مجاهد، قال: كنتُ مع ابن عمر، فسمع صوت طبل، فأدخل إصبعيه في أذنيه، ثم تنحى، حتى فعل ذلك ثلاث مرات، ثم قال: هكذا فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم([52]).
7- وعن ليث، عن مجاهد، قال: مر ابن مسعود برجلين يتكلمان بعد طلوع الفجر، فقال: “يا هذان، إما أن تصليا، وإما أن تسكتا”([53]).
8- وعن ليث، عن مجاهد، قال: “أُدخلت على عائشة صبية عليها جلاجل، فقالت: “مالي أراك منفرة الملائكة؟ أخرجوها عني”([54]).
9- وعن يعلى بن عطاء، عن مجاهد، قال: غبت عن ابن عمر، فلما قدمت أتيته بعد ذلك، فقال لي: “أشعرت أن الناس كفروا بعدك” يعني: قتل بعضهم بعضًا([55]).
10- وعن مجاهد، قال: كنا مع عبد الله بن عمر في الطواف، فنظر إلى رجل يطوف كالبدوي طويل مضطرب حجرة من الناس، فقال: “أي شيء تصنع ها هنا؟” قال: أطوف، فقال: “مثل الجمل تخبط، ولا تستلم، ولا تكبر، ولا تذكر الله تعالى؟” ثم قال له: “ما اسمك؟” قال: حنين، قال: فكان ابن عمر إذا رأى الرجل لا يستلم الركن، قال: “أحنيني هو؟”([56]).
11- وعن ليث عن مجاهد قال: “مر ابن عمر بقوم يلعبون بالشهاردة، فأحرقها بالنار”([57]).
12- وعن مجاهد قال: كُتِبَ إلى عمرَ: يا أميرَ المؤمنين، رجلٌ لا يَشتهي المعصيةَ، ولا يَعملُ بها أفضلُ، أم رجلٌ يَشتهي المعصيةَ، ولا يَعملُ بها؟ فكَتَب عمرُ رضي الله عنه:
إنَّ الذين يشتهون المعصيةَ، ولا يعملون بها، أولئك الذين امتحن اللهُ قلوبَهم للتقوى، لهم مغفرةٌ وأجرٌ عظيمٌ”([58]).
13- وعن الأعمش حدثنا مجاهد قال: قال عبد الله بن عمر: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “ائذنوا للنساء إلى المسجد بالليل”، قال: فقال ابن لعبد الله بن عمر: والله لا نأذن لهن، يتخذن ذلك دغلًا لحاجتهن، قال: فانتهره عبد الله، قال: أف لك! أقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتقول: لا أفعل؟!([59]).
14- وعن منصور عن مجاهد، قال: كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه إذا سمع الحادي، قال: لا تُعرِّض بذكر النساء”([60]).
15- وعن مجاهد، قال: “سئل ابن عمر إن جارًا لنا يقول: القرآن مخلوق، فغضب، ثم قال: أف أف، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: “من قال: القرآن مخلوق، فقد كفر بالله عز وجل”([61]).
16- وعن مجاهد قال: “مر عمر بن الخطاب على ابن له وهو يصلي ورأسه معقوص فجبذه حتى صرعه”([62]).
17- وعن مجاهد قال: “مر حذيفة بابنه وهو يصلي، وله ضفرتان قد عقصهما، فدعا بشفرة فقطع بإحداهما، ثم قال: “إن شئت فاصنع الأخرى كذا، وإن شئت فدعها”([63]).
18- وعن مجاهد قال: “رأى سليمان حذيفة يؤمهم على دكان من جص، فقال: تأخر، فإنما أنت رجل من القوم، فلا ترفع نفسك عليهم، فقال: “صدقت”([64]).
19- وعن ليث، عن مجاهد قال: “خرجت مع ابن عمر في جنازة، فلما بلغ المقبرة سمع نائحة، أو رانة، قال: فاستقبلها، وقال لها شرَّا، وقال لمجاهد: “إنك خرجت تريد الأجر، وإن هذه تريد بك الوزر، إننا نهينا أن نتبع جنازة معها رانة“ قال: فرجع، ورجعت معه“([65]).
([1]) انظر ترجمته في: تاريخ الإسلام (7/ 235)، والبداية والنهاية (13/ 6)، والمنتظم في تاريخ الملوك والأمم (7/ 94)، والأعلام للزركلي (5/ 278)، وغيرها.
([20]) العَرُّ والعُرُّ والعُرَّةُ: الجربُ، وَقِيلَ: العَرُّ، بِالْفَتْحِ، الْجَرَبُ، وَبِالضَّمِّ، قُروحٌ بأَعناق الفُصلان، انظر لسان العرب (4/ 555).