احتساب يحيى بن معين
رحمه الله
(158 – 233 هـ = 775 – 848 م)
اسمه:
هو يحيى بن معين بن عون بن زياد المري، بالولاء، البغدادي، أبو زكريا([1]).
أصله ونشأته:
أصله من سرخس، ومولده بقرية (نقيا) قرب الأنبار، وكان أبوه على خراج الري، عاش ببغداد، وتوفي بالمدينة حاجاً، وصلى عليه أميرها.
وفي السير: عن العباس بن محمد قال: سمعت يحيى بن معين وسأله عباس: العنبري يا أبا زكريا من أي العرب أنت؟ قال: أنا مولى للعرب، قيل: أصل ابن معين من الأنبار، ونشأ ببغداد، وهو أسن الجماعة الكبار الذين هم علي بن المديني، وأحمد بن حنبل، وإسحاق بن راهويه، وأبو بكر بن أبي شيبة، وأبو خيثمة، فكانوا يتأدبون معه، ويعترفون له، وكان له هيبة وجلالة يركب البغلة، ويتجمل في لباسه”([2]).
فضله ومناقبه:
يحيى بن معين من أئمة الحديث، ومؤرخي رجاله، نعته الذهبي بقوله: “هو الإمام الحافظ الجهبذ، شيخ المحدثين”([3]).
وكان معين على خراج الري، فمات فخلف ليحيى ابنه ألف ألف درهم، فأنفقه كله على الحديث، حتى لم يبق له نعل يلبسه([4]).
قال أحمد بن حنبل: السماع مع يحيى بن معين شفاء لما في الصدور.
وجاءه رجل فقال: يا أبا عبد الله انظر في هذه الأحاديث، فإن فيها خطأ، قال: عليك بأبي زكريا، فإنه يعرف الخطأ ([5]).
وقال أحمد بن حنبل: كان أعلمنا بالرجال يحيى بن معين([6]).
وقال أحمد بن حنبل: ههنا رجل خلقه الله لهذا الشأن يظهر كذب الكذابين يعني: ابن معين([7]).
وقال أحمد بن حنبل: كل حديث لا يعرفه يحيى بن معين فليس هو بحديث([8]).
وعن أبي الحسن بن البراء قال: سمعت علياً -أي ابن المديني- يقول: لا نعلم أحداً من لدن آدم كتب من الحديث ما كتب يحيى بن معين([9]).
وقال عبد الخالق بن منصور: قلت لابن الرومي: سمعت أبا سعيد الحداد يقول: الناس كلهم عيال على يحيى بن مَعِين، فقال: صدَق، ما في الدنيا أحد مثله، سبق الناسَ إلى هذا الباب الذي هو فيه، لم يسبقه إليه أحد، وأما من يجيء بعد فلا ندري كيف يكون([10]).
وقال الحافظ أبو بكر الخطيب البغدادي: كان يحيى بن مَعِين إمامًا ربانيًّا، عالمًا حافظًا، ثبتًا، متقنًا([11]).
هيبته:
عن هارون بن معروف قال: قدم علينا شيخ فبكرت عليه، فسألناه أن يملي علينا، فأخذ الكتاب، وإذا الباب يدق، فقال: الشيخ من هذا؟ قال: أحمد بن حنبل، فأذن له والشيخ على حالته لم يتحرك، فإذا آخر يدق الباب، فقال: من ذا؟ قال: أحمد الدورقي، فأذن له، ولم يتحرك، ثم ابن الرومي، فكذلك، ثم أبو خيثمة فكذلك، ثم دق الباب، فقال: من ذا؟ قال: يحيى بن معين، فرأيت الشيخ ارتعدت يده، وسقط منه الكتاب([12]).
وقال يحيى بن سعيد القطان: ما قدم علي مثل هذين الرجلين أحمد بن حنبل، ويحيى بن معين([13]).
وقال أبو حاتم الرازي: إذا رأيت البغدادي يحب أحمد بن حنبل فاعلم أنه صاحب سنة، وإذا رأيته يبغض يحيى بن معين، فاعلم أنه كذاب([14]).
“سمع يحيى بن معين من: ابن المبارك، وهشيم، وإسماعيل بن عياش، وعباد بن عباد، وإسماعيل بن مجالد بن سعيد، ويحيى بن زكريا بن أبي زائدة، ومعتمر بن سليمان، وسفيان بن عيينة، وغندر، وأبي معاوية، وحاتم بن إسماعيل، وحفص بن غياث، وجرير بن عبد الحميد، وعبد الرزاق، ومروان بن معاوية، وهشام بن يوسف، وعيسى بن يونس، ووكيع، ومعن، وأبي حفص الأبار، وعمر بن عبيد، وعلي بن هاشم، ويحيى القطان، وابن مهدي، وعفان، وخلق كثير بالعراق، والحجاز، والجزيرة، والشام، ومصر.
روى عنه: أحمد بن حنبل، ومحمد بن سعد، وأبو خيثمة، وهناد بن السري، وعدة من أقرانه، والبخاري، ومسلم، وأبو داود، وعباس الدوري، وأبو بكر الصاغاني، وعبد الخالق بن منصور، وعثمان بن سعيد الدارمي، وأبو زرعة، وأبو حاتم، وإسحاق الكوسج، وإبراهيم بن عبد الله بن الجنيد، ومعاوية بن صالح الأشعري، وحنبل بن إسحاق، وصالح بن محمد جزرة، وأحمد بن أبي خيثمة، وأبو بكر أحمد بن علي المروزي، وأبو معين الحسين بن الحسن الرازي، ومحمد بن عثمان بن أبي شيبة، ومطين، ومضر بن محمد الأسدي، والمفضل بن غسان الغلابي، وأبو زرعة النصري، وأحمد بن محمد بن عبيد الله التمار، وعبد الله بن أحمد، ومحمد بن صالح كيلجة، وعلي بن الحسن ماغمة، وعبيد العجل, وحسين بن محمد، ومحمد بن وضاح، وجعفر الفريابي، وموسى بن هارون، وأبو يعلى الموصلي، وأحمد بن الحسن بن عبد الجبار الصوفي، وخلائق”([15]).
سيرته الاحتسابية
كان ليحيى بن معين رحمه الله سيرة احتسابية مليئة بالمواقف الاحتسابية، نذكر جانباً منها:
1- إنكاره على مَن يُنكر الثناء على الإمام أحمد:
عن أحمد بن القاسم بن مساور قال: كنا عند يحيى بن معين، وعنده مصعب الزبيري، فذكر رجل أحمد بن حنبل، فأطراه، وزاد، فقال له رجل: {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ} [النساء: 171].
فقال يحيى بن معين: وكان مدح أبي عبد الله غلواً؟! ذكر أبي عبد الله من مجلس الذكر، وصاح يحيى بالرجل([16]).
وعن محمد بن الحسين الأنماطي قال: كنا في مجلس فيه يحيى بن معين، وأبو خيثمة، زهير بن حرب، وجماعة من كبار العلماء، فجعلوا يثنون على أحمد بن حنبل، ويذكرون من فضائله، فقال رجل: لا تكثروا، بعض هذا القول، فقال يحيى بن معين: وكثرة الثناء على أحمد بن حنبل يستكثر؟! لو جالسنا مجالسنا بالثناء عليه ما ذكرنا فضائله بكمالها([17]).
2- إنكاره على من يذم الشافعي:
عن أبي الطيب أحمد بن روح الزعفراني قال: كنت مع يحيى بن معين في جنازة، فقال له رجل: يا أبا زكريا ما تقول في الشافعي؟
قال: دع هذا عنك لو كان الكذب له مطلقاً لكانت مروءته تمنعه أن يكذب([18]).
3- إنكاره على الوضاعين الكذابين في حديث النبوي:
وقال جعفر الطيالسي: صلى أحمد بن حنبل، ويحيى بن معين في مسجد الرصافة، فقام قاص فقال: حدثنا أحمد بن حنبل ويحيى بن معين، قالا: حدثنا عبد الرزاق، أخبرنا معمر عن قتادة عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “من قال: لا إله إلا الله، خلق الله من كل كلمة منها طيراً، منقاره من ذهب وريشه من مرجان” وأخذ في قصة نحو عشرين ورقة.
فجعل أحمد ينظر إلى يحيى، ويحيى ينظر إليه، وهما يقولان: ما سمعنا بهذا إلا الساعة، فسكتا حتى فرغ من قصصه، وأخذ قطاعه، ثم قعد ينتظر بقبتها، فأشار إليه يحيى، فجاء متوهما لنوال يجيزه، فقال: من حدثك بهذا الحديث؟ فقال: أحمد وابن معين، فقال: أنا يحيى، وهذا أحمد، ما سمعنا بهذا قط، فإن كان ولا بد من الكذب فعلى غيرنا، فقال: أنت يحيى بن معين؟ قال: نعم. قال: لم أزل أسمع أن يحيى بن معين أحمق، وما علمت إلا الساعة كأنه ليس في الدنيا يحيى بن معين وأحمد بن حنبل غيركما! كتبت عن سبعة عشر أحمد بن حنبل، ويحيى بن معين، قال: فوضع أحمد كمه على وجهه، وقال: دعه يقوم، فقام كالمستهزئ بهما.
قال الذهبي: هذه حكاية عجيبة، وراويها البكري لا أعرفه، فأخاف أن يكون وضعها([19]).
وقال محمد بن هارون الفلاس: إذا رأيت الرجل يقع في يحيى بن معين فاعلم أنه كذاب يضع الحديث، وإنما يبغضه لما يبين من أمر الكذابين([20]).
وقال الأبار في (تاريخه): قال ابن معين: كتبنا عن الكذابين، وسجرنا به التنور، وأخرجنا به خبزا نضيجا([21]).
4- إنكاره على من يستعجل في طلب الحديث:
قال جعفر بن أبي عثمان: كنا عند يحيى بن معين، فجاءه رجل مستعجل، فقال: يا أبا زكريا حدثني بشيء أذكرك به، فقال يحيى: اذكرني أنك سألتني أن أحدثك فلم أفعل([22]).
5- إنكاره على الجن:
عن عباس الدوري قال: سمعت يحيى بن معين يقول: كنت إذا دخلت منزلي بالليل قرأت آية الكرسي على داري وعيالي خمس مرات، فبينا أنا أقرأ إذا شيء يكلمني كم تقرأ هذا؟ كأن ليس إنسان يحسن يقرأ غيرك؟ فقلت: أرى هذا يسوءك؟ والله لأزيدنك، فصرت أقرؤها في الليلة خمسين، ستين مرة([23]).
6- إنكاره على محدث:
وعن عباس الدوري قال: حدثنا يحيى بن معين قال: حضرت نعيم بن حماد بمصر، فجعل يقرأ كتاباً صنفه، فقال: حدثنا ابن المبارك عن ابن عون، وذكر أحاديث، فقلت: ليس ذا عن ابن المبارك، فغضب، وقال: ترد علي؟ قلت: إي والله، أريد زينك، فأبى أن يرجع فلما رأيته لا يرجع، قلت: لا والله ما سمعت هذه من ابن المبارك، ولا سمعها هو من ابن عون قط، فغضب وغضب من كان عنده، وقام، فدخل، فأخرج صحائف، فجعل يقول: وهي بيده: أين الذين يزعمون أن يحيى بن معين ليس بأمير المؤمنين في الحديث؟ نعم، يا أبا زكريا غلطتُ، وإنما روى هذه الأحاديث غير ابن المبارك عن ابن عون([24]).
7- إنكاره على محدث آخر:
وقال أحمد: كنا نختلف إلى بهز بن أسد، أنا، ويحيى بن معين، وعلي، وكان الذي ينتقي علي، وكان بهز يخرج إلينا حديثه في غناديق وكراريس، فأخرج يوماً غنداقاً وكراسة في أولها، عن حماد بن سلمة، وفي آخرها: عن عبد الله بن جعفر، فلما رأى يحيى بن معين الفصل، تطاول ولمحته فعرفت ما يريد، فنكست رأسي حتى مر الرجل، فلما انقضى حديث حماد، قال يحيى: يا أبا الحسن تجاوزها تجاوزها، فوضع الغنداق أو الكراسة من يده، فأخذ شيئاً آخر ينظر فيه، قال أحمد: ولحقني من ذلك حشمة، فلما قمنا أقبلت على يحيى بن معين، فقلت: يا أبا زكريا أين الرجل؟ وما كان يضرنا أن نكتب منها خمسة أحاديث، أو ستة؟ فقال: ما كنت أكتب من حديثه شيئاً بعد أن نبئت حاله([25]).
8- إنكاره على مُغتاب:
قال ابن معين: لقيتُ عند مروان بن معاوية لوحاً فيه: فلان رافضي، وفلان كذا، ووكيع رافضي، فقلت لمروان: وكيع خير منك! فبلغ وكيعاً ذلك، فقال: يحيى صاحبنا، وكان بعد ذلك يعرف لي، ويرحب([26]).
9- إنكاره على من يُنكر رؤية الله يوم القيامة:
قال في تاريخ ابن معين: سمعت يحيى بن معين وسأله رجل فقال: يا أبا زكريا ما تقول: هل نرى ربنا يوم القيامة؟
فقال يحيى بن معين: نعم نراه، فقال الرجل: أليس يقول الله: {لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ} [الأنعام: 103] فقال يحيى بن معين: ذاك في الدنيا، وأما في الآخرة فسيرى، فقال الرجل: فهذه الأحاديث التي في الرؤية ما تقول فيها؟
فقال ما أقدر أن أقول في حديث الزهري عن عطاء بن يزيد الليثي عن أبي سعد وأبي هريرة عن النبي صلى الله وعليه، وفي حديث الأعمش عن خيثمة عن عدى بن حاتم عن النبي عليه السلام، وفي حديث إسماعيل بن أبي خالد عن قيس بن حازم عن جرير عن النبي عليه السلام! وفي حديث سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة عن النبي عليه السلام، فقلت ليحيى بن معين والأعمش بن أبي صالح وعن أبي سعيد عن النبي عليه السلام، فقال يحيى والأعمش عن أبي صالح عن أبي سعيد عن النبي عليه السلام هذه كلها وهؤلاء ثقات صحاح([27]).
10- إنكاره على القدرية:
قال في تاريخ ابن معين: سمعت يحيى بن معين يقول: الله قدر الذنوب على عباده، ويعذبهم عليها، وهم صاغرون([28]). يرد على نفاة القدر.
11- إنكاره على كذاب:
جاء يحيى بن معين فوقف على رفقة فيهم أبو الأزهر، ببغداد، وقال لهم: أيما الكذاب منكم، الذي روى عن عبد الرزاق، عن معمر، عن الزهري، عن عبد الله بن عباس، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعلي: “أنت سيد في الدنيا، سيد في الآخرة”؟ فقال أبو الأزهر: أنا، فقال يحيى: يا بيراينت نبايذ([29]).
وعن أحمد بن محمد بن الحسن الشرقي قال: ذكر أبو الأزهر، قال: كان عبد الرزاق خرج إلى ضيعته، فخرجت خلفه، وهو على بغلة له، فالتفت فرآني، فقال: يا أبا الأزهر، تعنيت ها هنا؟ فقال: اركب، قال: فأمرني فركبت معه على بغلته، فقال: ألا أخصك بحديث؟ أخبرني معمر، فذكر هذا الحديث، فلما قدمت بغداد، وكنت في مجلس يحيى بن معين، فذاكرت رجلاً بهذا الحديث، فأنكر علي، حتى بلغ يحيى، فصاح يحيى، فقال: من هذا الكذاب الذي روى عن عبد الرزاق، فقمت في وسط المجلس قائماً، فقلت: أنا رويت هذا الحديث، وأخبرته حين خرجت معه إلى القرية، فسكت يحيى([30]).
12- إنكاره على سويد بن سعيد:
قيل لابن معين: إن سويداً يحدث عن ابن أبي الرجال، عن ابن أبي رواد، عن نافع، عن ابن عمر: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “من قال في ديننا برأيه، فاقتلوه”.
فقال يحيى: ينبغي أن يبدأ به، فيقتل([31]).
وقال عنه: لو كان عندي سيف ودرقة لغزوته([32]).
أقواله المأثورة
كان ليحيى بن معين رحمه الله الكثير من الأقوال المأثورة، نذكر طرفاً منها:
1- وقال يحيى: ما رأيت على رجل خطأ إلا سترته، وأحببت أن أزين أمره، وما استقبلت رجلاً في وجهه بأمر يكرهه، ولكن أبين له خطأه فيما بيني وبينه، فإن قبل ذلك وإلا تركته([33]).
2- وقال إبراهيم بن عبد الله بن الجنيد: سمعت يحيى بن معين يقول: ما الدنيا إلا كحلم، والله ما ضر رجلاً اتقى الله على ما أصبح وأمسى، لقد حججت وأنا ابن أربع وعشرين سنة، خرجت راجلاً من بغداد إلى مكة، هذا منذ خمسين سنة كأنما كان أمس([34]).
3- وعن علي بن الحسين بن الجنيد قال: سمعت يحيى بن معين يقول: إنا لنطعن على أقوام لعلهم حطوا رحالهم في الجنة منذ أكثر من مائتي سنة([35]).
4- وعن هاشم بن المطلب قال: سمعت يحيى بن معين يقول: بشار الخفاف يكذب أخزاه الله([36]).
5- وعن محمد بن نصر قال: سمعت يحيى بن معين يقول: كتبت بيدي ألف ألف حديث([37]).
6- عن أحمد بن محمد، سمعت يحيى بن معين يقول: يحتاج المحدث إلى أربع خلال:
الشهرة بطلب العلم، والبراءة من البدعة، ويكون صدوقًا، ولا يعمل بشيء من الكبائر، فمن كنت هذه صفته، فهو محدّث([38]).
7- وقال يحيى: القرآن كلام الله وليس بمخلوق والإيمان قول وعمل يزيد وينقص([39]).
وفاة يحيى بن مَعِين:
توفِّي يحيى بن مَعِين بالمدينة، في ذي القعدة، سنة ثلاث وثلاثين ومائتين، وهو ابن خمس وسبعين سنة، ودفن بالبقيع([40]).
وقال محمد بن جرير الطبري: خرج ابن معين حاجاً، وكان أكولاً، فحدثني أبو العباس أحمد بن شاه: أنه كان في رفقته، فلما قدموا فيد، أهدي إلى يحيى فالوذج لم ينضج، فقلنا له: يا أبا زكريا لا تأكله، فإنا نخاف عليك، فلم يعبأ بكلامنا، وأكله، فما استقر في معدته حتى شكا وجع بطنه وانسهل إلى أن وصلنا إلى المدينة، ولا نهوض به، فتفاوضنا في أمره ولم يكن لنا سبيل إلى المقام عليه لأجل الحج ولم ندر ما نعمل في أمره، فعزم بعضنا على القيام عليه، وترك الحج، وبتنا فلم يصبح حتى وصى، ومات فغسلناه ودفناه([41]).
وقال جعفر بن محمد بن كزال: كنت مع يحيى بن معين بالمدينة، فمرض مرضه الذي مات فيه وتوفي بالمدينة، فحمل على سرير رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورجل ينادي بين يديه: هذا الذي كان ينفي الكذب عن حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم([42]).
وعن أحمد بن محمد بن غالب قال: لما مات يحيى بن معين نادى إبراهيم بن المنذر الحزامي: من أراد أن يشهد جنازة المأمون على حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم فليشهد([43]).
وقال حبيش بن مبشر: رأيت يحيى بن مَعِين في النوم، فقلتُ: ما فعل الله بك؟ قال: أعطاني، وحباني، وزوَّجني ثلاثمائة حَوْراء([44]).
فرحمة الله عليه.