احتساب حماد بن زيد رحمه الله
(98 – 179 هـ = 717 – 795 م)
اسمه:
هو حماد بن زيد بن درهم الأزدي، الجهضميّ، مولاهم، البصريّ، أبو إسماعيل([1]).
فضله ومناقبه:
كان حماد بن زيد رحمه الله شيخ العراق في عصره، من حفاظ الحديث، المجوّدين، يعرف بالأزرق، أصله من سبي سجستان، ومولده ووفاته في البصرة، وكان ضريرًا، طرأ عليه العمى، يحفظ أربعة آلاف حديث، خرّج حديثه الأئمة الستة.
قال عنه خالد بن خداش: حماد بن زيد من عقلاء الناس، وذوي الألباب”([2]).
وعن أمية بن بسطام قال: سمعت يزيد بن زريع، يقول يوم مات حماد بن زيد: مات اليوم سيد المسلمين”([3]).
وعن عبد الرحمن بن مهدي قال: من أدركت من الناس كان الأئمة منهم أربعة: مالك بن أنس، وحماد بن زيد، وسفيان بن سعيد، وذكر الرابع، ونسيته إن لم يكن قال ابن المبارك، فلا أدري من هو”([4]).
وعن عبد الرحمن بن مهدي قال: “أئمة الناس في زمانهم أربعة: سفيان الثوري بالكوفة، ومالك بالحجاز، والأَوزاعِيّ بالشام، وحماد بن زيد بالبصرة”([5]).
وقال عبد الله بن المبارك:
أيها الطالب علمًا *** إيت حماد بن زيد
فاطلب العلم بحلم *** ثم قيده بقيد
لا كثور، وكجهم *** وكعمرو بن عبيد
يعني بثور، ثور بن يزيد”([6]).
وعن مقاتل بن محمد قال سمعت وكيعًا -وقيل له: حماد بن زيد كان أحفظ أو حماد بن سلمة؟- فقال: حماد بن زيد، ما كنا نشبه حماد بن زيد إلا بمسعر.
وقال عبد الرحمن بن مهدي: ما رأيت أحدًا لم يكتب الحديث أحفظ من حماد بن زيد.
وعن سليمان بن حرب قال: سمعت حماد بن زيد يحدث بالحديث، فيقول: سمعته منذ خمسين سنة، ولم أحدث به قبل اليوم”([7]).
وسئل أبو زرعة عن حماد بن زيد وحماد بن سلمة، فقال: “حماد بن زيد أثبت من حماد بن سلمة بكثير، أصح حديثًا، وأتقن”([8]).
وعن عُبَيد الله بن الحسن، قال: “إنما هما الحمادان، فإذا طلبتم العلم فاطلبوه من الحمادين”([9]).
توقير العلماء له:
عن عبد الرحمن بن مهدي قال: رأيت سفيان الثوري جاء إلى حماد بن زيد، وسأله عن حديث أبي الصهباء، عن سعيد بن جبير، عن أبي سعيد الخدري: “أن الأعضاء تُكفّر بعضها بعضًا، قال: فرأيت سفيان الثوري جاثيًا بين يدي حماد بن زيد، وهو يملي عليه هذا الحديث.
عن أبي الربيع الزهراني قال: ذكرت لإسماعيل ابن علية حديثًا، فقال: من حدثك؟ قال: حماد بن زيد، قال: شيخ الشباب”([10]).
وعن فطر بن حماد: دخلت على مالك بن أنس، فلم يسألني عن أحد من أهل البصرة، إلا عن حماد بن زيد”([11]).
وعن عبد الرحمن بن مهدي قال: إذا رأيت بصريًّا يحب حماد بن زيد فهو صاحب سنة”([12]).
وهذا إشارة إلى أنه من أئمة السنة في زمانه، فمحبة علماء أهل السنة علامة على الخير، وبغض علماء السنة، والطعن فيهم علامة على البدعة.
يقول الذهبي: “لا أعلم بين العلماء نزاعًا، في أن حماد بن زيد من أئمة السلف، ومن أتقن الحفاظ، وأعدلهم، وأعدمهم غلطًا، على سعة ما روَى، رحمه الله”([13]).
وقال علي بن المديني: سمعت عبد الرحمن بن مهدي يقول: “لم أر أحدًا قط أعلم بالسنة، ولا بالحديث الذي يدخل في السنة من حماد بن زيد”([14]).
وعن يحيى بن يحيى: “ما رأيت أحدًا من الشيوخ أحفظ من حماد بن زيد”([15]).
وقال عبد الله بن أحمد بن حنبل: سمعت أبي يقول: “حماد بن زيد أحب إلينا من عبد الوارث، حماد بن زيد من أئمة المسلمين، من أهل الدين والإسلام، وهو أحب إلي من حماد بن سلمة”([16]).
وعن يحيى بن معين: “ليس أحد في أيوب أثبت من حماد بن زيد”([17]).
وعن أحمد بن سعيد الدارمي: سمعت أبا عاصم يقول: “مات حماد بن زيد يوم مات، ولا أعلم له في الإسلام نظيرًا في هيئته، ودله، أظنه قال: وسمته”([18]).
رواية الأئمة عن حماد بن زيد:
روى عن حماد بن زيد: سفيان بن عيينة، وابن المبارك، ووكيع، وعبد الرحمن بن مهدي، ويحيى بن سعيد القطان، وعفان، وأبو نعيم، وعارم، وسليمان بن حرب([19]).
سيرته الاحتسابية
كان لحماد بن زيد رحمه الله سيرة احتسابية حافلة بالمواقف العظيمة، منها:
1- إنكاره على الجهمية:
فعن سليمان بن حرب، قال: سمعت حماد بن زيد -وذكر هؤلاء الجهمية-، فقال: إنما يحاولون أن يقولوا: ليس في السماء شيء([20]).
يعني الجهمية الذين ينفون الفوقية.
وقال حماد بن زيد: “مثل الجهمية مثل رجل قيل له: أفي دارك نخلة؟ قال: نعم.
قيل: فلها خوص؟
قال: لا، قيل: فلها سعف، قال: لا، قيل: فلها كرب؟ قال: لا، قيل: فلها جذع؟ قال: لا، قيل: فلها أصل؟ قال: لا، قيل: فلا نخلة في دارك، هؤلاء الجهمية، قيل لهم: لكم رب؟ قالوا: نعم، قيل: يتكلم؟ قالوا: لا، قيل: فله يد؟ قالوا: لا، قيل: فله قدم؟ قالوا: لا، قيل: فله إصبع؟ قالوا: لا، قيل: فيرضى ويغضب؟ قالوا: لا، قيل: فلا رب لكم”([21]).
2- إنكاره على من يقول: القرآن مخلوق:
عن فطر بن حماد بن واقد، قال: سألت حماد بن زيد، فقلت: يا أبا إسماعيل إمام لنا يقول: القرآن مخلوق أصلي خلفه؟ قال: لا، ولا كرامة([22]).
3- إنكاره على تفضيل عليٍّ على عثمان:
عن خالد بن خداش، قال: سمعت حماد بن زيد، يقول: “لئن قلت: إن عليًّا أفضل من عثمان، لقد قلت: إن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قد خانوا”([23]).
وهذا يدل على ضعف القول: إنه كان علويًّا، أو لعل هذا كان مذهبًا له في البداية، ثم رجع عنه، فترتيب الصحابة الخلفاء في الخلافة، كترتيبهم في الفضل.
4- إنكاره على من يقول: الوتر فريضة:
عن سليمان بن حرب قال: حدثنا حماد بن زيد، قال: شهدت أبا حنيفة، وسئل عن الوتر فقال: فريضة.
قلت: كم الصلوات؟
قال: خمس.
قلت: فالوتر؟
قال: فريضة”([24]).
مروياته الاحتسابية
كان لحماد بن زيد رحمه الله مرويات احتسابية كثيرة، منها:
1- حدثنا أحمد بن منيع، عن عباد بن عباد، ح وحدثنا مسدد، حدثنا حماد بن زيد، المعنى([25])، عن واصل، عن يحيى بن عقيل، عن يحيى بن يعمر، عن أبي ذر، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “يصبح على كل سلامى من ابن آدم صدقة، تسليمه على من لقي صدقة، وأمره بالمعروف صدقة، ونهيه عن المنكر صدقة، وإماطته الأذى عن الطريق صدقة، وبضعة أهله صدقة، ويجزئ من ذلك كله ركعتان من الضحى” قال أبو داود: وحديث عباد أتم، ولم يذكر مسدد الأمر، والنهي، زاد في حديثه: وقال كذا وكذا، وزاد ابن منيع في حديثه: قالوا: يا رسول الله، أحدنا يقضي شهوته، وتكون له صدقة، قال: “أرأيت لو وضعها في غير حلها ألم يكن يأثم”([26]).
2- عن حماد بن زيد، عن يحيى، عن نافع، عن ابن عمر قال لقوم يأتون السلطان: “أكل ما رأيتم المنكر أنكرتموه أو معروفًا أمرتم به؟ قالوا: لا، ولكنا إذا قالوا شيئا صدقناهم، وإذا خرجنا قلنا ما نعلم، قال: كنا نعد هذا على عهد النبي صلى الله عليه وسلم نفاقًا، أوقال: نعدها من النفاق”([27]).
3- وعن حماد بن زيد، قال: حدثنا حجاج الأسود، عن هارون بن رئاب، قال: “بينما رجل يدور في النار مثلما يدور الحمار في الرحى، إذ ناداه أهل النار: ويلك ما لنا نراك تعذب عذابًا لا يعذبه أحد؟ قال: إني كنت آمر بالمعروف، ولا أعمل به، وأنهى عن المنكر، وأعمل به”([28]).
أقواله المأثورة
كان لحماد بن زيد رحمه الله أقوال مأثورة كثيرة، منها:
1- قوله: “من قال كلام العباد ليس بخلق فهو كافر”([29]).
2- وعن مسدد، قال: كنت عند يحيى بن سعيد القطان، وجاء يحيى بن إسحاق بن توبة العنبري، فقال له يحيى بن سعيد: حدِّث هذا، يعني مسددًا كيف قال حماد بن زيد فيما سألته؟ قال: سألت حماد بن زيد عمن قال: كلام الناس ليس بمخلوق، فقال: هذا كلام أهل الكفر([30]).
3- وعن يحيى بن المغيرة قال: قرأت كتاب حماد بن زيد إلى جرير: بلغني أنك تقول في الإيمان بالزيادة، وأهل الكوفة يقولون بغير ذلك، أثبت على ذلك ثبتك الله”([31]).
4- وعن سليمان بن حرب قال: سمعت حماد بن زيد يقول في قول الله: {لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ} [الحجرات: 2] قال: أرى رفع الصوت عليه بعد موته كرفع الصوت عليه في حياته إذا قرئ حديث رسول الله وجب عليك أن تنصت له، كما تنصت للقرآن”([32]).
5- وعن أيوب العطار سمع بشرًا يقول: ثنا حماد بن زيد، ثم قال: استغفر الله، إن لذكر الإسناد في القلب خيلاء”([33]).