احتساب سالم بن عبد الله بن عمر رحمه الله
(… – 106 هـ = … – 725 م)
اسمه:
هو سالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب، القرشي، العدوي، كنيته أبو عمير، وقيل: أبو عمرو، وقيل: أبو عبد الله([1]).
وكانت أمه أمة، فعن أبي الزناد قال: كان أهل الكوفة يكرهون اتخاذ الإماء، حتى نشأ فيهم علي بن الحسين، والقاسم، وسالم فقهاء، ففاقوا أهل المدينة علماً وتقى وعبادة، فرغبوا حينئذٍ في السراري([2]).
فولد سالم عمر، وأبا بكر، وأمهما أم الحكم بنت يزيد بن عبد قيس، وعبد الله وعاصماً وجعفراً وحفصة وفاطمة وأمهم أم ولد، وعبد العزيز وعبدة وأمهما أم ولد([3]).
فضله ومناقبه:
سالم بن عبد الله بن عمر من الطبقة الثانية، من تابعي أهل المدينة، كان من خيار قريش، وفقهائهم، وزهّادهم([4]).
وعن الزهري، قال: سمعت سالم بن عبد الله، يقول: دخلت على الوليد بن عبد الملك، فقال: ما أحسن جسمك، فما طعامك؟ قلت: “الكعك والزيت، قال: وتشتهيه؟! قلت: “أدعه حتى أشتهيه، فإذا اشتهيته أكلته”([5]).
سمع سالم: أباه، وعائشة، ورافع بن خديج، وأبا هريرة، وسفينة، وسعيد بن المسيب، وغيرهم.
وعنه: عمرو بن دينار، وابن شهاب، وصالح بن كيسان، وموسى بن عقبة، وعبد الله بن عمر، وحنظلة بن أبي سفيان، وخلق كثير([6]).
وعن ابن المبارك قال: فقهاء أهل المدينة الذين يصدرون عن رأيهم سبعة: سعيد بن المسيب، وسليمان بن يسار، وسالم بن عبد الله، والقاسم، وعروة، وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة، وخارجة بن زيد، لا يقضي القاضي حتى يرفع إليهم([7]).
وقال النسائي: فقهاء أهل المدينة هؤلاء -فسمى المذكورين- وعلي ابن الحسين، وأبا سلمة، وأبا بكر بن عبد الرحمن بن الحارث، وعمر بن عبد العزيز، وأبا جعفر محمد بن علي.
وقال ابن راهويه: أصح الأسانيد كلها الزهري، عن سالم، عن أبيه([8]).
وروى زيد بن عمر، عن نافع، قال: كان ابن عمر يلقى ولده سالماً، فيقبله ويقول: شيخ يقبل شيخاً([9]).
وزاد في الثقات: ويقول: إني أحبك حبين: حب الإسلام، وحب القرابة([10]).
وقال مالك: ثم يكن في زمانه أشبه بمن مضى من الصالحين في الفضلِ والزهد منه.
قال أحمد وإسحاق: أصح الأسانيد: الزهري عن سالم عن أبيه([11]).
وفي المنتظم: كان فقيهاً عابداً جواداً صالحاً، وكان أشبه أولاد أبيه به، وكان أبوه شديد المحبة له، فإذا ليم على ذلك أنشد:
يلومونني في سالم وألومهم *** وجلدة بين العين والأنف سالم([12]).
وعن ابن المسيب، قال لي ابن عمر: تدري لم سميته سالماً؟ قلت: لا، قال: باسم سالم مولى أبي حذيفة([13]).
وقال ابن سعد: كان سالم ثقة كثير الحديث، عالياً من الرجال.
وقال يحيى بن سعيد، عن ابن المسيب قال: كان عبد الله بن عمر يشبه أباه، وكان سالم بن عبد الله يشبه أباه([14]).
وعن أشهب بن مالك، قال: لم يكن أحد في زمن سالم بن عبد الله أشبه بمن مضى من الصالحين في الزهد والقصد في العيش منه، كان يلبس بدرهمين([15]).
وعن سفيان بن عيينة قال: دخل هشام بن عبد الملك الكعبة، فإذا هو بسالم بن عبد الله، فقال له: يا سالم سلني حاجة، فقال له: إني لأستحي من الله أن أسأل في بيت الله غيره، فلما خرج خرج في أثره، فقال له: الآن قد خرجت فسلني حاجة، فقال له سالم: من حوائج الدنيا أم من حوائج الآخرة؟ فقال: من حوائج الدنيا، فقال له: ما سألت من يملكها، فكيف أسأل من لا يملكها([16]).
وعن حنظلة، قال: رأيت سالم بن عبد الله يخرج إلى السوق، فيشتري حوائج نفسه([17]).
وقال علي بن زيد بن جدعان: دخلت على سالم، وكان لا يأكل إلا ومعه مسكين.
وقال ضمرة، عن ابن شوذب قال: كان لسالم حمار هرم، فنهاه بنوه عن ركوبه، فأبى، فجدعوا أذنه، فأبى أن يدع ركوبه، فقطعوا ذنبه، فأبى أن يدعه، وركبه أجدع الأذنين مقطوع الذنب([18]).
وعن ابن إسحاق قال: رأيت سالم بن عبد الله يلبس الصوف، وكان علج الخلق يعالج بيديه ويعمل([19]).
وعن ميمون بن مهران قال: كان سالم على سمت والده عبد الله في عدم الرفاهية.
وعن العتبي، عن أبيه أن سالماً دخل في هيئة رثة وثياب غليظة، فرحب به سليمان بن عبد الملك، وأجلسه معه على السرير([20]).
وعن سالم بن عبد الله قال: ما سمعت عبد الله لاعناً أحداً قط، ليس إنساناً، وكان سالم يقول: قال عبد الله بن عمر: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “لا ينبغي للمؤمن أن يكون لعاناً”([21]).
مات سالم بالمدينة، وصلّى عليه هشام بن عبد الملك، سنة ستّ ومائة، وقال هشام: ما أدرى أي: الأمرين أسرّ به: أبئتمام حجّي، أم بصلاتي على سالم؟([22]).
سيرته الاحتسابية
كان لسالم بن عبد الله بن عمر رحمه الله، سيرة حافلة بالمواقف الاحتسابية العظيمة، نذكر جانباً منها:
1- إنكاره على من يغطي فمه وهو يصلي:
عن مالك، عن عبد الرحمن بن المجبر، أنه كان يرى سالم بن عبد الله، إذا رأى الإنسان يغطي فاه، وهو يصلي، جبذ الثوب عن فيه جبذاً شديداً، حتى ينزعه عن فيه([23]).
وفي قوله: “جبذ الثوب عن فيه جبذاً شديداً”، مبالغة في التعليم والإنكار، وفيه الإنكار باليد مع الاستطاعة.
2- إنكاره على من يسأل الناس:
عن غياث بن إبراهيم، قال: ثنا أشعب ابن أم حميدة، قال: أتيت سالم بن عبد الله، وهو يقسم صدقة عمر، فسألته، فأشرف علي من خوخة، فقال: “ويحك يا أشعب لا تسأل”([24]).
وعن جويرية بن أسماء، قال: حدثني أشعب، قال: قال لي سالم بن عبد الله: “لا تسأل أحداً غير الله”([25]).
3- إنكاره على قدري:
عن عمر بن محمد، قال: سمعت سالم بن عبد الله، وسأله رجل فقال له: الزنا يقدر؟ فقال: “نعم” كل شيء كتبه الله تعالى علي، قال: “نعم، كتبه الله تعالى علي ويعذبني عليه” فأخذ حصاة فحصبه([26]).
وفي رواية: جاء رجل إلى سالم بن عبد الله فقال: رجل زنا، فقال سالم: يستغفر الله، ويتوب إليه، فقال له الرجل: الله قدره عليه، فقال سالم: نعم، ثم أخذ قبضة من الحصى فضرب بها وجه الرجل، وقال: قم. أي: يا مبتدع([27]).
4- إنكاره على الفتنة أيام ابن الزبير:
قال سالم بن عبد الله بن عمر لعبد الله: يا أبه! أما ترى ما يصنع هذا بمدينة رسول الله صلى الله عليه وسلّم، وأصحابه؟ فقال: يا بنيّ! كلّ بمرأى من الله، ومسمع، إن شاء أن يغيّر غيّر([28]).
5- إنكاره على الأهواء:
عن أبي الوليد عن سالم بن عبد الله بن عمر قال: سألني: ممن أنت؟ قال: فقلت: من أهل الكوفة. فقال: بئس القوم بين سبائي وحروري([29]).
6- إنكاره على التقليد:
وهذا سالم بن عبد الله بن عمر رضي الله عنهم أجمعين قال: بأن من السنة أن يتطيب المرء قبل أن يحرم، وأن يتطيب بعد الإحلال، فقالوا له: إن ابن عمر ينهى عن التطيب عند الإحرام، ويقول: ليتني تطيبت بالزفت والقار خير لي من أن أتطيب وأصبح محرماً ينضح مني ريح الطيب، فقال سالم بن عبد الله معلنها صراحة: أمرنا باتباع رسول الله، وما أمرنا باتباع ابن عمر رضي الله عنه وأرضاه، يعني: عند المخالفة، وكل ذلك حفاظاً على سنة النبي صلى الله عليه وسلم([30]).
7- رفقه في الإنكار على رجل:
عن هودة بن عبد العزيز، قال: زحم سالم بن عبد الله رجل فقال له سالم: بعض هذا رحمك الله، فقال له الرجل: ما أراك إلا رجل سوء، فقال له سالم: ما أحسبك أبعدت([31]).
8- وعظه وإنكاره على عمر بن عبد العزيز:
عن حنظلة بن أبي سفيان، قال: كتب عمر بن عبد العزيز إلى سالم بن عبد الله: أن اكتب إلي بشيء من رسائل عمر بن الخطاب، فكتب: “أن يا عمر اذكر الملوك الذين تفقأت أعينهم الذين كانت لا تنقضي لذتهم، وانفقأت بطونهم التي كانوا لا يشبعون بها، وصاروا جيفاً في الأرض، وتحت أكنافها أن لو كانت إلى جنب مسكين لتأذى بريحهم”([32]).
وقيل: “إن عمر بن عبد العزيز لما ولي الخلافة دعا سالم بن عبد الله ومحمد بن كعب القرظي، ورجاء بن حيوة، فقال لهم: إني قد ابتليت بهذا البلاء، فأشيروا علي، فعد الخلافة بلاء، وعددتها أنت وأصحابك نعمة، فقال له سالم بن عبد الله: إن أردت النجاة من عذاب الله، فصم الدنيا وليكن إفطارك منها الموت”([33]).
9- إنكاره على أشعب:
حكى الزبير بن بكار قال: كان سالم بن عبد الله بن عمر يستخفُّ أشعب ويضحك منه، فخرج يومًا سالمٌ إلى بستان له بظاهر المدينة ومعه حرمه وأهله يتنزَّه، وعلم به أشعب، فجاء فوجدَ الباب مغلقًا، فتسوَّر الحائط، فقال له سالم: ويحكَ، تسوَّرت علي بناتي وحرمي، فقال: قد علمتَ ما لنا في بناتك من حقٍّ وإنك لتعلم ما نريد، فضحك سالم وأعطاه طعامًا، فأكل وحملَ معه إلى بيته([34]).
10- إنكاره على من يقرنُ تمرتين تمرتين:
قال الزبير: أكل أشعبُ يومًا مع سالم تمرًا، فجعل يقرنُ تمرتين تمرتين، فقال له سالم: قد نهَى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن القِرَان في التمر ([35]).
11- إنكاره على من يكذب في البيع:
عن أبي عبد الملك مروان بن حبر البزاز قال: جاءنا سالم بن عبد الله يطلب ثوباً سباعياً، فنشرت عليه ثوباً، فإذا هو أقل من سبع، فقال: أليس قلت لي: سباعي؟ فقلت: كذلك نسميها. فقال: كذلك يكون الكذب([36]).
12- إنكاره على القدرية:
عن عكرمة بن عمار قال: سمعت سالماً يلعن القدرية، الذين يكذبون بالقدر، حتى يؤمنوا بخيره وشره([37]).
13- إنكاره على القصاص:
عن عكرمة بن عمار قال: رأيتُ سالماً لا يشهد قاص جماعة، ولا غيره([38]).
14- إنكاره على غلام:
عن عطاف بن خالد قال: كنت قائماً مع سالم بن عبد الله، فأتي بغلام ومعه غلمان، وهو أشقهم، فسل خيطاً من أزراره فقطعه، ثم جمعه بين أصبعيه، ثم تفل فيه مرتين أو ثلاثاً، ثم مده، فإذا هو صحيح لا بأس به، فقال سالم: لو وليت من أمره شيئاً لصلبته([39]).
15- مشاركته في الجهاد وهو نوع من الحسبة:
وروى ابن أبي الدنيا أن سالمًا رأى في المنام كأنَّه يقرع باب الجنَّة.
قيل: من؟
قال: سالم. قيل: كيف نفتح لمن لم تَغْبَرَّ قدماه في سبيل الله؟!
فلما أصبح خرج غازيًا إلى الشام([40]).
16- إنكاره على امرأة:
عن إسحاق بن محمد الفروي قال: أقبل سالم بن عبد الله بن عمر يرمي الجمرة يوم النحر فأطلعت امرأة كفاً خضيباً من خدرها لترمي، فجاءت حصاة فصكت كفها، فولولت، وطرحت حصاها، فقال لها سالم: ترجعين صاغرة قمئة، فتأخذين حصاك من بطن الوادي، فترمين به حصاة حصاة، فقالت: يا عم أنا والله:
من اللائي لم يحججن يبغين حسبة *** ولكن ليقتلن البريء المغفلا
قال: قد قبحك الله([41]).
17- إنكاره على من يذم عثمان:
عن المهلب بن عبد الله أنه دخل على سالم بن عبد الله بن عمر رجل، وكان ممن يحمد علياً، ويذم عثمان، فقال الرجل: يا أبا الفضل ألا تخبرني هل شهد عثمان البيعتين كلتيهما: بيعة الرضوان وبيعة الفتح؟
فقال سالم: لا، فكبر الرجل وقام ونفض رداءه، وخرج منطلقاً، فلما أن خرج قال له جلساؤه: والله ما أراك تدري ما أمر الرجل، قال: أجل وما أمره؟ قالوا: فإنه ممن يحمد علياً، ويذم عثمان، فقال: علي بالرجل، فأرسل إليه فأتاه، فقال: يا عبد الله الصالح، إنك سألتني هل شهد عثمان البيعتين كلتيهما: بيعة الرضوان وبيعة الفتح، فقلت: لا، فكبرت وخرجت شامتًا، فلعلك ممن يحمد علياً ويذم عثمان؟ فقال: أجل، والله إني لمنهم، قال: فاستمع مني ثم اردد علي: فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما بايع الناس تحت الشجرة كان بعث عثمان في سرية وكان في حاجة الله وحاجة رسوله وحاجة المؤمنين، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “ألا إن يميني يدي وشمالي يد عثمان، وإني قد بايعت له” ثم كان من شأن عثمان في البيعة الثانية أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث عثمان إلى علي فكان أمير اليمن فصنع به مثل ذلك، ثم كان من شأن عثمان أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لرجل من أهل مكة: “يا فلان ألا تبيعني دارك أزيدها في مسجد الكعبة ببيت أضمنه لك في الجنة” فقال الرجل: يا رسول الله ما لي بيت غيره، فإن أنا بعتك داري لا يأويني وولدي بمكة شيء، فقال: “لا، بل -يعني- دارك أزيدها في مسجد الكعبة ببيت أضمنه لك في الجنة” فقال الرجل: والله ما لي إلى ذلك حاجة، فبلغ ذلك عثمان -وكان الرجل صديقًا له في الجاهلية- فلم يزل به عثمان، حتى اشترى منه داره بعشرة آلاف دينار، ثم أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله بلغني أنك أردت من فلان داره لتزيدها في مسجد الكعبة ببيت تضمنه له في الجنة، وإنما هي داري فهل أنت آخذها ببيت تضمنه لي في الجنة؟ قال: “نعم” فأخذها منه، وضمن له بيتًا في الجنة، وأشهد له على ذلك المؤمنين، ثم كان من جهازه جيش العسرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم غزا غزوة تبوك فلم يلق في غزاة من غزواته ما لقي فيها من المخمصة والظمأ وقلة الظهر، فبلغ ذلك عثمان فاشترى قوتًا وطعامًا وأدمًا وما يصلح لرسول الله صلى الله عليه وسلم ولأصحابه، فجهز إليه عيراً، فنظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى سواد قد أقبل قال: “هذا قد جاءكم الله بخير” فأنيخت الركاب ووضع ما عليها من الطعام والأدم، وما يصلح رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، فرفع يديه إلى السماء، وقال: “اللهم إني قد رضيت عن عثمان فارضَ عنه” ثلاث مرات، ثم قال: “يا أيها الناس ادعوا لعثمان” فدعا له الناس جميعا مجتهدين ونبيهم صلى الله عليه وسلم معهم، ثم كان من شأن عثمان أن النبي صلى الله عليه وسلم زوجه ابنته فماتت، فجاء عثمان وعمر عند النبي صلى الله عليه وسلم جالس فقال: يا عمر إني خاطب فزوجني ابنتك، فسمعه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: “خطب إليك عثمان ابنتك زوجني ابنتك وأنا أزوجه ابنتي” فتزوج النبي صلى الله عليه وسلم ابنة عمر وزوجه ابنته، فهذا ما كان من شأن عثمان. أخرجه أبو الخير القزويني الحاكمي([42]).
18- إنكاره على من طلبه أن يقول برأيه:
قال ابن وهب: حدثني ابن لهيعة أن رجلاً سأل سالم بن عبد الله بن عمر عن شيء، فقال: لم أسمع في هذا شيئاً، فقال له الرجل: فأخبرني أصلحك الله برأيك، فقال: لا، ثم أعاد عليه، فقال: إني أرضى برأيك، فقال سالم: إني لعلي إن أخبرتك برأيي، ثم تذهب فأرى بعد ذلك رأيا غيره فلا أجدك([43]).
19- إنكاره على الأمير:
عن عبد الله بن مسلم، أخي الزهري، قال: كنت جالساً عند سالم بن عبد الله في نفر من أهل المدينة، فقال رجل: ضرب الأمير آنفاً رجلاً أسواطاً فمات، فقال سالم: “عاتب الله على موسى في نفس كافرة قتلها”([44]).
20- إنكاره على نافع:
عن موسى بن عبد الله بن الحسن أن أباه سأل سالم بن عبد الله أن يحدثه بحديث نافع، عن ابن عمر: “أنه كان لا يرى بأساً في إتيان النساء في أدبارهن، فقال سالم: كذب العبد، أو قال: أخطأ، إنما قال: لا بأس أن يؤتين في فروجهن من أدبارهن”([45]).
21- إنكاره على أهل العراق:
عن ابن فضيل، عن أبيه، قال: سمعت سالم بن عبد الله بن عمر، يقول: يا أهل العراق ما أسألكم عن الصغيرة، وأركبكم للكبيرة، سمعت أبي عبد الله بن عمر يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: “إن الفتنة تجيء من ها هنا -وأومأ بيده نحو المشرق- من حيث يطلع قرنا الشيطان” وأنتم يضرب بعضكم رقاب بعض، وإنما قتل موسى الذي قتل من آل فرعون خطأ، فقال الله عز وجل له: {وَقَتَلْتَ نَفْسًا فَنَجَّيْنَاكَ مِنَ الْغَمِّ وَفَتَنَّاكَ فُتُونًا} [طه: 40]([46]).
مروياته الاحتسابية
كان لسالم بن عبد الله بن عمر رحمه الله، مرويات احتسابية كثيرة، نذكر جانباً منها:
1- عن الزهري، عن سالم بن عبد الله بن عمر، عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إن من شرار الناس المجاهرين” قالوا: يا رسول الله وما المجاهرون؟ قال: “الذي يذنب الذنب بالليل فيستره الله عليه فيصبح فيحدث به الناس فيقول: فعلت البارحة كذا وكذا فيهتك ستر الله عنه”([47]).
2- وعن عبد الله بن عبد العزيز العمري، عن سالم بن عبد الله، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “مروا بالمعروف وانهوا عن المنكر قبل أن تدعوا الله فلن يستجيب لكم، قبل أن تستغفروا، فلن يغفر لكم، إن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لا يفوت أجلاً، وإن الأحبار من اليهود والرهبان من النصارى لما تركوا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لعنهم الله على لسان أنبيائهم، ثم عمهم البلاء”([48]).
3- وعن ابن شهاب، عن سالم بن عبد الله، قال: سمعت أبا هريرة، يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ” كل أمتي معافى إلا المجاهرين، وإن من المجاهرة أن يعمل الرجل بالليل عملا، ثم يصبح وقد ستره الله عليه، فيقول: يا فلان، عملت البارحة كذا وكذا، وقد بات يستره ربه، ويصبح يكشف ستر الله عنه”([49]).
أقواله المأثورة
كان لسالم بن عبد الله بن عمر رحمه الله، الكثير من الأقوال المأثورة، نذكر جانباً منها:
1- عن عبد الله بن إسحاق، قال: سمعت سالم بن عبد الله، يقول: “إياكم وإدامة اللحم، فإن له ضراوة كضراوة الشراب”([50]).
2- وعن داود بن عبد الرحمن قال: سمعت سالم بن عبد الله، وسأله رجل، ونحن نطوف بالبيت: هل يؤم الأعرابي المهاجر؟ قال: “ما يضره إذا كان رجلاً صالحاً”([51]).
3- وعن عمرو بن دينار عن سالم، قال: قالت عائشة رضي الله عنها: “أنا طيبت رسول الله صلى الله عليه وسلم لحله، وإحرامه” قال سالم: “وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم أحق أن تتبع”([52]).
4- وعن عمرو بن دينار، عن سالم بن عبد الله: أنه نظر إلى قوم من السوق قاموا وتركوا بياعاتهم إلى الصلاة، فقال: هؤلاء الذين ذكر الله في كتابه: {لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ} [النور: 37] الآية([53]).
5- وعن سالم بن عبد الله قال: “لا يستقيد العبد من الحر، ولكن يعقله إن قتله أو جرحه، وعقل المملوك في ثمنه مثل عقل الحر في ديته”([54]).
6- وعن سالم بن عبد الله قال: “بلغني أن الرجل يسأل يوم القيامة، عن فضل علمه كما يسأل عن فضل ماله”([55]).
7- وعن سالم بن عبد الله، قال: “صلى بنا ابن الزبير فمرت بين أيدينا امرأة بعد ما قد صلينا ركعة أو ركعتين، فلم يبال بها”([56]).
8- وعن سالم بن عبد الله، قال: “كانوا لا يرون بما وطئ من التصاوير بأسا، والله أعلم”([57]).
9- وقال سالم بن عبد الله: قال لي عمر بن عبد العزيز: اكتب إلي بسنة عمر، قال: قلت: “إنك إن عملت بما عمل عمر فأنت أفضل من عمر، إنه ليس لك مثل زمان عمر، ولا رجال مثل رجال عمر”([58]).
([1]) انظر ترجمته في: تاريخ الإسلام (7/ 88) والبداية والنهاية (9/ 234) وحلية الأولياء وطبقات الأصفياء (2/ 193) والمنتظم في تاريخ الملوك والأمم (7/ 113) والأعلام للزركلي (3/ 71) وغيرها.
([46]) صحيح مسلم في كتاب الفتن وأشراط الساعة، باب الفتنة من المشرق من حيث يطلع قرناً الشيطان (4/ 2229-2905).