احتساب صهيب الرومي رضي الله عنه
(32 ق هـ – 38 هـ = 592 – 659 م)
اسمه:
هو صهيب بن سنان بن مالك، من بني النمر بن قاسط([1]).
مناقبه:
صهيب بن سنان صحابي جليل، من أرمى العرب سهمًا، وله بأس، وهو أحد السابقين إلى الإسلام، كان أبوه من أشراف الجاهليين، ولّاه كسرى على الأبلة (البصرة) وكانت منازل قومه في أرض الموصل، على شط الفرات، مما يلي الجزيرة والموصل، وبها ولد صهيب، فأغارت الروم على ناحيتهم، فسبوا صهيبًا وهو صغير، فنشأ بينهم، فكان ألكن، واشتراه منهم أحد بني كلب، وقدم به مكة، فابتاعه عبد الله بن جدعان التيمي، ثم أعتقه، فأقام بمكة يحترف التجارة، إلى أن ظهر الإسلام، فأسلم، ولم يتقدمه غير بضعة وثلاثين رجلًا، فلما أزمع المسلمون الهجرة إلى المدينة، كان صهيب قد ربح مالًا وفيرًا من تجارته، فمنعه مشركو قريش، وقالوا: جئتنا صعلوكًا حقيرًا، فلما كثر مالك هممت بالرحيل؟ فقال: أرأيتم إن تركت مالي تخلون سبيلي؟ قالوا: نعم، فجعل لهم ماله أجمع، فبلغ النبي صلى الله عليه وسلم ذلك، فقال: “ربح صهيب، ربح صهيب”([2]) وشهد بدرًا، وأحدًا، والمشاهد كلها.
له من الأحاديث سبعة وثلاثمائة، وتوفي في المدينة، وكان يعرف بصهيب الرومي.
وفي صحيح مسلم عن عائذ بن عمرو، أن أبا سفيان، أتى على سلمان، وصهيب، وبلال في نفر، فقالوا: والله ما أخذت سيوف الله من عنق عدو الله مأخذها، قال فقال أبو بكر: أتقولون هذا لشيخ قريش وسيدهم؟، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم، فأخبره، فقال: “يا أبا بكر لعلك أغضبتهم، لئن كنت أغضبتهم، لقد أغضبت ربك” فأتاهم أبو بكر فقال: يا إخوتاه أغضبتكم؟ قالوا: لا، يغفر الله لك يا أخي([3]).
وفي ابن ماجه: عن صهيب، قال: قدمت على النبي صلى الله عليه وسلم، وبين يديه خبز وتمر، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: “ادن فكل” فأخذت آكل من التمر، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: “تأكل تمرًا وبك رمد؟” فقلت: إني أمضغ من ناحية أخرى، فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم([4]).
وقال عمر رضي الله عنه في صُهيب بن سِنَان الرُّومي: نِعْمَ العبدُ صهيب، لو لم يخفِ اللهَ لم يَعصهِ.
وَوَجُهُه: أنَّ صهيبًا إنما يُطيعُ اللهَ حُبًّا له لا مخافةَ عقابِهِ، يقول: فلو لم يكن عقابٌ يَخافُهُ ما عَصَى اللهَ أيضًا([5]).
روى عنه من أولاده: حبيب، وزياد، وحمزة، وسعيد بن المسيب، وعبد الرحمن بن أبي ليلى، وكعب الأحبار، وغيرهم([6]).
وعن عبد العزيز بن أبي رواد، قال: كان لصهيب امرأة فكان يطيل السهر، قال: فقالت له: يا صهيب، قد أفسدت علي نفسك، فقال صهيب: إن الله جعل الليل سكنًا لصهيب، وإن صهيبًا إذا ذكر الجنة طال شوقه، وإذا ذكر النار طار نومه([7]).
سيرته الاحتسابية
كان لصهيب رضي الله عنه سيرة احتسابية، كثيرة المواقف، نذكر طرفًا منها:
1- مشاركته في الجهاد مع رسول الله، وهو نوع من الحسبة:
فعن صهيب، قال: “لم يشهد رسول الله صلى الله عليه وسلم مشهدًا قط إلا كنت حاضره، ولم يبايع بيعة قط إلا كنت حاضره، ولم يسرِ سرية قط إلا كنت حاضرها، ولا غزا غزاة قط أول الزمان وآخره إلا كنت فيها عن يمينه، أو شماله، وما خافوا أمامهم قط إلا وكنت أمامهم، ولا ما وراءهم إلا كنت وراءهم، وما جعلت رسول الله صلى الله عليه وسلم بيني وبين العدو قط، حتى توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم”([8]).
2- إنكاره على قريش:
عن رجل من ولد صهيب، عن أشياخه: أن صهيبًا مر بقريش، ومعه خباب بن الأرت، وعمار بن ياسر. فقالوا: هؤلاء جلساء محمد! وجعلوا يهزؤون، فقال صهيب: نحن جلساء نبي الله، آمنا وكفرتم، وصدقناه وكذبتموه، ولا خسيسة مع الإسلام، ولا عز مع الشرك، فعذبوه وضربوه، وجعلوا يقولون: أنتم الذين منّ الله عليكم من بيننا؟([9])
وكان يقول رضي الله عنه: لما أسلم عمر ظهر الإسلام، ودعي إليه علانية، وجلسنا حول البيت حلقًا، وطفنا بالبيت، وانتصفنا ممن غلظ علينا، ورددنا عليه بعض ما يأتي به([10]).
([1]) انظر ترجمته في: الاستيعاب في معرفة الأصحاب (2/ 726)، وتاريخ الإسلام (3/ 597)، والكامل في التاريخ (1/ 665)، والبداية والنهاية (7/ 317)، والأعلام للزركلي (3/ 210)، وغيرها.
([2]) صحيح ابن حبان – محققًا (15/ 557-7082) وفضائل الصحابة لأحمد بن حنبل (2/ 828-1509) وصححه الألباني في التعليقات الحسان على صحيح ابن حبان (10/ 173).