احتساب عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه
(44 ق هـ – 32 هـ = 580 – 652 م)
اسمه:
هو عبد الرحمن بن عوف بن عبد عوف بن عبد الحارث، أبو محمد، الزهري القرشي، صحابي، من أكابرهم.
اسمه في الجاهلية عبد الكعبة، أو عبد عمرو، وسماه رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الرحمن.
مناقبه:
هو أحد العشرة المبشَّرين بالجنة.
كما أخرج الترمذي: عن عبد الرحمن بن عوف، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “أبو بكر في الجنة، وعمر في الجنة، وعثمان في الجنة، وعلي في الجنة، وطلحة في الجنة والزبير في الجنة، وعبد الرحمن بن عوف في الجنة، وسعد في الجنة، وسعيد في الجنة، وأبو عبيدة بن الجراح في الجنة”([1]).
وأحد الستة أصحاب الشورى، الذين جعل عمر الخلافة فيهم، وأحد السابقين إلى الإسلام، قيل: هو الثامن. وكان من الأجواد الشجعان العقلاء.
ولد بعد الفيل بعشر سنين، وأسلم، وشهد بدراً وأحداً، والمشاهد كلها، وجرح يوم أحد 21 جراحة، وأعتق في يوم واحد ثلاثين عبداً، وكان يحترف التجارة، والبيع والشراء، فاجتمعت له ثروة كبيرة، وتصدق يوماً بقافلة، فيها سبع مائة راحلة، تحمل الحنطة والدقيق والطعام؛ ولما حضرته الوفاة أوصى بألف فرس وبخمسين ألف دينار في سبيل الله، له (65) حديثاً، ووفاته في المدينة([2]).
ومن مناقبه:
ما روي عن أبي صالح، عن أبي سعيد، قال: كان بين خالد بن الوليد، وبين عبد الرحمن بن عوف شيء، فسبه خالد، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “لا تسبوا أحداً من أصحابي، فإن أحدكم لو أنفق مثل أحد ذهباً، ما أدرك مد أحدهم، ولا نصيفه”([3]).
ومن مناقبه إكرامه لأزواج النبي من بعده:
فعن أبي سلمة، عن عائشة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول: “إن أمركن لمما يهمني بعدي، ولن يصبر عليكن إلا الصابرون” قال: ثم تقول عائشة، فسقى الله أباك من سلسبيل الجنة، تريد عبد الرحمن بن عوف، وقد كان وصل أزواج النبي صلى الله عليه وسلم بمال -حديقة-، يقال: بيعت بأربعين ألفاً([4]).
وفي البخاري:
عن سعد، عن أبيه، قال: أتي عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه يوماً بطعامه، فقال: “قتل مصعب بن عمير، وكان خيراً مني، فلم يوجد له ما يكفن فيه إلا بردة، وقتل حمزة -أو رجل آخر- خير مني، فلم يوجد له ما يكفن فيه إلا بردة، لقد خشيت أن يكون قد عجلت لنا طيباتنا في حياتنا الدنيا، ثم جعل يبكي”([5]).
وأخرج البخاري:
عن أنس رضي الله عنه، قال: قدم عبد الرحمن بن عوف المدينة فآخى النبي صلى الله عليه وسلم، بينه وبين سعد بن الربيع الأنصاري، وكان سعد ذا غنى، فقال لعبد الرحمن: أقاسمك مالي نصفين وأزوجك، قال: بارك الله لك في أهلك ومالك، دلوني على السوق، فما رجع حتى استفضل أقطاً وسمناً، فأتى به أهل منزله، فمكثنا يسيراً، أو ما شاء الله، فجاء وعليه وضر من صفرة، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: “مهيم” قال: يا رسول الله تزوجت امرأة من الأنصار، قال: “ما سقت إليها؟” قال: نواة من ذهب -أو وزن نواة من ذهب- قال: “أولم ولو بشاة”([6]).
وعن سعد بن الحسن التميمي قال: “كان عبد الرحمن بن عوف لا يُعرَف من بين عبيده -يعني من التواضع- في الزي”([7]).
سيرته الاحتسابية
كان لعبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه مواقف احتسابية كثيرة، منها:
1- إنكاره على صهيب:
عن عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه أنه قال لصهيب: اتقِّ الله، ولا تدع إلى غير أبيك، فقال صهيب: “ما يسرني أن لي كذا وكذا، وأني قلت ذلك، ولكني سرقت وأنا صبي”([8]).
فقوله: “لا تدع إلى غير أبيك” قال له ذلك لأنه كان يقول: إنه ابن سنان بن مالك، وينتهي نسبه إلى النمر بن قاسط، وهو عجمي اللسان.
وقوله: “ما يسرني” أي: لا أرضى أن أدعي إلى غير أبي، ولو أعطيت الكثير.
وقوله: “سرقت وأنا صبي” بعد أن عرفت مولدي وأهلي وباعني الذين سرقوني إلى الروم.
2- إنكاره على رجل يحلف عند منبر النبي صلى الله عليه وسلم:
روي عن عبد الرحمن بن عوف أنه رأى رجلاً يحلف عند منبر النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: أعلى دم؟ قالوا: لا، قال: أفعلى عظيم من المال؟ لقد خشيت أن يتهاون الناس بهذا المكان، ولم ينكر ذلك عليه أحد([9]).
3- إنكاره على القُصاص:
عن القاسم بن كثير، أن رجلاً من أصحابه قال: كان كعب الأحبار يقص، فقال عبد الرحمن بن عوف: “لا يقص إلا مأمور أو مراء” قال: فأتى كعب، فقيل له: ثكلتك أمك، هذا عبد الرحمن بن عوف، يقول: كذا وكذا، فترك القصص، ثم إن معاوية أمره بالقصص، فاستحل ذاك بذاك([10]).
مروياته وآراؤه الاحتسابية
كان لعبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه مرويات وآراء احتسابية كثيرة، منها:
1- عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: كنت أقرئ عبد الرحمن بن عوف، فلما كان آخر حجة حجها عمر، فقال عبد الرحمن بمنى: لو شهدت أمير المؤمنين أتاه رجل قال: إن فلاناً يقول: لو مات أمير المؤمنين لبايعنا فلاناً، فقال عمر: “لأقومن العشية، فأحذر هؤلاء الرهط الذين يريدون أن يغصبوهم” قلت: لا تفعل، فإن الموسم يجمع رعاع الناس، يغلبون على مجلسك، فأخاف أن لا ينزلوها على وجهها، فيطير بها كل مطير، فأمهل حتى تقدم المدينة دار الهجرة، ودار السنة، فتخلص بأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من المهاجرين والأنصار، فيحفظوا مقالتك، وينزلوها على وجهها، فقال: “والله لأقومن به في أول مقام أقومه بالمدينة” قال ابن عباس: فقدمنا المدينة، فقال: “إن الله بعث محمداً صلى الله عليه وسلم بالحق، وأنزل عليه الكتاب، فكان فيما أنزل آية الرجم”([11]).
وعن ابن عباس، عن عبد الرحمن بن عوف، قال: حج عمر بن الخطاب، فأراد أن يخطب الناس خطبة، فقال عبد الرحمن بن عوف: إنه قد اجتمع عندك رعاع الناس، فأخر ذلك حتى تأتي المدينة.
فلما قدم المدينة دنوت منه قريباً من المنبر، فسمعته يقول: وإن ناساً يقولون: ما بال الرجم، وإنما في كتاب الله الجلد؟ وقد رجم رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورجمنا بعده، ولولا أن يقولوا: أثبت في كتاب الله ما ليس فيه، لأثبتها كما أنزلت([12]).
2- وعن أنس بن مالك رضي الله عنه، أن نبي الله صلى الله عليه وسلم جلد في الخمر بالجريد، والنعال، ثم جلد أبو بكر أربعين، فلما كان عمر، ودنا الناس من الريف والقرى، قال: ما ترون في جلد الخمر؟ فقال عبد الرحمن بن عوف: أرى أن تجعلها كأخف الحدود، قال: “فجلد عمر ثمانين”([13]).
3- وعن ابن شهاب، عن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف، عن أبيه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: “ليس على المختلس قطع”([14]).
4- وعن عبد الرحمن بن حميد بن عبد الرحمن بن عوف، عن أبيه، عن جده عبد الرحمن، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “شهدت حلف بني هاشم، وزهرة وتيم فما يسرني أني نقضته ولي حمر النعم ولو دعيت به اليوم لأجبت على أن نأمر بالمعروف، وننهى عن المنكر ونأخذ للمظلوم من الظالم([15]).
5- وروى أن امرأة ذكرت عند عمر بالزنا، فبعث إليها، ففزعت، فألقت ما في بطنها، فاستشار الصحابة في ذلك، فقال له عبد الرحمن بن عوف وغيره: إنما أنت مؤدب ولا شيء عليك، فقال لعلى: ما تقول؟ فقال: إن كان اجتهدوا فقد أخطئوا، عليك الدية([16]).
6- وعن سعد بن إبراهيم قال: حدثني أخي المسور بن إبراهيم عن أبيه عن عبد الرحمن بن عوف أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “إذا أقيم الحد على السارق، فلا غرم عليه”([17]).
7- وعن زرارة بن مصعب عن المسور بن مخرمة عن عبد الرحمن بن عوف قال:
حرست مع عمر ذات ليلة، فشب لنا سراج، فأتيناه، فإذا باب مجاف، وأصوات ولغط، قال: فقال لي: هذا بيت ربيعة بن أمية بن خلف، وهم الآن شرب، فما ترى؟
قال: أرى أن قد أتينا الذي نهينا عنه: التجسس.
قال: فانصرف، وانصرفت معه([18]).
([1]) سنن الترمذي في أبواب المناقب، باب مناقب عبد الرحمن بن عوف بن عبد عوف الزهري رضي الله عنه (5/ 647-3747) وصححه الألباني.
([2]) انظر ترجمته في: الإصابة في تمييز الصحابة (4/ 290) وأسد الغابة (3/ 475) والبداية والنهاية (10/ 253) والمنتظم في تاريخ الملوك والأمم (5/ 33) والأعلام للزركلي (3/320- 321).
([3]) صحيح مسلم في كتاب فضائل الصحابة رضي الله تعالى عنهم باب تحريم سب الصحابة رضي الله عنهم (4/ 1967-2541).
([6]) صحيح البخاري في كتاب البيوع، باب ما جاء في قول الله تعالى: {فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل الله واذكروا الله كثيرا لعلكم تفلحون وإذا رأوا تجارة أو لهوا انفضوا إليها وتركوك قائما قل ما عند الله خير من اللهو ومن التجارة والله خير الرازقين} [الجمعة: 11] (3/ 53-2049).