احتساب محمد بن سيرين رحمه الله
(33 – 110 هـ = 653 – 729 م)
اسمه ونشأته:
هو محمد بن سيرين البصري، الأنصاري بالولاء، أبو بكر، إمام وقته في علوم الدين بالبصرة،
تابعي جليل، من أشراف الكتّاب، مولده ووفاته في البصرة، نشأ بزازاً، في أذنه صمم، وتفقه وروى الحديث، واشتهر بالورع وتعبير الرؤيا، واستكتبه أنس بن مالك بفارس، وكان أبوه مولى لأنس([1]).
مكانته وفضله وثناء العلماء عليه:
قال هشام بن حسان عنه: هو أصدق من أدركت من البشر.
وقال محمد بن سعد: كان ثقة مأموناً عالماً رفيعاً فقيهاً إماماً كثير العلم ورعاً، وكان به صمم.
وقال مؤرق العجلي: ما رأيتُ رجلاً أفقه في ورعه، وأورع في فقهه منه.
وقال ابن عون: كان محمد بن سيرين أرجى الناس لهذه الأمة، وأشد الناس إزاراً على نفسه، وأشدهم خوفاً عليها.
وقال ابن عون: ما بكى في الدنيا مثل ثلاثة، محمد بن سيرين في العراق، والقاسم بن محمد في الحجاز، ورجاء بن حيوة بالشام.
وكان الشعبي يقول: عليكم بذاك الأصم -يعني محمد بن سيرين-.
وقال ابن شوذب: ما رأيتُ أحداً أجرأ على تعبير الرؤيا منه.
وقال عثمان البتي: لم يكن بالبصرة أعلم بالقضاء منه([2]).
وقال العجلي: محمد بن سيرين بصري، تابعي، ثقة، يكنى أبا بكر، وهو من أروى الناس عن شريح وعبيدة، وإنما تأدب بالكوفيين من أصحاب عبد الله([3]).
وقال حبيب بن الشهيد: كنتُ عند عمرو بن دينار فقال: واللهِ ما رأيتُ مثل طاوس قط، فقال أيوب -وكان جالساً-: والله لو رأى محمد بن سيرين لم يقله([4]).
وعن أبي عوانة، قال: رأيتُ محمد بن سيرين مر في السوق، فجعل لا يمر بقوم إلا سبحوا وذكروا الله تعالى([5]).
وعن أحمد بن أبي الحواري عن عبد الله بن السري قال: قال محمد بن سيرين: إني لأعرف الذنب الذي حمل علي الدين، حتى قيل: إنه مات في الحبس -رضي الله تعالى عنه-، فقيل له: ما هو؟ قال: إني قلت لرجل منذ أربعين سنة: يا مفلس.
قال أحمد: فحدثتُ بذلك أبا سليمان الداراني -رضي الله عنه- فقال: يا أحمد قلَّت ذنوبهم فعرفوا من أين يؤتون؟ وكثرت ذنوبي وذنوبك فليس ندري من أين نؤتى؟([6]).
أي: أنَّ الإنسان إذا كانت ذنوبه قليلة، ونزل به بلاء، فإنه يعرف أنه بسبب ذنب كذا، أما من كان له في كل لحظة ذنب، وفي كل يوم عشرات الذنوب، أو مئات الذنوب، فلا يدري من أين يؤتى؟!
وقال عنه الأصبهاني: كان من أورع أهل البصرة، وكان فاضلاً حافظاً، يعبر الرؤيا، رأى ثلاثين من أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، مات سنة عشر ومائة بعد الحسن بمائة يوم، وقبره بإزاء قبر الحسن بالبصرة مشهور يزار([7]).
ورعه:
كان ابن سيرين -رحمه الله- من أورع الناس، ومما يُحكى عنه في ذلك:
ما روي عن عقبة بن أبي حسيرة عن محمد بن سيرين قال: ما تمنيتُ شيئاً قط، قلنا له: فكيف ذاك؟ قال: إذا عرض لي شيء من ذلك سألتُ ربي.
قال: وسمعت محمد بن سيرين يقول: وقال له رجل: يا أبا بكر ما أشد الورع! فقال ابن سيرين: ما أهون الورع! قيل له: وكيف ذاك؟ قال: إذا رابني شيء تركته لله([8]).
وقيل: كان لا يطعم عند كل أحد، وكان إذا دعي أجاب، ولم يطعم، وكان إذا دعي إلى وليمة يدخل في منزله فيقول: اسقوني شربة سويق، فقيل له في ذلك، فقال: أكره أن أحمل حدة جوعي على طعام الناس.
وقال عاصم الأحول: لم يترك ابن سيرين أحداً يمشي معه.
وقال: المسلم للمسلم عند الدرهم، وكان يخرج الزيوف من ماله.
وقال ابن عون: كان لابن سيرين منازل لا يكريها إلا من أهل الذمة، فقيل له في ذلك، فقال: إذا جاء رأس الشهر رعته، وأكره أن أروع مسلماً.
وأوصى أنس بن مالك أن يغسله بن سيرين, وكان محبوساً، فقيل له في ذلك، فقال: أنا محبوس، قالوا: قد استأذنا الأمير، فأذن لك، قال: إن الأمير لم يحبسني، إنما حبسني الذي له الحق، فأذن له صاحب الحق، فخرج، فغسله([9]).
وعن جرير بن حازم قال: سمعتُ محمد بن سيرين يحدث رجلاً، فقال: ما رأيتُ الرجل الأسود؟ ثم قال: أستغفر الله، ما أراني إلا قد اغتبت الرجل([10]).
وعن السري بن يحيى قال: ترك محمد بن سيرين ربح أربعين ألفاً، في شيء دخله، قال: وحدثنا السري بن يحيى قال: قال لي سليمان التيمي: والله لقد تركها في شيء ما تختلف العلماء فيه أنه لا بأس به([11]).
سيرته الاحتسابية
كان محمد بن سيرين -رحمه الله- من كبار المحتسبين، فلقد عظُمت سيرته الاحتسابية، وتعددت مواقفه في الحسبة، مما يصعب حصرها، وسنشير إلى بعضٍ منها:
1- إنكاره على يدعي الصعق عند سماع القرآن:
سُئل محمد بن سيرين عمن يسمع القرآن فيصعق، قال: ميعاد ما بيننا وبينهم أن يجلسوا على حائط فيقرأ عليهم من أوله إلى آخره، فإن سقطوا فهم كما يقولون([12]).
وكان هذا من فعل بعض الصوفية، حيث كان الواحد منهم إذا سمع آية صعق، ولم يكن هذا من هدي الصحابة -رضي الله عنهم-.
2- إنكاره على من يُكفر بالذنب:
عن هشام، قال: كنَّا عند محمد بن سيرين، فتحدثنا، فقال رجل من القوم: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ} [النساء (93)] حتى ختم الآية، قال: فغضب محمد وقال: أين أنت عن هذه الآية: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} [النساء (48)] قم عني، اخرج عني، فأُخرج([13]).
3- إنكاره على أهل البدع والأهواء:
كان -رحمه الله- سيفاً على أهل البدع والأهواء، لدرجة أنه كان لا يستمع إليهم، ولا يسمح لكلامهم أن يدخل في أذنيه، ويعلل ذلك بأنه: إما أن يمرضه، وإما أن يقتنع به، فيصير من أهل البدع، وإما أن يحدث عنده شبهات فيظل قلبه مشوشاً.
وهكذا كانت عادة السلف أنهم لا يجالسون أهل البدع، ولا يسمعون كلامهم، ولا يلقون عليهم سلاماً، وإذا وجدوا مبتدعاً في طريق سلكوا طريقاً آخر.
ومما يُروى عن ابن سيرين في ذلك:
أنَّ رجلين من أصحاب الأهواء دخلا على محمد بن سيرين، فقالا: يا أبكر نحدثك بحديث؟ فقال: لا، قالا: فنقرأ عليك آية من كتاب الله؟ قال: لا؛ لتقومان عني، أو لا قوم عنكما، قال: فقام الرجلان، فخرجا، فقال بعض القوم: يا أبا بكر وما عليك أن يقرآ عليك آية من كتاب الله تعالى؟ فقال له ابن سيرين: إني خشيتُ أن يقرآ عليَّ آية، فيحرفانها، فيقر ذلك في قلبي([14]).
وعن قرة بن خالد عن محمد بن سيرين قال: لو خرج الدجال لرأيت أنه سيتبعه أهل الأهواء([15]).
وعن ابن عون قال: جاء رجل إلى محمد فذكر له شيئاً من القدر، فقال محمد: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسانِ وَإِيتاءِ ذِي الْقُرْبى وَيَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} [النحل (90)] قال: ووضع إصبعي يديه في أذنيه، وقال: إما أن تخرج عني، وإما أن أخرج عنك! قال: فخرج الرجل([16]).
وعن شعيب بن الحبحاب: قلتُ لابن سيرين: ما ترى في السماع من أهل الأهواء؟
قال: لا نسمع منهم ولا كرامة([17]).
4- إنكاره على رجل يدَّعِي عليه مالاً:
عن أبي بكر صاحب القواريري قال: جاء رجل إلى محمد بن سيرين، فادعى عليه درهمين، فأبى أن يعطيه، فقال له: تحلف؟ قال: نعم، قال: فقيل له: يا أبا بكر تحلف على درهمين؟! قال: لا أطعمه حراماً، وأنا أعلم([18]).
5- إنكاره على رجل يدعو بدعاء غريب:
عن عيسى ابن منهال قال: حدثنا غالب، عن محمد بن سيرين، قال: كنتُ أطوف بالكعبة، فإذا رجل وهو يقول: اللهم اغفر لي، وما أظن أن تغفر لي، قلتُ: يا عبد الله ما سمعتُ أحداً يقول ما تقول، قال: كنتُ أعطيتُ اللهَ عهداً إن قدرتُ أن ألطم وجه عثمان إلا لطمته، فلما قتل وضع على سريره في البيت، والناس يجيئون، فيصلون عليه، فدخلتُ كأني أصلي عليه، فوجدتُ خلوة، فرفعتُ الثوب عن وجهه، فلطمتُ وجهه، وسجيته، وقد يبست يميني، قال ابن سيرين: فرأيتُها يابسة، كأنها عود([19]).
6- إنكاره على من اغتابه:
قال ابن عون: جاء قوم إلى ابن سيرين، فقالوا: إنا نلنا منك، فاجعلنا في حل، قال: لا أحل ما حرم الله!([20])
7- رفضه قبول العطاء قبل الناس:
عن خليد بن دعلج قال: لما استخلف عمر بن عبد العزيز أرسل إلى الحسن وابن سيرين يقول لهما: أرد عليكما ما حُبس عنكما من أعطيتكما.
فقال ابن سيرين: إن فعل ذلك بأهل البصرة فعلت، وأما غير ذلك فلا، فكتب عمر: إن المال لا يسع، قال: وقبل الحسن([21]).
8- إنكاره على السَّجَّان:
عن عبد الحميد بن عبد الله بن يسار قال: لما حبس ابن سيرين في السجن، قال له السجان: إذا كان الليل، فاذهب إلى أهلك، فإذا أصبحت فتعال، فقال ابن سيرين: لا والله، لا أعينك على خيانة السلطان.
قلتُ: وكان حبس ابن سيرين في سبب دين ركبه لبعض الغرباء([22]).
9- موقفه مع ابن هبيرة:
عن موسى بن محمد الأنصاري عن شيخ يقال له: إسحاق، قال: دخل ابن سيرين على ابن هبيرة، وعنده الناس، فقال: السلام عليكم، فغضب ابن هبيرة، فأرسل إليه، فدخل عليه وهو وحده، فقال: السلام عليك أيها الأمير، فقال ابن هبيرة: جئتني وعندي الناس، فقلتَ: السلام عليكم، وجئتَ الآن، فقلتَ: السلام عليك أيها الأمير.
فقال ابن سيرين: إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان إذا سلم عليه وهو في القوم، قالوا: السلام عليكم، وإذا كان وحده، قالوا: السلام عليك يا رسول الله([23]).
10- موقف آخر مع ابن هبيرة:
عن ابن عون قال: لما توجه ابن سيرين إلى ابن هبيرة، قلتُ بيني وبين أيوب: أراه سينزل مسألة ابن هبيرة إياه منزلة الشهادة، قال: فأخبرني بعض من كان معه، قال: لما دخل على ابن هبيرة قال: كيف تركت البصرة؟ قال: تركتُ الظلم فيها فاشياً، قال: فغضب ابن هبيرة، وأبو الزناد عند رأسه، فجعل يقول: أصلحك الله إنه شيخ، إنه شيخ، قال: إلى أن عرض شيء فتكلم فيه محمد ببعض كلامه ذاك، قال: فضحك ابن هبيرة، قال ابن عون: فأخبرني محمد فقال: لما خرجتُ، قال: أعطوه كذا، وأعطوه كذا، فأبيتُ أن أقبل، فأتاني إياس بن معاوية، فقال: أترد على الأمير عطيته؟ قال: قلتُ: إن كانت صدقة فلا حاجة لي فيها، وإن كان إنما يعطيني أجر ما علمني الله، فلا أريد عليه أجراً([24]).
وقال معاذ، عن ابن عون: إن عمر بن عبد العزيز بعث إلى الحسن فقبل، وبعث إلى ابن سيرين فلم يقبل.
وقال ضمرة بن ربيعة، عن رجاء قال: كان الحسن يجيء إلى السلطان ويعيبهم، وكان ابن سيرين لا يجيء إليهم ولا يعيبهم.
وقال هشام ما رأيتُ أحداَ عند سلطان أصلب من ابن سيرين([25]).
ومع موقفه الحازم مع الأمراء فقد روى عنه أبو مسهر عن أبي مسلم سلمة بن العيار الفزاري قال: كان محمد بن سيرين يترحم على سليمان بن عبد الملك، ويقول: افتتح خلافته بخير، وختمها بخير، افتتحها بإجابة الصلاة لمواقيتها، وختمها باستخلافه عمر بن عبد العزيز([26]).
11- إنكاره على صبيان:
عن حماد بن يحيى الضبعي قال: رأيتُ محمد بن سيرين ورأى صبياناً يلعبون بالكعاب، فقال: يا صبيان لا تقامروا، فإن القمار من الميسر.
قال محمد بن الحسين: إعلامهم الصبيان أن هذا حرام، وأن هذا من الميسر وهو القمار، حتى إذا بلغ الصبيان؛ علموا أنه قد أنكر عليهم الشيوخ, وقد أعلموهم أنه حرام؛ حتى ينتهوا عنه, وإلا قال الصبيان: قد لعبنا به فما أنكر علينا أحد، ولو كان منكراً لأنكروه, هكذا ينبغي للرجل إذا رأى صبياً يعمل شيئاً من المنكر، أو يتكلم بشيء مما لا يحل أن يعلمه أن هذا حرام لا يحل العمل به، ولا القول به([27]).
12- إنكاره على بعض مظاهر التصوف:
عن جابر بن أيوب قال: دخل الصلت بن راشد على محمد بن سيرين، وعليه جبة صوف، وإزار صوف، وعمامة صوف، فاشمأز عنه محمد، وقال: أظن أن أقواماً يلبسون الصوف، ويقولون قد لبسه عيسى ابن مريم، وقد حدثني من لا أتهم أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قد لبس الكتان والصوف والقطن، وسنة نبينا أحق أن تتبع.
ومقصود ابن سيرين من هذا أن قوماً يرون أن لبس الصوف دائماً أفضل من غيره، فيتحرونه ويمنعون أنفسهم من غيره، وكذلك يتحرون زياً واحداً من الملابس، ويتحرون رسوماً وأوضاعاً وهيئات يرون الخروج عنها منكراً، وليس المنكر إلا التقيد بها، والمحافظة عليها، وترك الخروج عنها([28]).
13- إنكاره على أمر من الأمور:
عن ابن عونٍ، قال: ذُكِرَ عند محمَّد بن سيرين أنَّ عمر بن عبد العزيز أَقْرَعَ بين الْفَطْمِ, فأنكره, وقال: “ما أرى هذا إلا من الاستقسام بالأزلام”([29]).
14- إنكاره على فتوى:
عن الصَّعق بن حَزْنٍ قال: سمعتُ محمدَ بن سيرين، سُئِلَ عن امرأة نذرتْ أن تمشي إلى البيت، قال: فَأَمَرَهَا الحسنُ أن تركب، وكان ابن سيرين أنكر ذلك، وقال: إنِّي سمعتُ اللَّهَ تعالى يقول: {وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ} [التوبة (75)]([30]).
15- إنكاره على رجل ينسب قولاً إلى ابن مسعود:
عن أبي عبد الله عن هشام قال: شهدتُ ابن سيرين وعنده أبو معشر، قال: فذكر أبو معشر نبيذ الجر، قال ابن مسعود: كان لا يرى به بأساً، قال: فرفع ابن سيرين رأسه، وقال: أيها الرجل لقد لقينا أصحاب ابن مسعود، فأنكروا ما تقول مرتين أو ثلاثاً([31]).
وكان محمد بن سيرين يقول: هذا الحديث دين فانظروا عن من تأخذون دينكم([32]).
16- إنكاره على إطالة الخطبة:
عن بن عون عن محمد بن سيرين قال: أطال بعض الأمراء الخطبة، فنكأت يدي حتى أدميتها، ثم قمتُ وخرجتُ، وأخذتني السياط، فمضيتُ([33]).
17- إنكاره على من طلب منه أن يفتي برأيه:
عن أبي حرة قال: سأل رجل بن سيرين عن شيء، فقال: لا علم لي به، فقال الرجل: أحب أن تقول فيه برأيك، فقال: إني أكره أن أقول فيه برأيي، فربما قلت فيه برأيي، ثم فسد إلى غيره، فأطلبك فلا أجدك، إن ابن عباس قد رأى في الصرف رأياً ثم رجع عنه([34]).
18- إنكاره على التجار:
كان ابن سيرين يقول للرجل إذا أراد أن يسافر في التجارة: اتقِ الله، واطلب ما قدر لك من الحلال، فإنك إن لم تطلبه من ذلك لم تصب أكثر مما قدر لك([35]).
إنكاره على
مروياته الاحتسابية
روي عن محمد بن سيرين مروايات احتسابية كثيرة، منها:
1- عن محمد بن سيرين قال: أتي عمر بن الخطاب بشراب حين طعن فخرج من جراحته، فقال صهيب: وا عمراه، وا أخاه، من لنا بعدك، فقال له عمر: مه يا أخي، أما شعرت أنه من يعول عليه يعذب؟([36]).
2- عن ابن سيرين، عن ربيع بن خثيم، أنه قال: أقلوا الكلام إلا في تسع: تسبيح، وتحميد، وتهليل، وتكبير، وقراءة القرآن، وأمر بالمعروف، ونهي عن المنكر، وسؤالك الخير، وتعوذك من الشر([37]).
3- عن محمد بن سيرين، عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((أهل المعروف في الدنيا أهل المعروف في الآخرة، وأهل المنكر في الدنيا أهل المنكر في الآخرة))([38]).
4- وعن محمد بن سيرين قال: قدم صهر لعمر عليه، فطلب أن يعطيه عمر من بيت المال فانتهره عمر، وقال: أردت أن ألقى الله ملكا خائنا!؟ فلما كان بعد ذلك أعطاه من صلب ماله عشرة آلاف درهم([39]).
5- عن محمد بن سيرين، عن أبي مريم الحنفي أنّ عمر قرأ بعد الحدث، فقال له أبو مريم الحنفيّ: إنك خرجت من الخلاء، فقال له: أمسيلمة أفتاك بهذا؟([40])
6- عن ابن سيرين، عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- أبصر رجلاً يدعو بأصبعيه جميعاً فنهاه، وقال: بإحداهما، باليمنى([41]).
7- عن ابن سيرين، قال: رأى عمر في يد رجل خاتماً من ذهب فنهاه عنه([42]).
8- عن ابن سيرين أن أبا أيوب كان يصلي بعد العصر ركعتين، فنهاه زيد بن ثابت، فقال: إن الله لا يعذبني على أن أصلي، ولكن يعذبني على أن لا أصلي، فقال: إني آمرك بهذا وأنا أعلم أنك خيرٌ مني، قال: ما عليك بأس أن تصلي ركعتين بعد العصر، ولكني أخاف أن يراك من لا يعلم فيصلي في الساعة التي حرم فيها الصلاة([43]).
9- عن محمد بن سيرين، قال: نبئت أن عمر -رضي الله عنه- كان إذا سمع صوتاً أنكره، وسأل عنه فإن قيل: عرس أو ختان أقره([44]).
10- عن ابن سيرين، عن عقبة بن أوس، عن عبد الله بن عمرو قال: قال لي رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((كيف أنت إذا بقيت في حثالة من الناس، قد مرجت فيها عهودهم وأماناتهم، واختلفوا فصاروا هكذا؟)) وخالف بين أصبعيه، قالوا: كيف المخرج يا رسول الله؟ قال: ((خذ ما عرفت، ودع ما أنكرت، وعليك بخاصة نفسك، وإياك وعوامهم))([45]).
وفاته -رحمه الله-:
حكي إن امرأة جاءت إلى ابن سيرين وهو يتغدى، فقالت: يا أبا بكر رأيتُ رؤيا، فقال لها: تقصين أو تتركين حتى آكل؟ فقالت: بلى أتركك، فلما فرغ، قال لها: قصي رؤياك. فقالت: رأيتُ القمر قد دخل في الثريا، فناداني منادٍ أن أمضي إلى ابن سيرين، فقصى عليه هذا، قال: فقبض ابن سيرين يده، وقال: ويلك كيف رأيتِ؟ فأعادت عليه، فاصفَّر وجهه، وقام وهو آخذ ببطنه، فقالت له أخته: ما لك؟ قال: قد زعمت هذه المرأة أني أموتُ إلى سبعة أيام، قال: فعدوا من ذلك اليوم سبعة أيام، فدفن في اليوم السابع([46]).
([1]) انظر ترجمته في: البداية والنهاية (9/ 267) والتاريخ الكبير للبخاري (1/ 90) والأعلام للزركلي (6/ 154).
([37]) مصنف ابن أبي شيبة (7/ 146-34852) وحلية الأولياء وطبقات الأصفياء (2/ 109) والزهد والرقائق لابن المبارك والزهد لنعيم بن حماد (2/ 9).