احتساب محمد بن شهاب الزهري رحمه الله
(58 – 124 هـ = 678 – 742 م)
اسمه:
هو محمد بن مسلم بن عبد الله بن شِهاب الزهري، من بني زهرة بن كلاب، من قريش، أبو بكر([1]).
مناقبه:
هو أول من دون الحديث، وأحد أكابر الحفاظ، والفقهاء، تابعي، من أهل المدينة، كان يحفظ ألفين ومائتي حديث، نصفها مسند([2]).
قال عنه الذهبي:
أحد الأعلام، وحافظ زمانه، ولد سنة خمسين، وطلب العلم في أواخر عصر الصحابة، وله نيف وعشرون سنة.
فروى عن ابن عمر حديثين، فيما بلغنا، وعن سهل بن سعد، وأنس بن مالك، ومحمود بن الربيع، وعبد الرحمن بن أزهر، وسنين أبي جميلة، وأبي الطفيل، وربيعة بن عباد، وعبد الله بن ثعلبة، وكثير بن العباس بن عبد المطلب، وعلقمة بن وقاص، والسائب بن يزيد، وسعيد بن المسيب، وأبي أمامة بن سهل، وعروة، وسالم، وعبيد الله بن عبد الله، وخلقٌ كثير.
وعنه: صالح بن كيسان، ومعمر، وعقيل، ويونس، والأوزاعي، ومالك، والليث، وشعيب بن أبي حمزة، وفليح بن أبي سليمان، وبكر بن وائل، وعمرو بن الحارث، ومحمد بن أبي حفصة، وابن أبي ذئب، وابن إسحاق، وهشام بن سعد، وهشيم، وإبراهيم بن سعد، وابن عيينة، وخلائق.
وروى عنه من الكبار:
عمر بن عبد العزيز، وعطاء بن أبي رباح، وعمرو بن دينار، وعمرو بن شعيب، وزيد بن أسلم([3]).
قال مكحول وعمر بن عبد العزيز: لم يبق أحد أعلم بسنة ماضية من الزهري.
وروى أبو صالح عن الليث قال: ما رأيتُ عالماً قط أجمع من ابن شهاب.
يحدث في الترغيب فتقول: لا يحسن إلا هذا، وإن حدث عن العرب والأنساب قلت: لا يحسن إلا هذا، وإن حدث عن القرآن والسنة كان حديثه.
وقال عراك بن مالك: ذكر ابن المسيب وعروة إلى أن قال: أعلمهم عندي الزهري، فإنه جمع علمهم إلى علمه.
وقال الليث: قال ابن شهاب: ما صبر أحد على العلم صبري، ولا نشره أحد نشري.
وقال الليث: وكان ابن شهاب من أسخى من رأيت، كان يعطي كل من جاء، فإذا لم يبقَ معه شيء اقترض([4]).
سيرته الاحتسابية
كان للإمام الزهري رحمه الله مواقف احتسابية كثيرة، نذكر طرفاً منها:
1- إنكاره على محدثي العراق:
فعن معمر قال: سمعتُ الزهري يقول: يا أهل العراق، يخرج الحديث من عندنا شبراً، ويصير عندكم ذراعاً([5]).
2- إنكاره على ابن ابنه:
عاتبوه يوماً في دَينه، فقال: هل علي إلا عشرة آلاف دينار، وأنا منعم في الدنيا، لي خمسة من العيون، كل عين منها خير من أربعين ديناراً، وليس لي وارث إلا ابن الابن، وما أبالي أن لا يصيب مني درهماً؛ لأنه فاسق([6]).
3- إنكاره على متعنت في السؤال:
عن الأوزاعي قال: سمعتُ الزهري لما حدث بحديث: “لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن” قلتُ له: فما هو؟
قال: من الله القول، وعلى الرسول البلاغ، وعلينا التسليم، أمروا حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، كما جاء، بلا كيف([7]).
4- إنكاره على الوليد:
روى سفيان عن الزهري قال: كنتُ عند الوليد فتلا: {وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [النور: 11] فقال: نزلت في علي، قلت: أصلح الله الأمير، ليس كذا، فأخبرني عروة عن عائشة، أنها نزلت في عبد الله بن أبي المنافق([8]).
وكان الوليد يقول للزهري: إن أمكنني الله منك يوماً، فستعلم، وكان الزهري يقول: إن الله أعدل من أن يسلط علي سفيهاً([9]).
5- إنكاره على إسحاق بن عبد الله بن أبي فروة:
عن عتبة بن أبي حكيم قال: سمع الزهري إسحاق بن عبد الله بن أبي فروة، يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فقال الزهري: قاتلك الله يا ابن أبي فروة، زاد عمرو: ما أجرأك على الله، كم تجيئنا بأحاديث ليس لها خطم، ولا أزمة([10]).
6- إنكاره على نقص الحفظ:
عن موسى بن محمد البلقاوي قال: سمعت مالكاً يقول: حدث الزهري بمائة حديث، ثم التفت إلي، فقال: كم حفظت يا مالك؟
قلتُ: أربعين حديثاً، قال: فوضع يده على جبهته، ثم قال: إنا لله! كيف نقص الحفظ([11]).
أقواله وآراؤه الاحتسابية
من أقوال الإمام الزهري وآراؤه الاحتسابية:
1- قال أبو مسهر: ثنا يحيى بن حمزة قال: قال الزهري: ثلاث إذا كن في القاضي فليس بقاض: إذا كره الملام، وأحب المحامد، وكره العزل([12]).
2- وقال أيوب بن سويد: ثنا يونس قال: قال الزهري: إياك وغلول الكتب، قلت: ما غلولها؟ قال: حبسها([13]).
3- وعن معمر، عن الزهري قال: “إذا طال المجلس كان للشيطان فيه نصيب”([14]).
4- وقال: الزهري: “لا نرى أن يصلى خلف المخنث، إلا من ضرورة لا بد منها”([15]).
5- وعن الزهري أن رجلاً قال لرجل: “يا لوطي” فقال الزهري: يُضرب الحد([16]).
6- قال الزهري: “في الأمة البكر يفترعها الحر: يقيم ذلك الحكم من الأمة العذراء بقدر قيمتها ويجلد، وليس في الأمة الثيب في قضاء الأئمة غرم، ولكن عليه الحد”([17]).
7- وقال الزهري: “ورأى النبي صلى الله عليه وسلم على عائشة قلبين من فضة ملونين بذهب، فأمرها أن تلقيهما، وتجعل قلبين من فضة، وتصفرهما بزعفران”([18]).
8- وعن الزهري، عن عروة قال: سمعت عائشة تقول: قال لبيد:
ذهب الذين يعاش في أكنافهم *** وبقيت في نسل كجلد الأجرب
يتحدثون مخافة وملاذة *** ويعاب قائلهم وإن لم يشغب
قالت: “فكيف لو أدرك لبيد قوماً نحن بين ظهرانيهم؟” قال الزهري: “وكيف لو أدركت عائشة من نحن بين ظهرانيهم اليوم؟”([19]).