احتساب مطرف بن عبد الله بن الشخير رحمه الله
(000 – 87 هـ = 000 – 706 م)
اسمه:
هو مطرف بن عبد الله بن الشخير، الحرشيّ([1])، العامري، أبو عبد الله، من كبار التابعين، ولد في حياة النبي صلى الله عليه وسلم، ثم كانت إقامته ووفاته في البصرة([2]).
فضله ومناقبه:
مطرف بن عبد الله بن الشخير زاهد من كبار التابعين، له كلمات في الحكمة مأثورة، من الرواة الثقات.
قال الذهبي عنه: “كان رأسًا في العلم والعمل، وله جلالة في الإسلام، ووقع في النفوس.
حدث عن: أبيه، وعن علي، وعمار، وعمران بن حصين، وعائشة، وعياض بن حمار، وعبد الله بن مغفل المزني رضي الله عنهم وعدة.
روى عنه: أخوه يزيد أبو العلاء، وحميد بن هلال وثابت بن أسلم البناني، وسعيد الجريري، وقتادة، وغيلان بن جرير، ومحمد بن واسع وجماعة”([3]).
وعن أبي عثمان، عن مطرف بن عبد الله بن الشخير، قال أتيت الشام، فإذا أنا برجل، يصلي ويركع، ويسجد، ولا يفصل، فقلت: لو قعدت حتى أرشد هذا الشيخ، قال: فجلست، فلما قضى الصلاة، قلت له: يا عبد الله، أعلى شفع انصرفت أم على وتر؟
قال: قد كفيت ذلك، قلت: ومن يكفيك؟
قال: الكرام الكاتبون، ما سجدت سجدة إلا رفعني الله بها درجة، وحط عني بها خطيئة، قلت: من أنت يا عبد الله، قال: أبو ذر، قلت: ثكلت مطرفًا أمُّه، يُعلِّم أبا ذر السنة، فلما أتيت منزل كعب، قيل لي قد سأل عنك، فلما لقيته ذكرت له أمر أبي ذر، وما قال لي، فقال لي مثل قوله”([4]).
وعن أبي محمد الباهلي قال: سمعت زهيرًا الباني، يقول: مات ابنٌ لمطرف بن عبد الله بن الشخير، فخرج على الحي، قد رجَّل جمته، ولبس حلته، فقيل له: ما نرضى منك بهذا، وقد مات ابنك، فقال: “أتأمروني أن أستكين للمصيبة؟ فو الله لو أن الدنيا، وما فيها لي، فأخذها الله مني، ووعدني عليها شربة ماء غدًا ما رأيتها لتلك الشربة أهلًا، فكيف بالصلوات والهدى والرحمة”([5])
وعن ابن المبارك قال: أخبرنا بعض أهل البصرة أن مطرف بن الشخير ماتت امرأته أو بعض أهله، فقال ناس من إخوانه: انطلقوا بنا إلى أخيكم مطرف؛ لا يخلو به الشيطان، فيدرك بعض حاجته منه، فأتوه، فخرج عليهم دهينًا في هيئة حسنة، فقالوا: خشينا شيئًا، فنرجو أن يكون الله تعالى قد عصمك منه، وأخبروه بالذي قالوا، فقال مطرف: “لو كانت لي الدنيا كما هي، ثم سُئلتها بشربة أُسقاها يوم القيامة لافتديت بها”([6]).
من كراماته:
كذب رجل على مطرف بن عبد الله بن الشخير، فقال له مطرف: إن كنت كاذبًا، فعجل الله حتفك، فمات الرجل مكانه”([7]).
وكان مطرف بن عبد الله الشخير إِذا دخل بيته سبحت معه آنيته”([8]).
وعن قتادة، قال: “كان مطرف بن عبد الله بن الشخير، وصاحب له، سَرَيا في ليلة مظلمة، فإذا طرف سوط أحدهما عنده ضوء، فقال لصاحبه: أما إنا لو حدثنا الناس بهذا كذبونا، فقال مطرف: “المكذب أكذب” يقول: المكذب بنعمة الله أكذب”([9]).
وعن غيلان بن جرير، قال: أقبل مطرف مع ابن أخ له من البادية وكان يبدو، فبينا هو يسير سمع في طرف سوطه كالتسبيح، فقال له ابن أخيه: يا أبا عبد الله لو حدثنا الناس بهذا كذبونا فقال مطرف: “المكذب أكذب الناس”([10]).
سيرته الاحتسابية
كان لمطرف بن عبد الله بن الشخير رحمه الله سيرة احتسابية حافلة بالمواقف العظيمة نذكر طرفًا منها:
1- إنكاره على الزبير:
عن غيلان بن جرير، عن مطرف، قال: قلنا للزبير: يا أبا عبد الله، ما جاء بكم؟! ضيعتم الخليفة حتى قُتل، ثم جئتم تطلبون بدمه؟ فقال الزبير: “إنا قرأناها على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأبي بكر، وعمر، وعثمان: {وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ} [الأنفال: 25] خاصة لم نكن نحسب أنَّا أهلها، حتى وقعت منا حيث وقعت”([11]).
2- إنكاره على امرأته:
عن أبي التياح، قال: كان لمطرف بن عبد الله امرأتان، فجاء من عند إحداهما، فقالت الأخرى: جئتُ من عند فلانة؟
فقال: جئتُ من عند عمران بن حصين، فحدثنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: “إن أقل ساكني الجنة النساء”([12]).
3- إنكاره للفتن:
وعن أبي عقيل بشير بن عقبة قال: قلت ليزيد بن عبد الله بن الشخير أبي العلاء: ما كان مطرف يصنع إذا هاج في الناس هيج؟
قال: كان يلزم قعر بيته، ولا يقرب لهم جمعة ولا جماعة، حتى تنجلي لهم عما انجلت”([13]).
وقال قتادة: كان مطرف إذا كانت -يعني الفتنة- نهى عنها وهرب، وكان الحسن ينهى عنها ولا يبرح، فقال مطرف: ما أُشبِّه الحسن إلا رجلًا يحذِّر الناس السيل، ويقوم بسيبه[14]“([15]).
4- إنكاره على قوم:
وقال مطرف: “إن ها هنا قومًا يزعمون أنهم إن شاؤوا دخلوا الجنة، وإن شاؤوا دخلوا النار، فأبعدهم الله إن هم دخلوا النار، ثم حلف مطرف بالله ثلاثة أيمان مجتهدًا أن لا يدخل الجنة عبدٌ أبدًا إلا عبد شاء أن يدخله إياها عمدًا”([16]).
5- إنكاره على الحرورية:
عن حميد بن هلال قال: أتى مطرف بن عبد الله الحرورية يدعونه إلى رأيهم، قال: فقال: يا هؤلاء إنه لو كانت لي نفسان تابعتكم بإحداهما، وأمسكت الأخرى، فإن كان الذي تقولون هدى اتبعتها الأخرى، وإن كانت ضلالة هلكت نفس، وبقيت لي نفس، ولكنها نفس واحدة فأنا أكره أن أغرر بها”([17]).
6- إنكاره على أناس:
وعن حميد بن هلال قال: أتى مطرف بن عبد الله زمن ابن الأشعث ناس يدعونه إلى قتال الحجاج، فلما أكثروا عليه، قال: أرأيتم هذا الذي تدعون إليه، هل يزيد على أن يكون جهادًا في سبيل الله؟ قالوا: لا، قال: فإني لا أخاطر بين هلكة أقع فيها وبين فضل أصيبه”([18]).
7- إنكاره على رجل:
قال رجل لمطرف بن عبد الله بن الشخير: لا تحدثونا إلا بالقرآن، فقال مطرف: “والله ما نريد بالقرآن بدلًا، ولكن نريد من هو أعلم بالقرآن منا”([19]).
أقواله المأثورة
كان لمطرف بن عبد الله بن الشخير رحمه الله الكثير من الأقوال المأثورة، نذكر طرفًا منها:
1- عن قتادة في قوله تعالى: {وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا} [غافر: 7] قال مطرف بن عبد الله بن الشخير: “وجدنا أنصح عباد الله لعباد الله الملائكة، ووجدنا أغش عباد الله لعباد الله الشيطان”([20]).
2- وقال مطرف بن عبد الله بن الشخير: “الغلو في أعمال البر سيئة، والتقصير سيئة، فقال: الحسنة بين السيئتين”([21]).
3- وعن مطرف بن عبد الله بن الشخير، قال: “من أصفى صُفِّي له، ومن خَلَط خُلِط عليه”([22]).
4- قال مطرف بن عبد الله بن الشخير: “أنصح عباد الله للمؤمنين الملائكة، ثم تلا هذه الآية {رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدْتَهُمْ} [غافر: 8] وأغش عباده للمؤمنين الشياطين”([23]).
5- وعن مطرف بن الشخير قال: “لو كانت هذه الأهواء كلها هوى واحدًا لقال القائل: الحق فيه، فلما تشعبت واختلفت عَرف كل ذي عقل أن الحق لا يتفرق”([24]).
6- وعن مطرف قال: نظرت فإذا ابن آدم ملقى بين يدي الله وبين يدي إبليس، فإن شاء الله أن يعصمه عصمه، وإن تركه ذهب به إبليس”([25]).
7- عن سفيان، قال: قال مطرف: “إن أقبح ما طُلبت به الدنيا عمل الآخرة”([26]).
8- وعن مطرف بن عبد الله بن الشخير قال: أرأيتم لو أن رجلًا رأى صيدًا، فجاءه من حيث لا يراه الطير، يوشك أن يأخذه؟ قالوا: بلى.
فقال مطرف: فكذا الشيطان يراك ولا تراه([27]).
9- وقال مطرف: قلت لعمران بن حصين: أنا أفقر إلى الجماعة من عجوزٍ أرملةٍ؛ لأنها إذا كانت جماعة عَرفتُ قِبلتي ووجهي، وإذا كانت الفرقة التبس علي أمري، قال له: “إن الله عز وجل سيكفيك من ذلك ما تحاذر”([28]).
وكان مطرف بن عبد الله يقول: “اجتهدوا في العمل، فإن يكن الأمر كما نرجو من رحمة الله وعفوه، كانت لنا درجات في الجنة، وإن يكن الأمر شديدًا كما نخاف ونحاذر، لم نقل: {رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ} [فاطر: 37] نقول: قد عملنا فلم ينفعنا ذلك”([29]).
10- وعن صالح بن رستم؛ قال: قال مطرف: “لأن أبيتَ نائمًا، وأصبح نادمًا أحب إلي من أن أبيت قائمًا، وأصبح معجبًا([30]).
11- وقال مطرف: “لو خُيِّرت بأن أقوم ليلة حتى أصبح أغتاب رجلًا أو أكذب كذبة قال عبد الله وأراه قال أغتاب وأنام فلا أصلي ولا أغتاب لاخترت هذه المنزلة لا أصلي ولا أغتاب”([31]).
12- وقال مطرف بن الشخير: كفى بالنفس إطراء على رؤوس الملأ كأنك أردت به زَينُها وذاك عند الله شَينُها”([32]).
13- وعن قتادة قال: قال مطرف: “إنك لتلقى الرجلين أحدهما أكثر صومًا وصلاة، والآخر أكرمهما على الله بونًا بعيدًا، قالوا: وكيف يكون ذلك؟ قال: يكون أورعهما عن محارم الله”([33]).
14- وقال مطرف: “لو كان الخير في كفي ما نلته إلا بمشيئة الله”([34]).
15- وقال مطرف بن عبد الله وذُكر له أهل الدنيا؛ فقال: “لا تنظروا إلى خفض عيشهم، ولين رياشهم، ولكن انظروا إلى سرعة ظعنهم، وسوء منقلبهم”([35]).
16- وكان مطرف بن عبد الله بن الشخير يقول: “اللهم إني أعوذ بك من ضر ينزل يضطرني إلى معصيتك، وأعوذ بك أن أكون عبرة للناس، وأعوذ بك أن أتزين للناس بشيء من شأني يشينني عندك، وأعوذ بك أن أقول شيئًا من الحق أريد به أحدًا سواك، وأعوذ بك أن يكون أحد أسعد بما أعطيتني مني”([36]).
17- وقال مطرف بن عبد الله: “كان الرجل يلقى الخاص من إخوانه في الجنازة له عهد عنده، فما يزيده على التسليم، ثم يُعرض عنه كأن له عليه موجدة، اشتغالًا بما هو فيه، فإذا خرج من الجنازة سَائَلَهُ عن حاله”([37]).
18- وعن مطرف، عن عمران بن حصين رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: “لا تزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين يقاتلون من ناواهم” قال مطرف: هم أهل الشام”([38]).
19- وعن محمد بن عمرو البصري؛ قال: سمعت ابن عائشة يقول: قال مطرف بن عبد الله: “عقول كل قوم على قدر زمانهم”([39]).
20- وعن ثابت، قال: قال مطرف: “لِيُعظَّمْ جلالُ الله أن تذكروه عند الحمار والكلب، فيقول أحدكم لكلبه أو لشاته: أخزاكَ الله، وفعل الله بك”([40]).
21- وقال مطرف بن عبد الله: “احترسوا من الناس بسوء الظن”([41]).
22- وعن غيلان قال: قال مطرف: “إن الفتنة لا تجيء تَهدِي الناسَ، ولكن لتُقارِعَ المؤمن عن دينه”([42]).
23- وقال مطرف بن عبد الله: “دع أعمال الشر؛ فإن في الخير شرًا كثيرًا، فلو لم تكن لنا ذنوب إلا أن الله تعالى يؤاخذنا بصحة أعمالنا وإتقانها وإحكامها وإصلاحها وصوابها لكان في هذا شغل كثير لمن يعقل”([43]).
24- وعن مطرف قال: “ليس لأحد أن يصعد، فيُلقِي نفسه، ويقول قدر لي ربي، ولكن يحذر ويجتهد، فإن أصابه شيء علم أنه لن يصيبه إلا ما كتب له”([44]).
25- وقال الحسن لمطرف بن عبد الله بن الشخير الحرشي: “يا مطرف، عظ أصحابك فقال مطرف: إني أخاف أن أقول ما لا أفعل.
فقال الحسن: يرحمك الله، وأينا يفعل ما يقول؟ لَودَّ الشيطان أنه ظفر بهذه منكم فلم يأمر أحد بمعروف، ولم ينه عن منكر”([45]).
([1]) الشخير: بكسر الشين المعجمة، وتشديد الخاء المعجمة المكسورة بعدها تحتانية، ثم راء والحرشي بمهملتين مفتوحتين، ثم معجمة.
([2]) انظر ترجمته في: الطبقات الكبرى ط العلمية (7/ 24)، وحلية الأولياء وطبقات الأصفياء (2/ 198)، وتاريخ دمشق لابن عساكر (58/ 289)، والأعلام للزركلي (7/ 250)، وغيرها.