أهمية الابتسامة في عمل الداعية
أخي الداعية! في البداية نتفق على قاعدة مهمة تقول: “كل تصرف يقوم به الداعية يمكن أن تتم ترجمته إلى كلمات”. وسوف نستخدم هذه القاعدة كثيراً في بحوثنا اللاحقة إن شاء الله تعالى.
أما تفسير هذه القاعدة فيتلخص بمثال بسيط، وليكن عن نفس موضوع البحث، فأنت أخي عندما تبتسم في وجه المدعو؛ فإن هذا تصرف، وسوف يقوم المدعوبترجمته إلى الكلمات التالية: ” أنا أحبك.. أنا أحترمك.. أنا مهتم بأمرك وأتمنى لك الخير ويسرني رؤيتك “، فتخيل -أخي- كم من الكلمات الجميلة تلك التي قلتها بحركة صغيرة من شفتيك، وتخيل مسافة الطريق التي قطعتها إلى قلب المدعومن غير كثير نقاش أوطول إقناع ومماحكة، فالابتسامة تغني الذين يتقبلون دون أن تفقر الذين يعطون.
نعم.. إنها حركة بسيطة، ولكنها تعني للمدعوالشيء الكثير، فهي بذرة صغيرة ترميها في نفسية المدعوتنمووتكبر، وتؤتي أكلها بإذن الله.
وهاهوخير البشر يرشدك-أيها الداعية- ويحثك على البسمة: فيقول: «تبسمك في وجه أخيك صدقة»، وهاهو-صلى الله عليه وسلم- يصف حسن الخلق فيقول: «بسط الوجه وبذل المعروف وكف الأذى» ويقول: «كل معروف صدقة، وإن من المعروف أن تلقى أخاك بوجه طلق».
واعلم أيها الداعية -سدد الله خطاك- أن العبوس والغلظة ليست من الدين في شيء، خاصة في مقام الدعوة إلى الله، ولا يهمك بعض من جعلوا من العبوس أصلا من أصول الدين، فابتسامته كهلال رمضان لا يوفق الكثير في رؤيتها، ويسمي هذا التزمت التزاما، أو وقارا، وأنا أرى أن هذا الذي يفعل هذا الفعل لن يكون أكثر وقاراً من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الذي قال فيه أبو الدرداء -رضي الله عنه-: “ما رأيت أو ما سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يحدث حديثاً إلا تبسم”، وفي حديث آخر عن عبد الله بن الحارث بن جزء قال: “ما رأيت أحدا أكثر تبسما من رسول الله صلى الله عليه وسلم”.
وأنا في هذا المقام لا أريد أن أتوسع، فأتكلم عن رحابة الصدر واللين في الدعوة، والتي سيكون لها بحثها الخاص -إن شاء الله- وأريد أن أبقى في إطار الابتسامة، ولا بد ونحن نبحث فيها أن نؤكد على أمر مهم وهو: أن تكون هذه الابتسامة التي نهديها أحباءنا صادقة نابعة من القلب، وإلا فإنها سهم طائش، لن يصيب بل إنها قد تؤدي إلى نتائج سلبية في نفسية المدعو الذي لن يترجم الابتسامة الصفراء الكاذبة –وهو يعرفها- إلا بكلمات سوداء، ومشاعر حزينة، وهذا من أكبر العوائق في طريقك إلى قلبه.
وهاهو ديل كارنيجي -أحد علماء النفس المشهورين- يقول في كتابه “كيف تكسب الأصدقاء وتؤثر في الآخرين”: “إن ما يقال أن سر النجاح يكمن في العمل الجاد والكفاح فلا أؤمن به، متى تجرد من الإنسانية اللطيفة المتمثلة في البسمة اللطيفة”.
وهاهم أهل الصين يوجهون لدعاة الإسلام نصيحة جميلة، والحكمة ضالة المؤمن أنى وجدها أخذها.. إذ يقول المثل الصيني: “الرجل بوجه غير باسم لا ينبغي أن يفتح دكاناً “.
ونحن نقول: ” الداعية بوجه غير باسم لا ينبغي أن يكلم إنساناً “.
فكن أخي كالرجل الهرم الذي قال فيه الشاعر زهير:
تراه إذا ما جئته متهللا *** كأنك تعطيه الذي أنت سائله
وإياك أن تكون من الذين:
وجوههم من سواد الكبر عابسة *** كأنما أوردوا غصبا إلى النار
ليسوا كقوم إذا لقيتهم عرضا *** مثل النجوم التي يسري بها الساري
وتذكر دوماً أن:
الابتسامة تحدث في ومضة ويبقى ذكرها دهراً، وهي المفتاح الذي يفتح أقسى القلوب، وهي العصا السحرية التي تكبت الغضب، وتسري عن القلب.
فهيا -أخي- نبتسم في وجوه الناس.. نبشرهم ولا ننفرهم.. نغير الصورة التي طبعها البعض في أذهان الناس عن الملتزمين المتزمتين، فنبين لهم أننا ملتزمين مبتسمين، نحب الخير للناس، ونتمنى لهم الهداية والسعادة، ونشعرهم أننا نهتم بهم، وهمنا همهم وفرحنا فرحهم.
أما المصافحة والسلام باليد فهي أمر آخر جميل، تستطيع من خلاله أن تنقل سلكاً كهربائياً إلى أخيك، يشحنه محبة ووداً، وهاهو سيد الخلق محمد -صلى الله عليه وسلم- كما يخبرنا عنه أنس بن مالك رضي الله عنه قال:«كان النبي -صلى الله عليه وسلم- إذا استقبله الرجل فصافحه، لا ينزع يده من يده حتى يكون الرجل ينزع، ولا يصرف وجهه عن وجهه حتى يكون الرجل هو الذي يصرفه» ولهذا دلالة عظيمة، وأثر كبير في نفس الإنسان الذي تصافحه، فهو دليل اهتمام ومحبة، ولن يطلب الآخرون منك أكثر من ذلك.
وختاماً: أخي -يا داعية الإسلام- ما رأيك أن تجرب هذا المفتاح فتبتسم في وجه كل من تلقاه من أهلك، أو أصدقائك، أو إخوانك، أو زملائك، أو طلابك، أو موظفيك وترى ردة فعلهم، لعل الله يكتب لك أجر المعروف، بأن تلقى أخاك بوجه طلق، أو يكتب لك ما هو خير من حمر النعم، بأن يشرح الله صدر أحدهم على يديك أو على شفتيك.
وكما بدأنا بالابتسام فإنا نختم بالابتسام.. والسلام
المصدر: المختار الإسلامي