أهمية الحسبة والغاية منها
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد الكريم وعلى آله الأطهار وصحابته الكرام وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين، وبعد:
فمن المعلوم أن الشريعة الإسلامية جاءت بتحصيل المصالح وتكميلها، وتعطيل المفاسد وتقليلها، وترجح خير الخيرين، وتدفع شر الشرين، وتحصل أعظم المصلحتين بتفويت أدناهما، وتدفع أعظم المفسدين باحتمال أدناهما، وقد أمر الله تبارك وتعالى عباده بأن يبذلوا غاية وسعهم في التزام الأصلح، واجتناب الأفسد، وهذا هو الأساس الأكبر في التشريع الإسلامي؛ لأن مدار الشريعة على قوله تعالى: ?فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ? [التغابن:16]، المفسر لقوله تعالى: ?اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ? [آل عمران:102]، وعن أبي هريرة رضي الله عنه: عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «دعوني ما تركتكم، إنما أهلك من كان قبلكم سؤالهم واختلافهم على أنبيائهم، فإذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه، وإذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم»(1)، إذاً فالواجب تحصيل المصالح وتعطيل المفاسد وتقليلها، وإذا تعارضت كان تحصيل أعظم المصلحتين بتفويت أدناهما، والقاعدة: درء المفاسد مقدم على جلب المصالح، ودفع أعظم المفاسد مع احتمال أدناهما، ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: ” إذا تعارضت المصالح والمفاسد، والحسنات والسيئات، أو تزاحمت فإنه يجب ترجيح الراجح منها، فيما إذا ازدحمت المصالح والمفاسد، وتعارضت المصالح والمفاسد، فإن الأمر والنهي وإن كان متضمنا لتحصيل مصلحة ودفع مفسدة، فينظر في المعارض له، فإن كان الذي يفوت من المصالح، أو يحصل من المفاسد أكثر لم يكن مأمورا به، بل يكون محرما إذا كانت مفسدته أكثر من مصلحته، لكن اعتبار مقادير المصالح والمفاسد هو بميزان الشريعة، فمتى قدر الإنسان على إتباع النصوص لم يعدل عنها، وإلا اجتهد برأيه لمعرفة الأشباه والنظائر، وقلَّ أن تعوز النصوص من يكون خبيراً بها وبدلالتها على الأحكام، وعلى هذا إذا كان الشخص أو الطائفة جامعين بين معروف ومنكر بحيث لا يفرقون بينهما، بل إما أن يفعلوهما جميعا، أو يتركوهما جميعا، لم يجز أن يؤمروا بمعروف، ولا أن ينهوا عن منكر، بل ينظر، فإن كان المعروف أكثر أمر به، وإن استلزم ما هو دونه من المنكر، ولم ينه عن منكر يستلزم تفويت معروف أعظم منه، بل يكون النهي حينئذ من باب الصد عن سبيل الله والسعي في زوال طاعته وطاعة رسوله، وزوال فعل الحسنات، وإن كان المنكر أغلب نهى عنه، وإن استلزم فوات ما هو دونه من المعروف، ويكون الأمر بذلك المعروف المستلزم للمنكر الزائد عليه أمرا بمنكر، وسعيا في معصية الله ورسوله، وإن تكافأ المعروف والمنكر المتلازمان لم يؤمر بهما ولم ينه عنهما، فتارة يصلح الأمر، وتارة يصلح النهي، وتارة لا يصلح لا أمر ولا نهي، حيث كان المعروف والمنكر متلازمين، وذلك في الأمور المعينة الواقعة”(2)، ثم إن الغاية العظمى من الحسبة إقامة دين الله تبارك وتعالى، وأن تكون كلمة الله هي العليا، وإصلاح دين الخلق الذي متى فاتهم خسروا خسرانا مبيناً، ولم ينفعهم ما نعموا به في الدنيا، ولإصلاح ما لا يقوم الدين إلا به من أمر دينهم.
فالحسبة من أهم شعائر الدين، التي يتم من خلالها نشر الخير بين الناس، ويتم من خلالها المحافظة على المجتمع من أخطار المعاصي والمنكرات، بالإضافة إلى أنها وظيفة دينية يقصد بها: القيام بواجب الأمر بالمعروف إذا ظهر تركه، والنهي عن المنكر إذا ظهر فعله، وللأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مكانة عظمى في دين الإسلام، قال الله تبارك وتعالى: ?وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ? [آل عمران:104]، قال الإمام ابن العربي رحمه الله: “والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أصل في الدين، وعمدة من عمد المسلمين، وخلافة رب العالمين، والمقصود الأكبر من فائدة بعث النبيين وهو فرض على جميع الناس مثنى وفرادى بشرط القدرة والأمن”(3)، ويبين الإمام الغزالي رحمه الله أهمية الاحتساب فيقول: “إن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هو القطب الأعظم في الدين وهو المهم الذي ابتعث الله به النبيين أجمعين، ولو طُوي بساطه وأُهمل عمله وعلمه لتعطلت النبوة، واضمحلت الديانة، وعمَّت الفترة، وفشت الضلالة وشاعت الجهالة، وانتشر الفساد، واتسع الخرق، وخربت البلاد، وهلك العباد”(4)، وليس في ذلك مبالغة بل هو الواقع، فبالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر تتم المحافظة على العقائد من الانحراف، والعبادات من الابتداع، والدين من الفساد، وتتجلى أهمية الحسبة فيما يلي:
أولاً: معرفة فضل القيام بها: إن للقيام بأمر الحسبة فضل عظيم، وقد وصف الله تبارك وتعالى عباده المؤمنين بها وميزهم بذلك عن المنافقين كما في قوله سبحانه: ?وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَر? [التوبة:71]، وقال عن المنافقين: ?الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوف? [التوبة:67]، قال القرطبي رحمه الله: “فجعل الله تعالى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فرقاً بين المؤمنين والمنافقين، فدلَّ على أن أخص أوصاف المؤمن: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ورأسها الدعاء إلى الإسلام والقتال عليه”(5).
وذكر سبحانه أنها من صفات الصالحين الذين يطمع كل مسلم أن يكون منهم كما في قوله سبحانه: ?مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ اللَّهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ * يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَأُولَئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ? [آل عمران:113-114] قال أبو حامد الغزالي رحمه الله: “فلم يشهد لهم بالصلاح بمجرد الإيمان بالله واليوم الآخر حتى أضاف إليه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر”(6).
وأنها سبب الخيرية لهذه الأمة، التي جعلها خير الأمم لقيامها بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، كما في قوله سبحانه: ?كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ? [آل عمران:110].
وأنها سبب للنصر والتمكين، وأنها واجب من واجبات من مكَّنه الله في الأرض، كما في قوله تعالى: ?وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ * الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ? [الحج:40-41]. إلى غير ذلك.
ثانياً: معرفة خطر ترك الاحتساب: إن ترك الاحتساب مخالفة لأمر الله تبارك وتعالى وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم، لذا استحق تارك الحسبة العذاب، والأمة التي لا يقوم أفرادها بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ تصبح أمةً تعمّها المعاصي والمنكرات، وتتفشى فيها سائر الأمراض الأخلاقية والاجتماعية والاقتصادية فتصبح أمة تستحق العذاب والنكال، رويّ عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه قال: “يا أيها الناس إنكم تقرؤون هذه الآية: ?يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ? [المائدة:105]، وإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إن الناس إذا رأوا الظالم فلم يأخذوا على يديه، أوشك أن يعمَّهم الله بعقاب منه»(7)، وفي رواية ابن ماجه: «إذا رأوا المنكر»(8)، وفي رواية عند أبي داود: «ما من قوم يعمل فيهم بالمعاصي ثم يقدرون على أن يغيروا ثم لا يغيروا إلا يوشك أن يعمَّهم الله منه بعقاب»(9)، وعن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «والذي نفسي بيده لتأمُرُنَّ بالمعروف ولتنهوُنَّ عن المنكر، أو ليوشكنَّ الله أن يبعث عليكم عقاباً منه ثم تدعونه فلا يستجاب لكم»(10) فترك الاحتساب موقع في العذاب والهلاك، ومانع من موانع استجابة الدعاء، فأيّ أمة تركت الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فسيأتيها العذاب والهلاك من الله تبارك وتعالى قال الله: ?فَلَوْلا كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُولُو بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ إِلَّا قَلِيلاً مِمَّنْ أَنْجَيْنَا مِنْهُمْ وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَا أُتْرِفُوا فِيهِ وَكَانُوا مُجْرِمِينَ * وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُون? [هود:116-117]، ففي هذه الآية يخبر سبحانه أنه لو كان في الأمم الماضية من ينهى عن المنكرات لنجوا من العذاب الشامل الذي حل بهم، وفي ذلك يقول الحافظ ابن كثير رحمه الله: ” أخبر تعالى أنه لم يهلك قرية إلا وهي ظالمة لنفسها ولم يأت قرية مصلحة بأسه وعذابه قط حتى يكونوا هم الظالمين”(11)، وعن أم المؤمنين زينب بنت جحش رضي الله عنها أنها قالت لرسول الله صلى الله عليه وسلم عندما دخل عليها فزعاً يقول: «لا إله إلا الله ويل للعرب من شر قد اقترب، فتح من ردم يأجوج ومأجوج مثل هذه وحلق بإصبعيه الإبهام والتي تليها: “أنهلك وفينا الصالحون؟ قال: نعم إذا كَثُر الخَبَثُ»(12)، وفي هذا الحديث دلالة ظاهرة أن كثرة المنكرات سبب لحلول العذاب، وأنه لا سبيل للتخلص منها وإزالتها إلا بإنكارها والاحتساب على أهلها ومحاربتهم، والهلاك الذي يقع يعمّ الصالح والطالح يؤخذ ذلك من قولها: “أنهلك وفينا الصالحون؟”، ونقل الحافظ ابن حجر رحمه الله عن ابن العربي رحمه الله قوله: ” فيه البيان بأن الخير يهلك بهلاك الشرير إذا لم يغير عليه خبثه، وكذلك إذا غير عليه لكن حيث لا يجدي ذلك ويصر الشرير على عمله السيء، ويفشو ذلك ويكثر حتى يعم الفساد فيهلك حينئذ القليل والكثير، ثم يحشر كل أحد على نيته”(13)، قد يكون الهلاك عند عدم التغيير مطلقاً، وعند عدم الإنكار والاحتساب، والأمة آثمة كلها إذا لم تقم بأمر الحسبة؛ لأن الحسبة فرض كفاية إذا لم يقم بها من يكفي وقع الإثم على الجميع، إلا من أدى ما عليه فهو خارج من الإثم وقد يشمله العذاب وقد ينجوا وكل يحشر على نيته قال الله تبارك وتعالى: ?فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ? [الأعراف:165]، فأنجاء الله المنكرين كما في هذه الآية، وقال في آية أخرى مبيناً أن العذاب قد يعمّ: ?وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ? [الأنفال:25].
ثم إن ترك الاحتساب والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر سبب لوقوع لعنة الله تبارك وتعالى، لقوله سبحانه: ?لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرائيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ * كَانُوا لا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ? [المائدة:78-79].
وفيه مشابهة لأهل الكتاب لأنهم كانوا لا يتناهون عن المنكرات التي بينهم، فهذه بعض الأمور التي تبين أهمية الحسبة فعلى المسلم أن يكون حريصاً على معالجة مجتمعه حتى تصل السفينة إلى بر الأمان وتكون بعيدة عن مخاطر الغرق، وفيما يلي نذكر بعض الغاية من الحسبة فنقول:
أولاً: إن الغاية العظمى من الحسبة هي التعبد لله تبارك وتعالى بها حماية لدينه، بضمان تطبيقه في حياة الناس الخاصة والعامة، وصيانته من التعطيل أو التبديل أو التحريف، فقد وكل إلى المحتسب حث الناس على الالتزام بأداء عبادتهم بكيفياتها الشرعية، وذلك هو أمرهم بالمعروف، فالمعروف يشمل كل عمل فيه خير وقربة إلى الله تبارك وتعالى، ومنعهم من التبديل والتحريف في العبادة، ومنع البدع في الدين، ويحاربها، ويوقع العقاب على مرتكبيها، وهذا هو النهي عن المنكر.
ثانياً: تهيئة المجتمع الصالح بنشر الفضائل، ومحاربة الرذائل وإخمادها، فالمحتسب يمنع المنكرات الظاهرة، وينصح ويخوف بالله تبارك وتعالى، ويعاقب مرتكبيها إن كان ممن يوكل إليه العقاب، أو يرفع أمرهم إلى القضاء، ويتتبع المواطن التي تكون مظنة وقوع المنكرات، كالأسواق والمنتزهات وغيرها.
ثالثاً: تجنب العقاب والعذاب من الله تبارك وتعالى؛ ذلك أن فشو المنكرات وظهور الفساد يستحق العقاب؛ لكون هذه المنكرات موجبة للعذاب، وكذلك لكون السكوت عن هذه المنكرات من غير أصحابها موجب للعذاب لقول الله رب العالمين: ?وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ?، ولحديث عبد الله بن جرير عن أبيه رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما من قوم يعمل فيهم بالمعاصي ثم يقدرون أن يغيروا ولا يغيرون إلا يوشك أن يعمهم الله بعقاب».
رابعاً: تحقيق وصف الخيرية للأمة، كما قال الله تعالى: ?كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ?، وذلك لأن صلاح الدنيا والآخرة إنما يكون بطاعة الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، وذلك لا يتم إلا بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
خامساً: استقامة الموازين الاجتماعية، واتزان المفاهيم؛ حتى لا ينقلب المنكر معروفاً والمعروف منكراً، فمن أشد الأمور خطورة شيوع المنكرات وظهورها، ثم يعقب ذلك تواطؤ المجتمع على السكوت عنها وعدم إنكارها، فإذا قبلها الناس حتى صارت من الأمور المعتادة عندهم لا حاجة إلى إنكارها، فإذا وصل الأمر إلى هذا الحد تغيرت الموازين المستقيمة، وأصبح الذي ينكر المنكرات يرمى بالتطرف والغلو والتشدد، ويصبح المجتمع ينظر إليه وكأنه شاذ في أوساطهم، نسأل الله تبارك وتعالى أن يهيئ لعناصر الخير أن تسود، ونسأله أن يوفق الدعاة والمصلحين لتصدي للمنكرات ومحاربتها، وأن يُعز من أطاعه ويذل من عصاه، والحمد لله رب العالمين.
____________________________________
(1) رواه البخاري، برقم (6858)، ومسلم، برقم (1337).
(2) مجموع الفتاوى (28/129-130).
(3) فيض القدير للمناوي (5/521).
(4) إحياء علوم الدين للغزالي (2/306).
(5) الجامع لأحكام القرآن للقرطبي (4/47).
(6) إحياء علوم الدين للغزالي (2/334).
(7) رواه أبو داود، برقم (4338)، والترمذي، برقم (2168)، وأحمد في المسند برقم (30)، وقال محققوه: إسناده صحيح على شرط الشيخين، وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم (1973).
(8) رواه ابن ماجه، برقم (4005)، وأحمد في المسند، برقم (16)، وقال محققوه: إسناده صحيح على شرط الشيخين، وصححه الألباني في صحيح الجامع، برقم (1974).
(9) رواه أبو داود، برقم (4338)، وأحمد في المسند، برقم (19253)، وقال محققوه: إسناده حسن، وصححه الألباني في صحيح الجامع، برقم (5749).
(10) رواه الترمذي، برقم (2169)، وأحمد في المسند، برقم (23301)، وقال محققوه: حسن لغيره، وهذا إسناد ضعيف، وقال الألباني: حسن لغيره، في صحيح الترغيب والترهيب، برقم (2313).
(11) تفسير ابن كثير (4/361).
(12) رواه البخاري، برقم (3168)، ومسلم، برقم (2880).
(13) انظر: فتح الباري شرح صحيح البخاري، للحافظ ابن حجر (13/109).