سلطان بن عبد العزيز آل فريان
كثير من أفراد المجتمع يخلط بين واقع مشاهد وأمر تطرق له الكثير بمقياس خاص وصورة واحدة، فهؤلاء يحتاجون إلى فهم الواقع على حقيقته ودوره وتأثيره في جميع مجالات الحياة بشكل واضح على الفرد والجماعة، ولكي نخرج من الزاوية الضيقة في فهمه وشموليته فكما يراه البعض أنه التدين، التشدد، الغلو؛ ليشوشوا على المجتمع فهمه، فإدراك المعنى الحقيقي له يواكب العصر في حضارته ونمو فكره، نوجه ذلك لمن يخاطب المجتمع بذلك الفهم، أما حياتنا ومعيشتنا وفكرنا فينمو يوماً بعد يوم, ولكن يجب أن يكون بحقيقة وطريقة صحيحة, الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أمره عظيم عند الله سبحانه وتعالى، وهو من صفات الأنبياء العملية, ولو أهمل علمه وعمله لتعطل ميراث النبوة, وعمت الضلالة, واستشرى الفساد, وخربت البلاد, وهلك العباد, وهي إحدى شعائر المسلمين التي يعتزون بها طاعة الله, وكسباً لرضوانه, وشكراً على نعمه, والخوف من عقابه, قال عز وجل: ?لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ * كَانُواْ لاَ يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ? [المائدة:78-79].
وقال عز وجل: ?وَتَرَى كَثِيرًا مِّنْهُمْ يُسَارِعُونَ فِي الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ * لَوْلاَ يَنْهَاهُمُ الرَّبَّانِيُّونَ وَالأَحْبَارُ عَن قَوْلِهِمُ الإِثْمَ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ? [المائدة:62-63].
فالآية الأولى: توبيخ للمسارعين في الإثم, والآية الثانية: توبيخ للعلماء؛ لتركهم النهي.
وقال -صلى الله عليه وسلم-: «لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر, أو ليسلطن الله عليكم شراركم, ثم يدعو خياركم فلا يستجاب لهم».
وقال -صلى الله عليه وسلم-: «ما من قوم يعمل فيهم بالمعاصي ثم يقدرون أن يغيروا ولا يغيرون إلا يوشك أن يعمهم الله بعقاب».
فهل نتدبر مدى العقوبة في تعطيله وآثاره السيئة على العبادات والمعاملات والعلاقات الاجتماعية في انتشار الفساد والانحلال الخلقي.. وغيره, فمن المحزن أننا نرى كثيراً من أفراد المجتمع يخرجون عن قيم الدين وتعاليمه, وعن القوانين التي وضعتها الدولة, والمستمدة من الكتاب والسنة في تعاملاتهم وفي سلوكياتهم, في أماكنهم العامة عندما يتغيبون عن أنظار الجهات المختصة, والجميع ينظرون إليهم كأنهم يقرونهم على فعلتهم, فلا نرى ناصحاً لهم أو منكراً عليهم أو مبلغًا عنهم، بل ربما شاركوهم في فعلتهم, فهل تبدلت أحاسيسهم وقيمهم ووطنيتهم؟ فإلى متى هذا التهاون وهذا الخذلان، فالمسؤولية مسؤولية جميع أفراد المجتمع وشرائحه من كلا الجنسين, ولا تقتصر على جهات الاختصاص فقط, فالكل مكلف بذلك, فالتكاتف والمناصحة مطلوبة بين أفراد المجتمع طبقاً للضوابط الشرعية, فلا يعذر أحد في التقصير ما دام أنه يعلم خطأ ما أقدموا عليه وإن فرط فهو خائن لدينه ولوطنه ولمجتمعه, فقلة الإحساس والعمل بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مرض يشوه الصورة الحقيقية والحضارية للإسلام, حتى وصفه الغرب ومن شايعهم بالرجعية والتخلف؛ بسبب تصرفات بعض أفراد المجتمع الخاطئة, فديننا يعلو ولا يعلى عليه؛ فهو دين الحضارة والثقافة والقيم ودين الأمن, فلو طبق التناصح وإنكار المنكر بين أفراد المجتمع تطبيقاً حقيقياً لرأينا مجتمعاً مثالياً يقتدى به، ولأظهرنا صورة الإسلام الحقيقية في هذا المجتمع المسلم, والغريب أننا نجد المجتمعات الغربية في غاية الاحترام والأدب في تطبيق أنظمتهم وقوانينهم في تعاملاتهم, وفي أماكنهم العامة والأسواق.. وغيرها, بينما نجد الأمر في بلادنا الإسلامية مختلفاً تماماً, فلم السكوت عن قول الحق؟ أيخشون الناس؟ والله أحق أن يخشوه, أو أن يقال لهم من الأقوال والردود الزائفة, والتي تخالف أمر ربنا, وقوانين وأنظمة دولتنا، أفلا ندرك ما حل ببعض الدول المجاورة.. وغيرها من حروب وكوارث؟ فالسكوت عن المنكر بجميع أنواعه ينذر بتعجيل العقوبة في الدنيا بنقص الأموال والأنفس والثمرات، وما نشاهده من قلة الأمطار, وكثرة الأمراض وتنوعها في المجتمع, وغلاء المعيشة, وقلة البركة, وكثرة المشاكل الاجتماعية سببه إغفال الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر, فلنسارع في إنقاذ مجتمعنا ووطننا بكسب مرضاة ربنا, فإن مجتمعنا السعودي المسلم في أمس الحاجة للتشجيع والمناصحة والتوجيه بتفقيهه في دينه, وإنماء الوطنية فيه ليتربوا على المنهج الصحيح, فيكفينا ما نرى من أفعال وسلوكيات واستهتار يرتكبه بعض أفراد المجتمع, سواء من المواطنين أو المقيمين في تشويه الواجهة الدينية والحضارية للمملكة في مساجدنا من عدم المحافظة على قدسيتها ونظافتها، وفي أسواقنا وما يحصل من مضايقات وغش, وما ينتج عنها من آثار سلبية، وما يحصل في منتزهاتنا السياحية ومرافقنا من سوء الاستخدام وإتلاف, والتي كلفت الدولة الشيء الكثير، وما نلحظه في شوارعنا العامة من عدم التقيد بالتعليمات والأنظمة، وفي أماكن أعمالنا من عدم الإخلاص وسوء التعامل، فإلى متى السكوت عن هذه السلوكيات الخاطئة المنكرة أيه المواطن الصالح؟ فالدولة لها مؤسسات قائمة, ولكن نريد منها الحزم في تطبيق الأنظمة والتعليمات, مع توسيع المشاركة بين جميع المؤسسات الأمنية.. وغيرها مع أفراد المجتمع وتفعيلها مع بعضها البعض بنظام يحكمها, ولا تقتصر على مؤسسة واحدة، فإن هذا الوطن المعطاء له فضل على الجميع، فهو قبلة المسلمين وواجهة العالم الإسلامي.
حفظ الله علينا ديننا ووطننا وولاة أمرنا من كل سوء ومكروه.