د. سعد بن عبد القادر القويعي
يهزنا الشوق حين يحل علينا شهر رمضان المبارك بروحانيته, والتي لا تشبهها روحانية أخرى, كونه يحمل في طياته ومضات روحانية, يستوجب علينا استغلالها؛ من أجل إحداث نقلة نوعية في مستوى تنقية الروح, وتزكية النفس, تمتد شهرًا كاملاً بعد غيابه كل عام.
إن رائحة الأجواء الإيمانية الرمضانية, تتجلى في كثرة العبادات, والطاعات, التي ترضي ربنا في هذا الشهر الكريم, ولا أبالغ إن قلت: إن كثيرًا من الأمور التي نمارسها, بغض النظر عن مدى تديننا, أو أسلوب حياتنا, أو ماهية أفكارنا, يصبح لها شأن رمضاني جميل, رغم منغصات الواقع الأليم.
ذات مرة, قال صديقي: إن شهر رمضان تغير مستقبلوه, وذلك عندما لم يشعر كثير منهم بروحانيته, فلم أنكر عليه قوله, –لا سيما– وأن هذا الشهر الكريم, قد تحول عند هؤلاء إلى عروض فضائية, وقسائم شرائية, وموائد متنوعة, وكأن تلك المظاهر أصبحت مرتبطة بشهر رمضان, مع أنه شهر يتطلب منا –في واقع الحال– الطاعة, والعبادة, وتهذيب السلوك.
ولأن شهر رمضان, شهر رحمة, ومغفرة, وتسامح, فهو –أيضًا– شهر أمر بالمعروف, ونهي عن المنكر, والذي يعتبر –بلا شك– صمام أمان الأمة, وسبب في نجاتها من الهلاك العام؛ إذ إن إيجاب هذه الشعيرة, هو نوع من أنواع حرية الرأي؛ لشمولها –إضافة– إلى وظيفة الحسبة, الدعوة إلى الله بالحكمة, والنصح لكل مسلم بالقول اللين, وهو ما تنتظره صحوة ضمائرنا.
إن إذكاء روح الأمر بالمعروف, والنهي عن المنكر في قلوب الناس بالوسائل المشروعة, دون التنقيب عن المنكرات الخفية, أو التعسف في إثبات الخطأ؛ حتى نتجنب إشعار المخطئ بأنه خصم -مطلبان مهمان-؛ إذ إن كليهما ضرورة من ضرورات هذا الدور, الذي أناطه الله بالمحتسبين, وكلفهما به هذا التكليف, ومما يعين على أداء تلك المهمة, الثقة من أن كلمات المحتسب, لا بد لها من أثر ولو بعد حين, حينها –فقط– سنستطيع كسب الأشخاص, وهو ما أعتبره أهم من كسب المواقف.
بقي أن أقول: إذا كانت أمتنا فضلت على غيرها من الأمم بالأمر بالمعروف, والنهي عن المنكر, وهو من أعظم خصائصها, فإن النجاة في انقيادنا لكتاب الله, القائل: {وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [آل عمران:104].
ومثله انقيادنا لسنة رسول الله –صلى الله عليه وسلم–, القائل في الحديث المتفق عليه: «من رأى منكم منكرًا فليغيره بيده, فإن لم يستطع فبلسانه, فإن لم يستطع فبقلبه, وذلك أضعف الإيمان».
شرط أن يكون أمرنا ونهينا خالصًا لله, لا نبتغي الأجر إلا منه, وأن تكون دعوتنا بالتي هي أحسن؛ حتى تتحقق الإصلاحات المرجوة, وتؤتي ثمارها اليانعة كل حين, فهل نحن فاعلون؟