كلنا دعاة فهيا ننطلق(1)
بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه وسلم.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
بما أن الكثير من الناس مشغولين بمتابعة الأخبار فلعلي اكتب هذه الكلمة بموجز، ثم أترككم مع التفاصيل.
فتاة فرنسية تحلق شعرها على الصفر فلماذا؟
ست سنوات واهتز له عرش الرحمن فمن هو؟
خمسة من المبشرين بالجنة كان سبباً في إسلامهم فمن يكون؟
أما تلك الفتاة الفرنسية فقد تركت أوروبا وجمالها وطبيعتها الخلابة وأقبلت على ذلك البلد الإفريقي، ولكنها حلقت شعرها كاملاً على الصفر وعندما سألت عن ذلك قالت: شعري طويل، وهذا البلد بلد حار وغبار وصحراوي وسوف استغرق وقتاً طويلاً في تسريح شعري ومشطه وتجميله، فهذا الوقت أستطيع أن استغله في إدخال شخص إلى النصرانية!
أريتم همتها وهي على باطل!!
أما سعد بن معاذ -رضي الله عنه- فأسلم وعمره 30 سنة، ومات وعمره 36 سنة، وعندما مات اهتز له عرش الرحمن, الله أكبر يا هذا الفضل العظيم، وهذا مما قدم لخدمة هذا الدين في هذه السنوات البسيطة واقرءوا سيرة سعد بن معاذ إن شئتم.
أما أبو بكر الصديق -رضي الله عنه- فواحد من إنجازاته التي قدمها لهذا الدين: أن خمسة من المبشرين بالجنة أسلموا على يده، وهم: عثمان بن عفان والزبير بن العوام وعبد الرحمن بن عوف وسعد بن أبي وقاص وطلحة بن عبيد الله -رضي الله عنهم أجمعين- فلم يعملوا عملاً صغيراً كان أو كبيراً إلا كان في ميزان حسنات أبي بكر الصديق، وذلك فضل الله يأتيه من يشاء.
وبعد أنا وأنت أخي وأنت أختي ماذا قدمنا لهذا الدين؟ كم خيراً نشرنا؟ كم شراً أوقفنا؟ كم بمعروف أمرنا؟ كم عن منكر نهينا؟ كم شريطاً وزعنا؟ كم كتاباً أهدينا؟ كم أسلم على يدينا؟
اسمعوا السببين والعذرين الرئيسية للكثير من الناس عن عدم الدعوة إلى الله، أو خدمة هذا الدين، وقد يكون هناك غيرها، ولكن باختلاطي بالناس رأيت أن هذين السببين أو العذرين هما الرئيسيان.
العذر الأول: “ماني مطوع”، أو “أنا لست ملتزماً”، والفتاة تقول: “أنا غير ملتزمة”. وهذا عذر -كما يقال- أقبح من ذنب. ومن قال إن خدمة الدين محصورة على فئة معينة من الناس!! وأنا لا أقول: تعال يوم الجمعة القادم وقل للخطيب أريد أن أخطب بالناس لكي أخدم الدين, لا. ولكن كل منا عنده إمكانيات ومهارات قد لا تكون عند الآخرين، فدعونا نسخر كل ذلك في خدمة هذا الدين هذا ما أقصده. ويقول الله سبحانه: ?وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ? [فصلت:33].
العذر الثاني: “أنا عندي ذنوب فكيف تريدوني أن أدعو إلى الله وأقدم الخدمات لهذا الدين وأنا مذنب أو مذنبة؟!” وأقول: من منا سالم من الذنوب، فكلنا مذنبين كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: «كل ابن أدم خطأ وخير الخطائين التوابون»، واعلم أنها تختلف الذنوب من شخص لآخر، فالبعض غارق في الكبائر، والبعض مصر على الصغائر، والبعض مبتلى، ومن الناس المجاهر ومنهم المستحيي من الله، وهكذا. والمقصود أنه لا أحد يسلم من الذنوب, وكما قال أحد السلف: “لو كان للذنوب رائحة ما استطاع أحد منا أن يجلس بجوار الآخر”. وصدق والله.. بل لو كان لذنب من ذنوبي أنا يا كاتب هذه السطور رائحة لغادر الناس منازلهم ومدنهم، ولا أدري هل يسلمون من أذى تلك الرائحة أم لا، ولكن نسأل الله كما ستر علينا ذنوبنا في الدنيا أن يغفرها لنا يوم أن نلقاه.
وإذا فرضنا أننا قبلنا هذا العذر فهل نصبح فقط مستقبلين لهذه الذنوب لا يوجد عندنا إرسال خير؟ واسمعوا قول الباري تبارك وتعالى: ?إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ? [هود:114]، وعن أبي ذر جندب بن جنادة، وأبي عبد الرحمن معاذ بن جبل -رضي الله عنهما- عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: «اتق الله حيثما كنت، وأتبع السيئة الحسنة تمحها، وخالق الناس بخلق حسن» [رواه الترمذي، وقال حديث حسن، وفي بعض النسخ: حسن صحيح]، وأهم شيء ألا تجعلوا هذه الذنوب حجر عثرة في نشر الخير وخدمة الدين، ولا تعلم أخي ولا تعلمين أختي السبب الذي قد يدخلنا الجنة بعد رحمة الله وفضله, ألم يغفر الله لتلك الزانية التي سقت كلباً كاد يهلك من شدة العطش؟ وألم يغفر الله لذلك الرجل الذي أزاح جذع شجرة كان يؤذي الناس في طريقهم؟ فلا تحتقرون أي عمل خير وإن كان صغيراً.
وأخيراً: هناك الكثير من الأمور التي نستطيع أن نخدم هذا الدين بها، ولكني سوف أقتصر على خمسة أمور فقط خوفاً من الإطالة:
1- المعاملة الحسنة وتطبيق الدين بشكل صحيح, فكم من الناس ذكوراً وإناثاً صدوا عن الإسلام بسوء معاملتهم وفساد أخلاقهم, وكم من الأشخاص دخل -بعد فضل الله- بسببهم الكثير من الناس إلى الإسلام أو اهتدوا على أيديهم وهم لم يتكلموا بكلمة واحدة عن الدين وكل ذلك بحسن أخلاقهم ومعاملتهم الطيبة.
2- توزيع الكتب والأشرطة النافعة سواء في الاجتماعات العائلية أو المناسبات الأخرى مثل الزواجات أو غيرها, وأريد منكم أن تجعلوها على شكل هدية جذابة وإعطائها الأشخاص بأنفسكم أو اجعلوا الصغار يقومون بذلك، أو إذا أردتم فضعوها في مكان بارز يراه الجميع أو أي طريقة ترونها مناسبة، واحرصوا على توزيعها وإرسالها للدول الأخرى كذلك، فهناك الكثير من العمالة الوافدة، فإن كانوا من المتحدثين بالعربية فجهزوا لهم الكتب المناسبة، وركزوا على كتب العقيدة والتوحيد والسيرة والرقائق وغير ذلك مما ترونه نافعاً وضعوها لهم في صندوق أو كرتون وأعطوهم إياها وهم سوف يكونون ممتنين وداعين لكم بكل خير، وبهذا الجهد البسيط تكونون من الدعاة إلى الله في تلك البلاد وأنتم لم تذهبوا إليها وتبقى هذه الكتب والأشرطة مثل الوقف الجاري الذي تصلكم حسناته وأنتم في بطون اللحود, وإن كانوا غير متحدثين باللغة العربية فهناك مكاتب توعية الجاليات فيها من الكتب المختلفة بالكثير من اللغات والكثير منها مجاناً فخذوها وأعطوهم إياها وهم يكفونكم مشقة إيصالها إلى تلك الديار.
3- استخدام التقنية من جوالات وهواتف وإنترنت وغيرها في نشر الخير فالتقنية لا تعرف الحدود، وتوصلنا إلى أماكن لم نكن لنصلها إلا بشق الأنفس، ففيها الخير والشر، فإن استخدمناها في الأمور النافعة فلا تسأل عن الخير العظيم الذي سوف نجنيه من وراء ذلك ومن استخدمها أو استخدمتها في نشر الشر والفساد والآثام فلا يلوم إلا نفسه, فمن منازلكم أو مكاتبكم تستطيعون نشر الدين والخير في أقطار الدنيا.
4- ألا تعلمون أن هناك مصانع للخمور ومروجين للمخدرات وبيوت دعارة وأشخاص أصحاب أفكار ضالة وسحرة ومشعوذين وغير ذلك من أمور الفساد, فما عليكم إذا علمتم شيء من ذلك أو شككتم في شيء إلا أن تبلغوا الجهات المسئولة وهم سوف يتولون الباقي, فكم من مصنع خمور أغلق وكم من منزل للدعارة كشف من فيه وكم من ساحر قبض عليه بفضل من الله ثم بسبب اتصال من بعض الغيورين والغيورات على هذا الدين.
5- وأخيراً المال فهو من الوسائل المهمة في العمل للدين والدعوة إلى الله -عز وجل- فادعموا المشاريع الخيرية المنتشرة في الكثير من الأماكن, ولا تنتظرون مكاتب الدعوة أو توعية الجاليات أو الجمعيات الخيرية أو المبرات حتى يأتوكم ويعرضون عليكم ما يحتاجون بل بادروا أنتم بالذهاب إليهم ودعم المشاريع الكثيرة القائمين عليها فكم من مشروع كان يوصل الخير وينشر الدين في بقاع الأرض توقف بسبب قلة الدعم المادي له, فاستقطعوا من دخلكم وتذكروا أنكم إنما تقدمون لأنفسكم، قال الله تعالى: ?وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنفُسِكُم مِّنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِندَ اللَّهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ? [المزمل:20].
وأخيراً: اقرنوا هذه الأعمال جميعاً بالنية الصادقة والعمل الخالص لوجه الله سبحانه، ولا تنتظروا الشكر والأجر من أحد غير المولى عز وجل، وتذكروا أن بعض الأنبياء يوم القيامة يأتي لوحده؛ لأنه لم يستجب له أحد من قومه، والبعض يأتي معه الرجل والرجلان، وأنتم قد تأتون بأعداد كبيرة أسلموا على أيديكم أو اهتدوا بفضل من الله ثم بفضل عمل صغير عملتموه لخدمة هذا الدين والدعوة إلى الله العلي القدير.
والله أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه الطاهرين الطيبين.
المصدر: صيد الفوائد
___________________
1- ملاحظة: هذه الكلمة توجد كمقطع فيديو ألقيتها بعنوان: (فتاة فرنسية حلقت شعرها على الصفر فلماذا؟ وهي موجودة في مواقع مقاطع الفيديو المعروفة، وأيضاً في بعض المنتديات.