هذا يضع مائدة من عشرين حاشيا وأطنان من الأرز، وذلك يضع ذبيحة لكل فرد يجلس على صحنها منفردًا، وآخر يغسل أيادي الضيوف بدهن العود النفيس.. إلخ من أشكال مرض الشعور بالنقص الذي يعوضه المريض بما يظنه تميزًا وانفرادًا ولفتًا لأنظار ما كانت لتلتفت إليه؛ بسبب نقصه (أو هكذا يشعر).
لم يكن ذلك السلوك مقبولًا في أي زمان ولا مكان قط، فهو من التبذير والإسراف, واستفزاز الجياع والفقراء والمعدمين وقهرهم, وحملهم على الحقد على الوطن وأهله والأبرياء من ميسوري الحال, ممن لا يبذرون ولا يسرفون, ويتصدقون ويعطفون على المحتاج، وهم الغالبية ولله الحمد والمنة.
أقول: لم يكن ذلك السلوك مقبولًا في أي زمان ولا مكان أبدًا، لكنه اليوم أكثر خطورة من ذي قبل, وأحرى بالرفض والمحاربة والردع؛ ذلك أن ظروف انتشار الجوع والفقر والحصارات لا تحتمل مزيدًا من الاستفزاز، كما أن وسائل التواصل الاجتماعي وسرعة انتقال الصورة والمشهد وانتشارهما باتت أكبر وأوسع وأسرع وقهرها أكبر!
أولئك القلة من السفهاء يجب أولًا تذكيرهم بشكر النعم, ومن شكرها: احترامها, واحترام مشاعر المحروم منها, وعدم الإسراف والتبذير، وهذا التذكير دور أهل العلم وخطباء المساجد والدعاة, ويجب أن يكثف هذا الدور ويركز عليه بشفافية عالية لا تخلو من الأمثلة.
وثانيًا: على الدولة -أعزها الله- أن توجه توجيهًا صريحًا بوجوب فرض القدوة الحسنة في هذا الشأن الخطير, (وكل شأن), ومن ذلك توجيه الوزارات وإمارات المناطق والمؤسسات باتخاذ أقصى درجات التوفير والقصد في الحفلات والمناسبات, وجعلها مبسطة جدًا, أيًا كان الضيف أو كانت أهمية المناسبة، فتلغى الولائم الكبيرة وتبسط, ويحث على هذا النهج.
كما يجب عدم الاستجابة للدعوات والاحتفالات والمناسبات من قبل أمراء المناطق والمسؤولين والوزراء, إلا بعد اشتراط قائمة طعام وتقديمها محددة مبسطة، وكلما كان الضيف أهم وكانت الوليمة أبسط انتشر المفهوم, وسادت القدوة الحسنة, وعلم (المهايطية) أن إسرافهم يؤخر ولا يقدم.
غني عن القول: إن أصحاب الثراء والمال والجاه كلما اقتصدوا في حفلاتهم ومناسباتهم وزواجاتهم وجعلوها بسيطة مبسطة سنوا سنة حسنة, واقتدى بهم الغير, وأصبحت البساطة هي السائدة, ولم تعد المبالغات وسباق الإسراف ميدانًا للتنافس.
http://www.okaz.com.sa/new/Issues/20160117/Con20160117819848.htm